"الحشاشين" يضرب موعدا رمضانيا بين التاريخ والأسطورة

تواجه الدراما التاريخية تحديات كبيرة بين التزامها بالحقائق التاريخية واحتماليات وقوعها في الخرافات المروجة عن الأساطير. وهو ما ينتظر مسلسل “الحشاشين” الذي ينتظره متابعو الدراما الرمضانية لمعرفة كيفية تناوله سيرة طائفة الحشاشين ومؤسسها الحسن الصباح.
سيكون جمهور الدراما العربية هذا العام على موعد مع عمل درامي أحداثه مستوحاة من التاريخ وهو مسلسل “الحشاشين” الذي سيعرض على العديد من القنوات والمنصات، بطولة النجم كريم عبدالعزيز، وتأليف عبدالرحيم كمال، وإخراج بيتر ميمي، فيما تتولى مهمة الإنتاج شركة “سينرجي”.
ويشارك في بطولة العمل كل من فتحي عبدالوهاب وأحمد عيد وميرنا نورالدين ونيقولا معوض وإسلام جمال وسامي الشيخ وسوزان نجم الدين وعمر الشناوي وسارة الشامي، وضيف الشرف محمد رجب.
وكان من المقرر تقديم المسلسل العام الماضي إلا أنه بسبب التحضيرات الضخمة له تم تأجيله ليشارك بالموسم الرمضاني للعام الحالي.
وسيكون أمام فريق العمل مهمة صعبة، انطلاقا من النص الذي كتبه المؤلف المعروف عبدالرحيم كمال، وهي تمييز الحقيقة من الأسطورة، والأحداث الواقعية من الخرافات التي تم ترويجها حول الحشاشين وزعيمهم الحسن الصباح في سياقات تاريخية مختلفة عن واقع اليوم، ولا يمكن بأيّ شكل من الأشكال إسقاطها على الواقع الذي نعيشه.
وينتظر أن يكون المسلسل مليئا بالمغامرات، ومتضمنا لمختلف أدوات التشويق، وهو ما يعطيه فرصة مواتية للانتشار الواسع بين المشاهدين العرب المتعطشين للأعمال المستلهمة من التاريخ، رغم أن الموضوع ذاته سبق وأن تم التطرق إليه في مسلسل “سمرقند” إخراج إياد الخزوز وتأليف محمد البطوش بالاعتماد على رواية تحمل نفس العنوان لأمين معلوف صدرت بالفرنسية في العام 1988 وكانت أحداثها مستوحاة من مؤلف الرحالة الإيطالي ماركو بولو في القرن الثالث عشر.
تدور أحداث المسلسل حول طائفة الحشاشين ومؤسسها الحسن الصباح أو حسن بن على بن محمد الصباح الحِميري المعروف بلقب السيد أو شيخ الجبل، والذي يعتبر مؤسس ما يعرف بـالدعوة الجديدة أو الطائفة الإسماعيلية النزارية المشرقية أو الباطنية أو طائفة الحشاشين حسب التسمية الأوروبية، والذي ولد في مدينة قم معقل الشيعة الإثني عشرية ببلاد فارس العام 1037، ثم انتقلت عائلته إلى الري مركز نشاطات الطائفة الإسماعيلية وعمره 17 عاما.
عرف عنه أنه كان ذكيا ماهرا في الهندسة والفلك وكان مغرما بالقراءة والترجمة، وفي الخامسة والثلاثين من عمره اعتنق المذهب الإسماعيلي بعد دراسة مستفيضة على يد داعية فاطمي يدعى أمير ضراب، ثم كان على اتصال مع الداعية الفاطمي الآخر عبدالملك بن عطاش في أصفهان الذي سيكون له دور مهم في مسيرة حياة الصباح بعد أن أدرك عبقريته واقتنع بمواهبه واختاره أن يكون نائبا له في جماعته الدعوية بالعراق قبل أن يرسله إلى مصر ويدعوه إلى ملاقاة الخليفة المستنصر.
في سنة 1077 اتجه الصباح إلى أصفهان في طريقه إلى مصر التي وصلها سنة 1078، وروى لورانس لوكهارت في كتابه “الحسن الصباح والحشاشين” أن “الحسن استقبل جيدا في القاهرة، وعومل بمعاملة طيبة من الخليفة الفاطمي المستنصر” وحظي منه بمنزلة كبيرة ما أشعل نار الغيرة في رجال الحاشية الذين أجبروه على المغادرة، وخاصة الوزير بدرالدين الجمالي وهو في الأصل مملوك أرمني كان أمير الجيوش في الشام واستدعاه الخليفة المستنصر بالله الفاطمي من الشام ليوليه الوزارة في عام 1073 حتى يستعيد السيطرة على الأمور وللخروج من الأزمات التي كادت تودي بالدولة.
أمام فريق العمل مهمة صعبة هي تمييز الحقيقة من الأسطورة، والأحداث الواقعية من الخرافات التي تم ترويجها حول الحشاشين
وكان أول من أثار الشكوك حول الصباح عندما علم أنه من أنصار النزار ابن الخليفة المستنصر بالله، فأمر بسجنه في قلعة دمياط. ولكن الصدفة شاءت أن تنهار أسوارها القوية ذات يوم، مما مكنه من الهروب.
ركب الصباح سفينة بالإسكندرية مع جماعة من الإفرنج متجهين إلى المياه الغربية، غير أن عاصفة قوية ألقت بسفينته إلى شواطئ الشام، فنزل بميناء عكا. ثم قام بعد ذلك بجولة في مدن كثيرة. وكان يستغل تلك الرحلة لدراسة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والدينية للناس، إلى أن وصل إلى أصفهان عام 1081 ومنها بدأ بنشر العقيدة الإسماعيلية.
وفي العام 1088، اختار قلعة «ألموت» النائية في الديلم كقاعدة لمهمته، وهي ترتفع عن سطح الأرض بنحو 6000 قدم، والطريق إليها منحدر وصعب الوصول إليه، ولكنه احتاج إلى عامين كاملين لإقناع أصحابها. وفي عام 1090، تمكن بسلام من احتلالها، ويقال إنه عرض على أصحاب القلعة 3000 دينار ذهبي مقابل مساحة الأرض التي تتسع لجلد جاموس.
بعد الاتفاق على المدة، قطع الحسن الجلد إلى شرائح وضمها في كل مكان على طول محيط القلعة، وهي قصة تكاد تتماهى مع رواية الشاعر الروماني فيرجيل عن تأسيس مدينة قرطاج على يد الأميرة الفينيقية أليسار، في العام 814 ق م.
ويقال إن الحسن الصباح لم ينزل بقية حياته من قلعة «ألموت» التي يتكون اسمها من جزأين: “أل” وهي مشتقة من “أله” أو “ألو” وتعني النسر و”أموت ” وتعني العش، ويعتبر البعض أن كلمة “أموت” تعني “تعلم” في لغة شعب جيلاك وديلمي وأن كلمة “أموت” تعني “تعلم من النسر”.
وبحسب الروايات، فإن الصباح قضى 10 سنوات في المناطق الجبلية في أذربيجان وشمال وشرق ووسط وغرب إيران للعثور على قاعدته إلى أن وصل إلى تلك القلعة التي كانت تحت إمرة رجل يدعى مهدي علوي معيّن من قبل الملك السلجوقي.
تحولت القلعة إلى القاعدة المركزية للدولة الإسماعيلية النزارية (الحشاشين). وخضعت منطقة ألموت بأكملها لحكمهم حتى عام 1256. واستمرت هذه الدولة حتى آخر ملوك هذه السلالة ركن الدين خورشاه. وبسبب عدم قدرته على الصمود في وجه الغزاة المغول، سلم القلعة لقائدهم هولاكو خان، وهو ما يشير إلى قوة البناء الذي وضعه الصباح، ومن ورائه الحشاشون الذين ذهبوا إلى حلب ودمشق وأنطاكيا في تركيا، وتخطت أقدامهم حدود إيران. كانت قواعدهم الصارمة هي السبب وراء تسمية الناس لهم بجيش الظلال. وأخبر الناس الكثير من قصص الرعب عنهم. كما شجع أحد ملوك السلاجقة، أحمد سنجر، الذي كان أقوى معارضي الإسماعيليين، هذه القصص لإثارة خوف الناس منهم.
وتقول أغلب المراجع إن الصباح أرسل مبشرين لنشر الدعوة الجديدة. وإنهم دعوا مؤذنا من أهل ساوة كان مقيما بأصبهان فلم يجبهم إلى دعوتهم فخافوا أن يخبر عنهم فقتلوه ليكون أول قتيل لهم فبلغ خبره إلى الوزير السلجوقي نظام الملك فأمر بأخذ من يتهم بقتله فوقعت التهمة على نجّار اسمه طاهر فقتل وتم التمثيل به وجره من رجله في الأسواق ليكون أول قتيل من طائفة الحسن الصباح، وفي سنة 1092 بدأ السلاجقة في مواجهة الحشاشين عسكريا، فبعث سلطانهم ملك شاه حملتين، واحدة على قلعة ألموت، والثانية على قهستان لكن ميليشيات الحسن الصباح تصدت للسلاجقة وبمساعدة الأهالي المتعاطفين معهم في روبارد وقزوين فانسحبت القوات من قهستان بعد وفاة السلطان ملك شاه سنة 1092.
وفي 16 ديسمبر من العام نفسه، ضرب الصباح ضربته باغتيال الوزير نظام الملك نفسه في منطقة ساهنا في إقليم نهاوند، عن طريق فدائي متنكر في زي رجل صوفي.
ويقول المؤرخ رشيد الدين إن الصباح نصب شباكه وفخاخه لاصطياد هدف كبير مثل نظام الملك لكي يشتهر ويذيع صيته وهو من أرسى أسس الفدائية، وبعدما نجحت العملية قال: «قتل هذا الشيطان هو بداية البركة».
كانت تلك العملية أولى عمليات الاغتيال الكبرى التي قام بها الحشاشون ضد ملوك وأمراء وقادة جيوش ورجال دين. كان الوزير نظام الملك زميل دراسة للصباح ولعمر الخيام الشاعر والفيلسوف الذي كان قريبا من زعيم الطائفة المتشددة، ولقيت دعوة حسن الصباح تأييدا كبيرا سواء في بلاد فارس ضد حكم السلاجقة أو في مصر ضد الفاطميين بعد انقلاب الوزير بدر الدين على وليّ العهد النزار، واتسع نفوذها إلى بلاد الشام.
ووصف المؤرخ عطاء ملك الجويني فكر الحشاشين بالأباطيل والأضاليل في المذهب والعقيدة وخلط المصحف بالفلسفة وإخراج فكر جديد يسمّى “إخراج الحي من الميت”، فيما رأى فرهاد دفتري وهو من المؤرخين الإيرانيين المعاصرين، في مساهمات دولة الحشاشين الفكرية والفلسفية بأنها أساسا للحركات الثورية في تاريخ الحركات الثورية الإيرانية وأنها جديرة بالمعرفة والاطلاع.
ورغم كل ما قيل ويقال، إلا أن الكثير من الغموض لا يزال يحيط بالحشاشين وتاريخهم، بما في ذلك الاسم الذي عرفوا والذي يرده البعض لاعتمادهم على مادة الحشيش في تخدير من كانوا يسمّونهم بالفدائيين قبل الدفع بهم إلى مهامهم الدموية، فيما يرى آخرون أنه يعود إلى الكلمة الفرنسية “Assassins”، والتي تعني القتلة، وكان الصليبيون قد أطلقوها على المسلحين الحشاشين ممن كانوا يفتكون بملوكهم وزعمائهم.
وكانت عقيدة الحشاشين مبنية على مبدأ الطاعة العمياء وعدم مناقشة وليّ الأمر حتى يبدون وكأنهم مسلوبو الإرادة، وعندما أمر الصباح أحد جنوده بقتل نفسه بالخنجر، لم يتردد، وعندما أمر الآخر بالقفز من أعلى قمة جبل “ألموت”، لم يتردد، وكثيرة هي الأساطير حول تدريب الفدائيين وأهمها ما دوّنه الرحالة ماركو بولو، من أنه يتم استقبالهم في سن مبكرة، وكانوا يقادون إلى حدائق غناء حيث يجدون الخمر والحشيش والنساء الجميلات، ويعيشون هناك في عالم من المتع الحسية، إلى أن يتم إخراجهم من الجنة ونقلهم إلى السجون. ولكي يعود إلى ما كانوا عليه، يُطلب منهم تنفيذ أوامر الزعيم بكل دقة بما في ذلك القتل والتضحية بالنفس.
وينتظر أن يكون جمهور المشاهدين مع نتاج متميز للقدرات الفنية التي يحتكم عليها المخرج بيتر ميمي الذي تخرج من كلية الطب بجامعة القاهرة وعمل بمجال الطب، ثم حصل على دبلوم في السينما وله عدة أفلام قصيرة، لكنه سرعان ما أخرج عددا كبيرا من الأفلام الروائية الطويلة من أبرزها «سعيد كلاكيت» و«الهرم الرابع» و«القرد بيتكلم» و«عقدة الخواجة» و«حرب كرموز» و«موسى» و«من أجل زيكو»، كما قدم عددا من المسلسلات من بينها «كلبش» و«الاختيار» و«القرار»، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكاتب والسيناريست عبدالرحيم كمال صاحب النجاحات العديدة التي حققها على مدار السنوات الماضية منها «جزيرة غمام»، «ونوس» و«الخواجة عبدالقادر» وغيرها.
كما أن الممثل كريم عبدالعزيز يراهن على المسلسل الجديد لتكريس نجوميته في الدراما التلفزيونية بعد نجاحاته البارزة في الأعمال السينمائية وآخرها «كيرة والجن»، وهو ما يبدو متاحا بقوة نظرا للعديد من الاعتبارات، من بينها الاختيار الدقيق للفريق المصاحب والإمكانيات الإنتاجية الضخمة التي تم توفيرها بسخاء من قبل المنتج ثامر حسني.