الحكومة العراقية تدفع فاتورة التضييق على الإعلام

وسائل إعلام دولية تضطر إلى الاعتماد على المدونين ومواقع التواصل في تغطية المظاهرات.
الثلاثاء 2019/10/15
الكاميرا البديلة متوفرة

لم تنجح كل الوسائل التي اتبعتها الحكومة العراقية في عرقلة التغطية الإعلامية للمظاهرات في البلاد ومنع أخبارها من الانتشار، إذ لعبت مواقع التواصل الاجتماعي كما هو متوقع دورا بارزا في نقل الحدث تضاف إليه الشائعات والفيديوهات المفبركة.

 بغداد - تحولت مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا تويتر إلى المنصة الرئيسية لأخبار المظاهرات، ما جعل التغطيات معرضة لنشر أخبار مفبركة، كما ساهم قطع الإنترنت في تحجيم التغطية لكنه في الوقت نفسه فتح الباب لكثرة التأويل وانتشار الأخبار والصور ومقاطع الفيديو المفبركة، وفق تقرير حديث لـ”بيت الإعلام العراقي”.

وتحت عنوان “تظاهرات أكتوبر: تغطيات خجولة.. وحظر الإنترنت فشل في حجب الأحداث على مواقع التواصل الاجتماعي”، رصد “بيت الإعلام العراقي” في تقريره الثالث والأربعين التغطيات الإعلامية للتظاهرات التي شهدها العراق مطلع أكتوبر الجاري وتداعيات ما تبعها من حظر لشبكة الإنترنت بشكل كامل من قبل الجهات الرسمية لأيام عدة.

وتناول التقرير رصدا لمحتوى عينة واسعة من وسائل الإعلام حول تغطياتها قبل وعشية انطلاق الاحتجاجات وكذلك بعد انطلاقها، وتأثير الحظر الحكومي للإنترنت على التغطيات الإعلامية من ناحية الحجم والنوعية، وتحول مواقع التواصل الاجتماعي ومدونين إلى المصدر الرئيسي لتغطيات وسائل الإعلام الغربية والعربية والدولية.

ولاحظ التقرير ضعف التغطيات الإعلامية في الأيام التي سبقت المظاهرات مباشرة، باستثناء تقارير متفرقة إلى جانب محدودية تغطية وسائل الإعلام للمظاهرات حتى بعد انطلاقها واقتصرت على وسائل إعلام معينة بثت تغطيات ميدانية، فيما اكتفت وسائل إعلام أخرى بنشر أخبار مقتضبة محدودة حول المظاهرات.

حجب ومنع التغطيات الإعلامية حققا أهدافا للحكومة إلا أن تداعياتها عكسية إذ تؤثر على السلم والأمن المجتمعي

وأدى حظر شبكة الإنترنت إلى انقطاع التغطيات الإعلامية لأغلب وسائل الإعلام العراقية بنسبة تصل إلى 90 بالمئة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بنسبة أقل وتصل إلى 70 بالمئة، كما أن المخاوف من استهداف وسائل إعلام وصحافيين ساهمت في تحجيم التغطيات أيضا.

وانطلقت تظاهرات واسعة في بغداد وعدد من المحافظات مطلع أكتوبر مطالبة بالخدمات وتوفير فرص العمل ومكافحة الفساد، وشارك فيها الآلاف من المتظاهرين أغلبهم من الشباب، تبعتها إجراءات حكومية تمثلت باستخدام العنف ضد المتظاهرين وحظر شبكة الإنترنت، إلى جانب هجمات طالت وسائل إعلام عديدة في بغداد شملت قنوات رئيسية كانت تغطي الاحتجاجات في أيامها الأولى.

وبسبب التهديدات والاعتداءات التي طالت وسائل الإعلام، إلى جانب حظر الإنترنت أصبحت التغطيات ذات طابع رسمي، ركز على البيانات الصادرة من المؤسسات الرسمية مع غياب جانب المتظاهرين، إلا أنه بعد إعادة خدمة الإنترنت رغم سوء الخدمة وحظر مواقع التواصل تم تسريب العشرات من مقاطع الفيديو والصور والقصص التي حصلت خلال الاحتجاجات.

وقال التقرير إن حظر الإنترنت أدى إلى موجة انتقادات واسعة من قبل منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، ومنظمات دعم الصحافة والإعلام، وهو ما سيسهم في تراجع ترتيب العراق في سلم حرية الصحافة العالمي إلى مستويات متدنية ستنعكس سلبا على تعامل المجتمع الدولي مع العراق.

ودانت منظمات دولية عديدة الإجراءات الحكومية، كما دانت المنظمات المعنية بحرية الرأي والتعبير وحماية الصحافيين استهداف قنوات فضائية وصحافيين وإعلاميين.

كل الوسائل لم تنجح مع الشعب العراقي
كل الوسائل لم تنجح مع الشعب العراقي

وأوصى بيت الإعلام العراقي الجهات الرسمية تجنب تكرار إغلاق وسائل الإعلام ومنع الصحافيين من تغطيات الأحداث المهمة، محذرا من أن حجب ومنع التغطيات حتى وإن حقق أهدافا تراها الجهات الرسمية ضرورية إلا أن تداعياتها كبيرة أثناء المظاهرات وما بعدها وستكون عكسية، إذ تؤثر على السلم والأمن المجتمعي، وتضيف انتكاسة إلى سمعة البلاد في سلم حرية الرأي والتعبير العالمية.

وأضاف التقرير أن على الجهات الرسمية إدراك أن محاولات منع التغطيات وإخفاء حقائق عن أحداث عامة كالمظاهرات لا يمكن إخفاؤها إلى الأبد في العصر الرقمي، وأن محاولات حظر الإنترنت لم تمنع من انتشار مقاطع فيديو وأخبار وصور الأحداث.

كما أن حظر الإنترنت ومنع وسائل الإعلام من العمل يدفعان نحو انتشار الأخبار المزيفة والكاذبة عن الأحداث عبر وسائل إعلام صفراء وجيوش إلكترونية تستغل الحظر لبث خطاب كراهية ومنشورات تهدد السلم والأمن المجتمعيين.

ويذكر أن جمعية “الدفاع عن حرية الصحافة” بالعراق، رصدت 28 انتهاكا بحق الصحافيين وإصابة 15 منهم، والاعتداء على مكاتب ومقرات 8 وسائل إعلام، خلال الاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة.

وأضافت الجمعية (مستقلة) في تقرير أنه “منذ اليوم الأول بدأت حالات الانتهاك تطال الصحافيين في محافظات مختلفة.. وتم رصد 28 حالة انتهاك، منها 17 حالة اعتداء من قبل القوات الأمنية، التي قامت باعتقال صحافيين اثنين”.

وتابعت “كما تم تسجيل 15 حالة إصابة، من ضمنها 13 حالة إصابة خطيرة بقنابل الغاز المسيلة للدموع، وإصابة مراسل صحافي برصاص القوات الأمنية أثناء تغطيته تظاهرات محافظة بابل (جنوب)، وحالة إصابة بصاروخ استهدف مقر قناة الفرات (التابعة لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم) في بغداد”.

وأشارت إلى أن سلسلة من الاعتداءات طالت 8 مكاتب ومقرات لوسائل إعلام محلية وأجنبية على يد مسلحين مجهولين قاموا باقتحامها والاعتداء بالضرب على كوادرها وتكسير معدات وأجهزة العمل والبث والاستيلاء على حواسيب وهواتف نقالة.

وانتقدت الجمعية بشدة الحكومة العراقية لإقدامها “على إغلاق تام للأجواء من خلال قطع خدمة الإنترنت في عموم البلاد، ما عدا إقليم كردستان (شمال)، والذي يعد انتهاكا فاضحا وقمعا غير مسبوق لحرية التعبير منذ العام 2003”.