الحكومة المصرية تتجه نحو تعديل قوانين مجانية التعليم

بات معتادا هذه الأيام في مصر تواتر الحديث عن جدوى استمرار مجانية التعليم. وتطرح العديد من الأسئلة من قبيل هل ما زالت مجانية التعليم في مصر حقيقية أم أنها مجرد شعار لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع؟ الأمر الذي جعل العديد من الخبراء يؤكدون أن مجانية التعليم في مصر باتت على المحك.
الثلاثاء 2017/08/22
إرث ثقيل

القاهرة - صدرت مؤخرًا تلميحات من الحكومة المصرية تفيد بأنه لا يجب النظر إلى أن مجانية التعليم حق مكتسب بل هي بالأساس “منحة من الدولة”، وذلك على الرغم من أن الدستور المصري المستفتى عليه في العام 2014 يلزم الحكومة بتوفير تعليم مجاني لمختلف فئات المجتمع.

وصرح طارق شوقي وزير التربية والتعليم في أكثر من مناسبة بأن مجانية التعليم في مصر غير موجودة على الأرض، وأن الأسر المصرية تدفع عشرات المليارات من الجنيهات سنويًا على الدروس الخصوصية. وشدد تبعا لذلك على أنه لم يعد صالحا استمرار هذا الوضع المتمثل في أن هناك الآن تعليمًا موازيًا للتعليم الحكومي بالبلد.

الواقع اليوم في مصر يكشف أن المجانية مقتصرة هذه الأيام على طلاب الأسر البسيطة والمتوسطة ممن لا يستطيعون دفع الآلاف من الجنيهات في مدارس التعليم الخاص، وبدا ذلك في القرار الأخير لوزارة التعليم باقتصار عدم دفع المصروفات في مدارس المتفوقين على طلاب المدارس الحكومية والتجريبية فقط.

ويعني هذا القرار أن كل طالب حصل على الشهادة الإعدادية، وكان يدرس في مدرسة خاصة أو دولية، سوف يكون مجبرًا على دفع نحو 30 ألف جنيه (ما يقرب من 2000 دولار) كمصروفات دراسية كل عام نظير الالتحاق بأيّ من مدارس المتفوقين في المرحلة الثانوية، أما باقي الطلاب الفقراء فهم مستثنون من هذا المبلغ.

وتسبب القرار في حدوث حالة من الغضب حيث وصفته بعض الأسر بأنه تمييز صارخ ضد طلاب المدارس الخاصة والدولية الذين لا ذنب لهم في أنهم التحقوا بهذه المدارس هروبًا من تدهور التعليم الحكومي حتى تعاقبهم الحكومة بمصروفات مغالى فيها إذا ما أرادوا الالتحاق بمدارس المتفوقين.

ويلتحق بمدارس المتفوقين الطالب الحاصل على مجموع 95 بالمئة فأكثر في الشهادة الإعدادية، نظرًا إلى أن لها طبيعة خاصة في الدراسة تعتمد على العلوم والرياضيات والأبحاث والابتكارات بشكل أساسي، ولا يدخلها سوى الأذكياء جدًا والعباقرة.

وبرر ياسر عبدالعزيز، وكيل وزارة التعليم للمرحلة الثانوية، لـ”العرب” اقتصار المجانية في هذه المدارس على أبناء المدارس الحكومية بأن الحكومة لا تستطيع تحمل مصروفات كل الطلاب في مدارس المتفوقين، ولا يمكن مساواة هؤلاء القادرين الميسورين الذين كانوا يدفعون الآلاف من الجنيهات في المدارس الخاصة والدولية بمن درسوا في التعليم الحكومي.

ما خطط له بشأن المجانية في مصر، حسب ما يجري على الساحة، هو أن تكون مرتبطة بالتفوق والتميز العلميَّين، وأن تستهدف فئة معينة ممثلة في أبناء البسطاء، وأن يدفع أبناء الفئات الأخرى تكلفة تعليمهم

وأضاف عبدالعزيز أن المجانية في هذه المدارس موجهة لمن لا يستطيعون دفع المصروفات، وإذا طبقت المجانية على الجميع فسوف ينهار التعليم في مدارس المتفوقين، وليس من المنطقي أن يُحرم الطالب الذكي العبقري من الالتحاق بهذه المدارس لمجرد أن أبويه فقيران، بل لا بد أن تتحمل الدولة تكلفة تعليمه، وقال “”هذه هي المساواة الحقيقية وليس في الأمر عنصرية كما يزعمون”.

ولا يدفع الطالب الذي يتعلم في المدارس الحكومية بمصر أكثر من مئة جنيه (نحو خمسة دولارات فقط) في العام الواحد. ويشمل هذا المبلغ المصروفات الدراسية والكتب والأنشطة وغيرها، لكنه يدفع أكثر من 20 ضعفًا لهذا المبلغ على الدروس الخصوصية لتدني مستوى التعليم في هذه المدارس.

وتظهر كل المؤشرات أن الحكومة في مصر عازمة على تغيير الإستراتيجية الخاصة بمسألة المجانية، لا سيما أن من بين خطط تطوير التعليم إعادة النظر في مواد الدستور والقانون التي تمنع اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية نحو المزيد من التطوير.

ورأى مراقبون للحراك الحكومي الرامي إلى إصلاح منظومة التعليم أن أي تعديلات في مواد الدستور الخاصة بالتعليم سوف تغيّر من سياسة مجانيته حتى يمكن الاستفادة من الأموال المهدورة على الدروس الخصوصية، فضلا عن قصر المجانية على فترة زمنية محددة من مسيرة الطالب التعليمية.

دليل ذلك أن وزارة التربية والتعليم أبدت ترحيبًا على استحياء بتصريحات أدلى بها العالم المصري فاروق الباز خلال مؤتمر عُقد في مايو الماضي، وتحدث خلاله عن ضرورة اقتصار المجانية على فئة عمرية من الطلاب، ولتكن حتى نهاية المرحلة الإعدادية، حتى تكون هناك منافسة بين الطلاب ومن ثم يتسنى إصلاح المنظومة برمتها.

وقال مصدر مسؤول بوزارة التعليم لـ”العرب” إنه لا يمكن إلغاء المجانية بالنسبة لأبناء البسطاء، وإن العدل هو أن يتم الأخذ من الأغنياء لصالح الفقراء، لكن المشكلة أن الحكومة إذا قالت لأي ولي أمر ادفع عشرة جنيهات لصالح تطوير التعليم فإنه سيرفض بشدة، وفي نفس الوقت تراه يدفع الآلاف من الجنيهات للدروس الخصوصية، وبالتالي يجب أن تكون هناك وقفة جادة لتعديل هذا الخلل.

وأوضح المصدر الذي رفض نشر اسمه وهو قريب من صناع القرار التعليمي، أن “المجانية ستظل موجودة لكن في إطار ضوابط، فإذا كان ولي أمر الطالب يدفع 1000 جنيه على الدروس الخصوصية التي لا تستفيد منها الحكومة، فليدفع مستقبلًا بضع عشرات من الجنيهات لمجموعات تقوية داخل المدرسة لتدخل خزانة الدولة، مع وضع عقوبات مشددة على المعلمين المخالفين لذلك”.

يلتحق بمدارس المتفوقين الطالب الحاصل على مجموع 95 بالمئة فأكثر في الشهادة الإعدادية، نظرًا إلى أن لها طبيعة خاصة في الدراسة تعتمد على العلوم والرياضيات والأبحاث والابتكارات بشكل أساسي

ويتعلم في مصر الآن 22 مليون طالب في التعليم الحكومي بنحو 52 ألف مدرسة في كل مراحل التعليم، من بينهم 600 ألف طالب يذهبون إلى مرحلة التعليم الجامعي سنويًا.

أما بالنسبة لمشكلة المجانية في الجامعات الحكومية المصرية، فتتمثل في أن هناك طلبة يستفيدون منها بطرق سلبية، بمعنى أنه قد يكون هناك طالب راسب ومع ذلك يظل يدرس في نفس الصف الدراسي لثلاثة أو أربعة أعوام على حساب الدولة، وهو الأمر الذي استدعى التدخل هذا العام بطريقة لا تمحو المجانية بشكل نهائي لكنها سوف تكون عبارة عن حافز للطلاب الجامعيين.

ويتمثل النظام الجديد، المنتظر تطبيقه خلال العام الدراسي الجديد (بدءًا من منتصف سبتمبر المقبل)، في أنه سوف يتم إبلاغ كل طالب عبر استمارة الالتحاق بالكلية، بأن “المجانية هبة من الدولة يجب الاستفادة منها من خلال تميزك التعليمي، لكن في حال رسوبك فلن تتحمل الدولة تكلفة ذلك”.

ما يعني أن الطالب الراسب أو الذي يعيد السنة الدراسية في مجموعة من المواد، سوف يدفع تكلفة الدراسة كاملة، والتي تختلف قيمتها من كلية إلى أخرى، فهناك الكليات العلمية مثل الطب والعلوم والهندسة مصروفاتها مرتفعة لاعتمادها على المعامل والتجارب والأبحاث بشكل أكبر على عكس الكليات النظرية مثل التربية والآداب.

وقال رضا سعيد، الخبير التربوي والباحث التعليمي لـ”العرب”، إن ما خطط له بشأن المجانية في مصر، حسب ما يجري على الساحة، هو أن تكون مرتبطة بالتفوق والتميز العلميَّين، وأن تستهدف فئة معينة ممثلة في أبناء البسطاء، وأن يدفع أبناء الفئات الأخرى تكلفة تعليمهم.

وأشار إلى أن ذلك مرحب به شريطة أن يستهدف العائد من ذلك تحسين واقع التعليم الحكومي، أما إذا توسعت قاعدة تقليص المجانية دون ضوابط أو رؤية وخطة للإصلاح فإن ذلك سوف يؤدي إلى المزيد من الأمية في المجتمع الذي أصبح نحو 20 بالمئة منه لا يجيدون القراءة والكتابة باعتراف الحكومة نفسها.

17