الحكومة العراقية تغامر بتوقيع اتفاقات وتسديد أموال لإيران

أدخلت الضغوط الإيرانية الحكومة العراقية في مغامرة محفوفة بالمخاطر بالبدء في تسديد فواتير الكهرباء وتوقيع اتفاقات يمكن أن تستفز الولايات المتحدة في مجالات الطاقة ونقل التكنولوجيا في ظل انقسام البرلمان العراقي بين مؤيدين ومعارضين للنفوذ الإيراني الكبير في البلاد.
لندن – توقع محللون أن يتصاعد الشد والجذب بين واشنطن وطهران في الساحة العراقية بعد الإعلان عن توقيع اتفاقات جديدة في مجال الطاقة ونقل التكنولوجيا، إضافة إلى بدء تسديد العراق لفواتير استيراد الكهرباء من إيران.
ولم تعلن بغداد بشكل صريح عن تلك الاتفاقات التي صدرت من الجانب الإيراني، وهو ما يكشف أيضا حجم الانقسام بين الأحزاب الموالية لطهران والأحزاب المتحفظة على التداعيات السيئة لنفوذها الكبير على القرار السياسي العراقي.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا) عن وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان تأكيده أمس أن الحكومة العراقية بدأت بتسديد الديون المستحقة عليها مقابل استيراد الكهرباء من إيران.
وأكد الوزير أن شركة تافانير للكهرباء التي تديرها الدولة في إيران وقعت أمس اتفاقا لتمديد تصدير 1300 ميغاواط من الكهرباء إلى العراق.
ويقول محللون إن عدم ذكر تفاصيل عن طريقة تسديد بغداد لتلك الديون، التي تقدر بنحو ملياري دولار وفق بيانات رسمية، أمر قد لا يكون محسوما بتلك الدرجة من الوضوح على الجانب العراقي.
وأكدوا أن التصريحات الإيرانية قد تكون للاستهلاك المحلي في الشارع الإيراني لتخفيف التذمر بإعطائه بصيص أمل بإمكانية تخفيف الأزمات الاقتصادية.
ويستورد العراق ما يصل إلى 1300 ميغاواط من الطاقة الكهربائية من إيران منذ سنوات طويلة، للحد من نقص القدرات المحلية بسبب تردي البنية التحتية، رغم إنفاق عشرات مليارات الدولارات في مشاريع تسربت أموالها في جيوب الفساد. وكشف أردكانيان عن توقيع اتفاقية تعاون مع العراق في مجال صناعة الكهرباء تمتد 3 أعوام، بهدف إعادة تأهيل صناعة الكهرباء وتدريب الكوادر البشرية وخفض الإهدار في شبكة الطاقة العراقية.
ويتناقض الاتفاق مع العقود الشاملة التي أبرمها العراق في العام الماضي مع شركتي جنرال إلكتريك الأميركية وسيمنز الألمانية لمضاعفة طاقة التوليد وإعادة تأهيل شبكة التوزيع.
ويتضح التحدي الإيراني في قول الوزير إن “تطوير العلاقات لا يرتبط بالحظر الأميركي أحادي الجانب (وأن) طهران تسعي للتعاون مع دول المنطقة عبر العراق لحل وتسوية جميع القضايا”.
وأكملت الولايات المتحدة في نوفمبر الماضي فرض الحزمة الثانية من عقوباتها الاقتصادية على طهران، والتي شملت قطاعات الطاقة والتمويل والنقل البحري، بعد حزمة أولى في أغسطس الماضي.
وتصاعدت ضغوط الولايات المتحدة على بغداد لإنهاء اعتمادها على إيران في إمدادات الغاز والكهرباء، بعد أن منحتها مهلة لوقف تلك الإمدادات عند دخول المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ في 5 نوفمبر الماضي.
ولا يبدو حتى الآن أن الحكومة العراقية حققت أي تقدم يذكر، وهي لا تزال تطالب بإعفائها من العقوبات الإيرانية أو منحها وقتا أطول لتقليص حاجتها لإمدادات الغاز والكهرباء الإيرانية.
وتجاهلت الإدارة الأميركية تلك المطالب وصعدت ضغوطها على بغداد. وكان آخرها زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى بغداد والتي أكد خلالها أهمية استقلال العراق في مجال الطاقة وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وذلك قبل شهرين من انتهاء المهلة التي حددتها واشنطن للعراق للالتزام بالعقوبات الأميركية على طهران.
وتتصاعد أصوات الأطراف السياسية العراقية المقربة من إيران، الرافضة للالتزام بالعقوبات الأميركية، إضافة إلى زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى بغداد وكان آخرها زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي وجه رسائل تحد للإدارة الأميركية.
في المقابل تتصاعد أصوات عراقية أخرى، تشجب النفوذ الإيراني وتطالب بالالتزام بالعقوبات الأميركية وعدم تعرض مصالح البلاد للخطر. ويرى محللون أن الحكومة في وضع حرج بسبب انقسام البرلمان إلى كتلتين إحداهما موالية لطهران والأخرى معارضة لنفوذها في وقت تدرك فيه أنها لا تستطيع انتهاك العقوبات الأميركية خاصة في ما يتعلق بمدفوعات الدولار إلى إيران.
وسبق للإدارات الأميركية أن فرضت عقوبات على بعض المصارف العراقية نتيجة تعاملاتها مع طهران، ولذلك وجه البنك المركزي تعليمات للمصارف بعدم استخدام الدولار في التعاملات مع إيران.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن العراق استورد من إيران العام الماضي ما يصل إلى 154 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. ويؤكد مراقبون أن حرص بعض الأطراف على استمرار شراء الغاز الإيراني نابع من استفادتها من الفساد الكبير في تلك العقود.
وتشير بيانات شركة بريتش بتروليم إلى أن العراق يشتري الغاز الإيراني بسعر 11.23 دولارا لكل ألف قدم مكعب، مقارنة بنحو 5.42 دولار تدفعها ألمانيا لشراء الغاز الروسي ونحو 6.49 دولار تدفعها الكويت لشراء الغاز المسال.
وهناك تناقضات في سياسة الغاز العراقية لصالح مواصلة الاعتماد على إيران، حيث تمكن العراق من تصدير عشرات الشحنات إلى الخارج. كما يجري حاليا وضع اللمسات الأخيرة لتصدير الغاز إلى الكويت في وقت يتم فيه استراد الغاز من إيران بأسعار مضاعفة.