الحقيقة التاريخية مفقودة على الشاشات

لم تفارق الشاشات التاريخ يوما، وعدت الزمن بأركانه الثلاثة تحديا لصانعي الصورة المتحركة فكيف إذا امتد التاريخ إلى ماض محمل أحيانا بكثير من الإشكاليات والتحديات، وصولا القصص والعبر التي تدفع الباحثين عن قصص تصلح للشاشة إلى التشبث بأهداب التاريخ والوقائع التارخية لمنح فن السينما قوة تعبيرية أعمق من خلال انشداده إلى التاريخ من جهة، وتوفير قصص صالحة للشاشة من جهة أخرى.
بالطبع سوف تتقاطع خلال ذلك السير الذاتية والوقائع التاريخية وصولا إلى التوثيق الأمين وإشكالية المصداقية عند تقديم كل شخصية على حدة، وهنالك من يضع الشخصية خارجة عن إطارها التاريخي، وبذلك تزحف إلى أهوائها من دون أن تقدم بديلا موضوعيا.
سوف تحضر هنا القصص التاريخية القادمة من القرون الوسطى والصراع بين الأمم في تلك المساحة الصورية وصولا إلى الحروب المباشرة وخاصة قصص الحربين العالميتين، وسوف نتذكر هنا أفلاما أخذت من أسماء مدن شهدت وقائع تلك الحروب والصراعات، ومنها مثلا فيلم “دونكيريك” للمخرج كريستوفر نولان وفيلم “ستالينغراد” للمخرج فيدور بوندورتشوك وفيلم “رسائل من أويا جيما” للمخرج كلينت إيستوود، ونذكر فيلم “جسر على نهر كواي” للمخرج الشهير ديفيد لين وفيلم “القنال” للمخرج أندريه فايدا وغيرها.
ثم هنالك الأفلام التي تجسد وقائع تاريخية من غير التي سميت بأسماء المدن ومنها أفلام مثل “إمبراطورية الشمس” لسبيلبيرغ و”الهرب إلى النصر” لجون هيوستون و”عازف البيانو” لرومان بولانسكي و”الكتاب الأسود” لبول فبرهوفين و”معركة بريطانيا” لغاي هاملتون و”المريض الإنجليزي” لأنطوني منغيلا و”جحيم في الباسيفيك” لجون بورمان و”إنقاذ الجندي رايان” لسبيلبيرغ و”جيش الظلال” لجون بيير ملفيل وغيرها من الأفلام.
وهنا سوف نتوقف عند وجهات النظر المتعددة وخاصة أن سيطرة النازية على سبيل المثال وتمددها مثلا فرض معيارا ونظرة ما متباينة لم يعد فيها بالإمكان التقيد بوجهة نظر واحدة على صعيد بلدان العالم التي انقسمت بين مع وضد.
الفيلم الحربي – التاريخي “دونكيرك” من تأليف وإخراج وإنتاج كريستوفر نولان، يصور حصار مدينة دونكيرك وإخلائها في الحرب العالمية الثانية، إذ حاصر الجيش الألماني جنود الحلفاء من بلجيكا والإمبراطورية البريطانية وفرنسا في مدينة دونكيرك عام 1940، خلال معركة فرنسا، وتم إجلاؤهم من المدينة خلال معركة شرسة أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت هنالك مساحة واسعة لاستعراض تراجيديا الحرب، وإظهار قسوتها وتعزيز الجانب النفسي عندما يجري التفاعل مع الوقائع التاريخية بروح إيجابية ترسم صورة البطولات الفردية والشجاعة وما إلى ذلك وهي معطيات يجري تداولها بقوة نحو التطوير.
لكن سؤال المصداقية في ما يتعلق بالأفلام التاريخية هو ما يطفو على السطح لجهة التفاعل مع المادة التاريخية المعروضة أو ما يتبع عرض هذا النوع من الأفلام من نقاشات وخصائص جانبية.
ومن الوقائع التاريخية ما تم استيحاؤه من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو موضوع واسع ومتعدد الطبقات ومتشعب ومتعدد في وجهة النظر، فضلا عن كونه بازارا للتحريض والكراهية خاصة عندما يتم تقديمه من وجهات نظر متطرفة.
وتزامن ذلك وبالاضافة إلى الحدث التاريخي في حد ذاته فإن هنالك من الضحايا مثل من قبض عليهم وألقوا في غوانتانامو، وهنا أيضا تعددت وجهات النظر ما بين الانحياز والتمتع بالمصداقية.
ولا يتسع المجال لعرض أمثلة في هذا الباب لكننا سوف نشير سريعا إلى فيلم “الموريتاني” حيث يقدم الفيلم صورة الموريتاني والعربي والمسلم عموماً، وقد اقترنت بأسوأ بقعة مكانية على مر التاريخ ألا وهي سجن غوانتانامو الفضيع، هي ما نشاهده من خلال هذا الفيلم للمخرج الأسكتلندي كيفن مكدونالد.