الحكومة التونسية تطمئن الشارع وتثير مخاوف رجال الأعمال

هدنة مؤقتة بين الرئاسات الثلاث بعد أزمة التفويض الحكومي في البرلمان.
السبت 2020/04/04
تدافع للحصول على المساعدات الاجتماعية

اتخذت الحكومة التونسية حزمة إجراءات اجتماعية واقتصادية جديدة لمواجهة تداعيات وباء كورونا، طمأنت الشارع التونسي المتوجس من التقصير الحكومي في مثل هذا الظرف. لكنها قد تفتح في نفس الوقت جبهة مواجهة جديدة مع رجال الأعمال “المتّهمين” بالتقصير في معاضدة المجهودات الحكومية لتعبئة الموارد المالية الكافية لتطبيق هذه الإجراءات.

تونس - أعلن رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ عن حزمة مساعدات اجتماعية مالية وعينية لمختلف الشرائح الاجتماعية المتضررة من الحجر الصحي العام في البلاد، ما طمأن الشارع التونسي، وخصوصا الفئات الاجتماعية الهشة.

وعلى الرغم من أن المساعدات المالية والعينية شملت رجال الأعمال التونسيين المتضررين أيضا بسبب إيقاف نشاط مؤسساتهم، إلا أن الفخفاخ وجه في المقابل “رسائل مبطنة” لرجال الأعمال حثهم فيها على معاضدة المجهود الحكومي لتجنب اتخاذ إجراءات في حقهم إن واصلوا تقاعسهم عن تعبئة الموارد المالية.

ويرى مراقبون في تصريحات رئيس الحكومة التونسية “تهديدا ضمنيا” ينذر بتصاعد التوتّر بين السلطة ومنظمة أرباب العمل التي تشترط تمتيعها بإعفاء من دفع الضرائب مقابل المساهمة في تعبئة الموارد المالية لمواجهة تداعيات الوباء وهو ما رفضته السلطة في وقت سابق.

وقال رئيس الحكومة التونسية إن حكومته قد تضطر لفرض ضرائب استثنائية على الشركات ما لم تجد تمويلا كافيا لمكافحة أزمة فايروس كورونا، في خطوة تنذر بتصعيد جديد بين السلطة ورجال الأعمال.

وأضاف في حوار مع التلفزيون الرسمي أن الحكومة تحتاج ما لا يقل عن مليار دولار كتمويل داخلي وخارجي لمواجهة تداعيات الأزمة، داعيا الشركات إلى دعم جهود الدولة في هذا الصدد.

وتابع إن “بعض الشركات الكبرى لديها أموال ولم تدفع مبالغ كافية لمواكبة جهود الدولة”، مهددا “إذا لم نصل إلى ما نحتاج قد نضطر إلى اتخاذ قرارات من جانب واحد.. مثلا فرض ضرائب استثنائية، ولكن نأمل أن لا نصل إلى ذلك”.

إلياس الفخفاخ: قد نضطر لفرض ضرائب استثنائية على الشركات ما لم نجد تمويلا
إلياس الفخفاخ: قد نضطر لفرض ضرائب استثنائية على الشركات ما لم نجد تمويلا

وحتى الآن أعلنت شركات التبرع بمبالغ في حدود 50 مليون دولار، لكن الحكومة ترى أن هذا الجهد ما زال ضعيفا.

وتعاني تونس مصاعب اقتصادية منذ ثورة 2011 وتفتقر لبنية تحتية قوية في قطاع الصحة، وقد أطلقت مبادرة لجمع تبرعات من الشركات والأفراد لمواجهة التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لأزمة كورونا.

وعبّرت منظمة أرباب العمل في بيان لها عن أسفها للتشكيك في دور الشركات في معاضدة المجهود الحكومي ودعت إلى التوقف عن “توجيه الاتهامات لأن تونس بأشد الحاجة إلى الوحدة الوطنية في هذا الظرف”.

وأضافت في بيانها أنها “تدين السياسيين الذين يطلبون الأموال بطرق ملتوية وغير قانونية”، في إشارة إلى المطالبة بتمويلات أكبر.

وتتوقع تونس الحصول على قرض بأكثر من 400 مليون دولار من صندوق النقد الدولي إضافة إلى وعود أخرى. لكن رئيس الحكومة قال إن تونس يجب أن تعتمد على جهد أبنائها لأن شركاءها لديهم ما يكفي من مشاكل بسبب فايروس كورونا.

وفي وقت سابق توعد وزير أملاك الدولة غازي الشواشي في تصريح مفاجئ بمعاقبة منظمة أرباب العمل بعد رفضها الانخراط في المجهود الوطني لتعبئة الموارد المالية الضرورية لمواجهة تداعيات تفشي وباء كورونا ووضعها مجموعة من الشروط رأت فيها الحكومة التونسية “تملّصا” من واجب وطني. وقال الشواشي في تصريح لوسائل إعلام محلية “إن لم يدفع أرباب العمل طواعية ضمن دورهم الوطني في مواجهة الجائحة نعرف جيدا كيف نجعلهم يدفعون”، مضيفا “الحكومة لن تعفي أرباب العمل من دفع الضرائب وعليهم المساهمة حسب الامكانيات المتوفرة”.

وفي سؤاله عن خيارات الحكومة لإجبار أرباب العمل عن الدفع في صورة تعنتهم وتمسكهم بمطلبهم، أوضح الوزير بالقول “سيتم إجبارهم عبر قوانين جديدة ومنها إحداث ضريبة على الثروة أو معلوم إضافي على المرابيح”.

ويقول سمير ماجول رئيس منظمة أرباب العمل إن الشركات التونسية تمر بأزمة اقتصادية خانقة وليس باستطاعتها معاضدة المجهودات الحكومية والتبرع بأموال كبيرة تطلبها السلطات، فيما تنشد السلطة في تونس تعبئة 70 مليون دينار (23 مليون دولار) لتغطية مصاريف وزارة الصحة للتوقي من انتشار الوباء.

سمير ماجول: المؤسسات مفلسة ولا نستطيع المساعدة في تعبئة الموارد
سمير ماجول: المؤسسات مفلسة ولا نستطيع المساعدة في تعبئة الموارد

وحمّل ماجول الخلاف الاقتصادي مع الحكومة التونسية أبعادا سياسية، حيث صرح بالقول “المؤسسات أفلست في تونس ولن نعطي الأموال للجماعة”، وذلك في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية التي اتهمها ماجول بشكل مباشر في ضرب النسيج الاقتصادي والمساهمة في إفلاس الشركات عبر سياساتها الاقتصادية.

وكانت الحكومة التونسية قد أعلنت في وقت سابق أن هناك وعودا من أرباب العمل للتبرع بـ27 مليون دينار (8 مليون دولار)، فيما لم تسجل خزينة الدولة سوى 4 مليون دينار فقط .

ووجه رئيس الحكومة التونسية في تصريحاته التلفزيونية الخميس رسائل سياسية لرئيس حركة النهضة الإسلامية ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، متوجها له بالقول “دور البرلمان هو دور رقابي تشريعي فقط، ودون ذلك هو من صلاحيات الحكومة”، في إشارة إلى صراع الصلاحيات بين البرلمان والسلطة التنفيذية.

وردّ راشد الغنوشي في افتتاح جلسة برلمانية للتصديق على قانون تفويض الصلاحيات للسلطة التنفيذية بالقول “المجلس يعرف دوره جيدا ويقوم به”.

والجمعة، فوّض البرلمان التونسي صلاحياته التشريعية للسلطة التنفيذية، ما يضع حدا مؤقتا لصراح الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث ( رئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة) الذي اندلع في تونس منذ ظهور وباء كورونا.

ويمكن تفويض السلطة التنفيذية للعمل وفقا لمراسيم عوض قوانين برلمانية، ما يسرّع حسب متابعين من اتخاذ الإجراءات العاجلة لمكافحة الوباء.

وعارضت حركة النهضة الإسلامية (شريك الحكم) في بداية الأمر مشروع قانون التفويض الذي تقدمت به السلطة التنفيذية، قبل أن تجبرها الضغوط الشعبية والسياسية على التراجع عن موقفها.

وتتوجس الحركة الإسلامية من تهميشها وهي صاحبة أكبر كتلة في البرلمان التونسي (54 نائبا)، ما دفعها إلى المناورة بقبول تفويض جزئي لصلاحيات البرلمان وهو ما رفضته السلطة التنفيذية وهددت بسحب مشروع القانون برمته.

4