الحكومة الليبية تريد علاقة متوازنة بين مصر وتركيا عبر الاقتصاد

الحكومة الليبية تسعى لتوظيف الثروة في ضبط التوازنات بين القوى الخارجية التي انصبّ اهتمامها على الاستفادة اقتصاديا.
الخميس 2021/04/22
إحياء الشراكة بين القاهرة وطرابلس 

عكس الحراك الدبلوماسي الأخير الذي تعرفه الساحة الليبية في علاقة بمصر وتركيا سعيا من الحكومة الجديدة بقيادة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي لبناء علاقة متوازنة بين أنقرة والقاهرة، حيث وقع وفد مصري قاده رئيس الوزراء مصطفى مدبولي 5 اتفاقيات اقتصادية مع الجانب الليبي الثلاثاء بعد أيام من زيارة قام بها الدبيبة صحبة ووفد إلى تركيا جرى خلالها كذلك توقيع عدد من الاتفاقيات في أنقرة.

القاهرة- أكدت الزيارة التي بدأها رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي لطرابلس، الثلاثاء، أن السلطة التنفيذية الليبية تريد ضبط علاقاتها بين مصر وتركيا من خلال عجلة الاقتصاد، حيث جاءت بعد نحو أسبوع من زيارة قام بها رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبدالحميد الدبيبة لأنقرة وقع فيها خمس اتفاقيات اقتصادية مهمة.

وترأس مدبولي لأول مرة وفدا رفيعا برفقة 11 وزيرا، ضم وزراء المجموعة الاقتصادية وبعض المستثمرين، للتباحث مع المسؤولين في طرابلس حول سبل تطوير التعاون وتوقيع جملة من الاتفاقيات الاقتصادية التي من شأنها أن تعزز العلاقات بين البلدين في الفترة المقبلة.

وقال الدبيبة في مؤتمر صحافي مع مدبولي في طرابلس الثلاثاء إنه “تم الاتفاق مع مصر على إعادة فتح السفارة والقنصلية المصريتين في ليبيا بعد عيد الفطر”.

وأوضح أنه تم الاتفاق على عودة الرحلات الجوية المباشرة من ليبيا إلى مطار القاهرة الدولي وفتح الخطوط البحرية للركاب والشحن بين موانئ البلدين، مشيرا إلى توقيع “3 اتفاقيات مع مصر في مجال الكهرباء و3 اتفاقيات أخرى في مجال الاتصالات والتعاون الفني وأخرى في مجال البنية التحتية والمواصلات والقوى العاملة واتفاقية في مجال الصحة”.

وتجهز القاهرة حاليا البنية اللوجستية لإعادة فتح السفارة المصرية في طرابلس والقنصلية في بنغازي قريبا، لتسهيل مهمة سفر الليبيين، والتأكيد على أن هناك تغيرات في المشهد، وهو ما يتماشى مع إعلان عدد من الدول إعادة فتح سفاراتها في ليبيا.

وتعول مصر على توقيع اتفاقيات كبيرة بشأن مشروعات إعادة الإعمار، وضمان عودة العمالة إلى الأراضي الليبية بكثافتها السابقة التي وصلت إلى أكثر من مليون مواطن، وفتح الطريق أمام عمل الكثير من الشركات مباشرة دون جهات وسيطة.

ومنحت القاهرة اللجنة الليبية المعنية بالأمور الاقتصادية أهمية كبيرة، وضاعفت من تحركاتها للحد من استمرار الخلل في الإنفاق الذي كرسته حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، حيث بددت نسبة كبيرة من الثروة الليبية على الميليشيات وقادتها.

ويؤدي هدوء واستقرار الأوضاع في ليبيا إلى تطلع قوى كثيرة للاستثمار، ومن مصلحة مصر أن تثبت أقدامها مبكّرا وتؤكد قدرتها على المشاركة في مشروعات إعادة الإعمار ونيل جزء منها قبل أن تنهمر على ليبيا شركات دولية كبرى.

تركيا ربطت خروج قواتها العسكرية وترحيل المرتزقة بالحصول على مزايا تفضيلية في المجال الاقتصادي
تركيا ربطت خروج قواتها العسكرية وترحيل المرتزقة بالحصول على مزايا تفضيلية في المجال الاقتصادي

وترتاح السلطة الليبية إلى مؤشرات التقارب الحاصل بين القاهرة وأنقرة، لأنه يخفف عنها الضغوط الواقعة عليها جراء الحديث المتزايد بشأن انحيازها إلى أنقرة وحرصها على استمرار الاتفاقيات والتفاهمات معها، فكلما تحسنت العلاقات بين الجانبين تراجعت فرص المنافسة أو الصراع بينهما داخل ليبيا.

ودعا نائب المجلس الرئاسي عبدالله اللافي، الثلاثاء، إلى ضرورة عودة الشركات التركية إلى ليبيا في أسرع وقت ممكن للمساهمة في إعادة الإعمار وتفعيل عمل اللجنة المشتركة المتعلقة بالمشاريع السابقة، ومعالجة المشاريع المتوقفة.

ومن المتوقع أن يقوم وفد وزاري تركي كبير بزيارة إلى ليبيا قريباً لبحث المزيد من التعاون الاقتصادي، بعد زيارة الدبيبة إلى تركيا على رأس وفد ضم 14 وزيرا زادت من أسهم أنقرة في الحصول على جزء معتبر من كعكة الاقتصاد بصورة معلنة.

وكشفت مصادر ليبية لـ “العرب” أن تركيا ربطت خروج قواتها العسكرية وترحيل المرتزقة بالحصول على مزايا تفضيلية في المجال الاقتصادي، واستمرار الأموال الليبية في بنكها المركزي وعدم المساس بالاتفاقيات الموقعة إبان حكومة السراج.

وفي الوقت الذي تصر فيه مصر على خروج القوات التركية من ليبيا تتفهم حرص أنقرة على الدفاع عن مصالحها الاقتصادية التي تنامت مؤخرا، لكن دون استخدام الأدوات العسكرية والاستثمار في المرتزقة، أو جر السلطة إلى اتفاقيات مشبوهة.

وطمأنت الزيارة التي قام بها المنفي والدبيبة إلى القاهرة عقب تولي منصبيهما القيادة المصرية بحرصهما على استئناف التعاون الاقتصادي بشكل كبير، بحكم الجوار والمصالح الاجتماعية المتداخلة، وضمان تأييدهما إذا لم يتسن إجراء الانتخابات في موعدها قبل نهاية العام الجاري.

وقالت المصادر الليبية لـ”العرب” إن “رغبة المنفي والدبيبة في الاستمرار في الحكم بطريقة سلسة تستوجب منهما توفير قدر ملحوظ من تغيير الأوضاع الاقتصادية بما يصب في صالح جميع المواطنين، وينهي ظاهرة عدم التوزيع العادل للثروة، ويحل إشكالية التناقض الحاد بين مصر وتركيا”.

منحت القاهرة اللجنة الليبية المعنية بالأمور الاقتصادية أهمية كبيرة، وضاعفت من تحركاتها للحد من استمرار الخلل في الإنفاق الذي كرسته حكومة الوفاق

وأضافت أن “تطورات إيجابية عديدة حدثت الأسابيع الماضية وقوّضت سلطة رئيس المصرف المركزي الصديق الكبير للتصرف في الأموال بصورة غير عادلة، وجففت الكثير من القنوات التي كانت تتسرب منها عائدات الثروة النفطية في غير محلها”.

وتسعى السلطة الجديدة نحو توظيف الثروة الليبية في تخفيف وطأة الأزمات المتراكمة وضبط التوازنات بدقة بين القوى الخارجية التي انصبّ جل اهتمامها على الاستفادة من النواحي الاقتصادية.

ويقلل متابعون من أهمية الرهانات والطموحات، لأن الأوضاع غير مستقرة تماما، ويمكن أن تنفجر في أي لحظة طالما بقيت الميليشيات المسلحة قوية، كما أن السلطة الجديدة مؤقتة ومحكومة ببرنامج زمني معين، وهو ما يؤثر على ضمانات إنزال الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع مصر على الأرض.

4