الحسكة تحتفي بفن الأيقونة في الجزيرة السورية

يعتبر فن الأيقونة من أبرز إنتاجات الثقافة المسيحية الشرقية، وهناك من يعتبره وريثا للفنون الدينية القديمة على غرار الفنون الفرعونية، ولكن هذا الفن تطور ليصبح طريقة مقاربة للتاريخ ينتهجها الفنانون المعاصرون، متجاوزين الجانب الديني لهذا الفن إلى الجانب التراثي فيه.
الحسكة (سوريا)- أطلقت صالة المعارض في المركز الثقافي العربي بمدينة الحسكة السورية أخيرا معرضا لفن الأيقونة، نظمته مديرية الثقافة بالتعاون مع جمعية صفصاف الخابور الثقافية.
ويضم المعرض لوحات فنية ونماذج مصورة لفن الأيقونة المستخدم في الكنائس والأديرة المنتشرة في الجزيرة السورية، ويقدم نتاجات مجموعة من الفنانين الذين برعوا في هذا الصنف من الفن العالمي وقدموا له إضافات من الطابع المحلي.
بين الماضي والحاضر
بيّن مدير الثقافة عبدالرحمن السيد في تصريح له أن “المديرية وبالتعاون مع الجمعيات المتخصصة والمجتمع المحلي تحرص على عرض المواضيع الفنية المختلفة وتقديمها لجمهور المحافظة، ومنها معرض فن الأيقونة الذي نشأ وتطور على يد الفنان السوري ومنه انتقل إلى العالم، وهذا ما يوجب علينا الحفاظ عليه وإظهار جماليته وغنى الواقع الفني في المحافظة قديما وحديثا”.
وأوضح رئيس جمعية الصفصاف الباحث أحمد الحسين أن فن الأيقونة فن سوري بامتياز فهو نشأ على أرض سوريا وعلى يد فنانين سوريين ومنه انطلق إلى أصقاع الأرض، مبينا أنه من خلال المعرض نحاول أن نربط بين ماضي هذا الفن وحاضره ونسلط الضوء على ما قدمه أبناء شعبنا للحضارة الإنسانية فالأيقونة فن غني بدلالته الجمالية والروحية والتاريخية والفنية واقتصر على موضوعات الكتاب المقدس في البداية، ومن ثم خرج من هذا الإطار إلى باقي مواضيع الفن.
المشاركة في المعرض سيلفا الأسيا أوضحت أن فن الأيقونة السورية فن موجود منذ القدم ويقصد به فن كتابة الصورة، حيث يشمل المعرض الجديد أعمالا لعدة مدارس هي السريانية الآرامية والقبطية والبيزنطية، وبشكل عام تتحدث اللوحات عن حياة السيد المسيح والأحداث التي جرت في العهد الجديد وحياة القديسين والكنيسة في القرون الأولى.
وأشارت الكاتبة منى السيد حمود إلى أن المعرض جديد ومتفرد وهو تأكيد على أهمية الفن في حياة الشعب السوري الذي أضاف إلى شعوب العالم الكثير وفي مختلف الجوانب الأدبية والعلمية والفنية.
تاريخ الأيقونات
ترى الباحثة زينب نور أنه إذا كان استخدام الرمز في الفنون بشكل عام يعكس منهجا فكريا ذا طابع فلسفي فيمكننا أن نتوقع ارتباط الفنون المسيحية المبكرة لاسيما الشرقية ذات المنحى الرمزي ولاسيما المصرية والسورية منها بمنهج فلسفي كوني وعقائدي في آن واحد.
وفى سياق هذا البنيان الرمزي تجلت أعمال فنية هي بالأحرى أعمال مقدسة، كما تبين، منها ما عرف باسم الأيقونة، وهي امتداد لبورتريهات الفيوم، فتلك الأخيرة هي بمثابة الأشكال الأولى للأيقونات الشرقية التي انتشرت في العالم المسيحي الشرقي، وأضحت ذات وظيفة رمزية مقدسة عند الفنان والمتعبد والمجتمع المسيحي بشكل عام والشرقي بشكل خاص.
وتوضح نور أن الأيقونة ما هي إلا امتداد للرسوم المصرية القديمة ولاسيما بورتريهات الفيوم، التي تعد بمثابة حلقة الوصل بين القديم الذي تمثل في رسوم الأشخاص العاديين (الأرضيين) والجديد المتمثل في رسوم القديسين. وهي تطويع للتراث القديم بما يخدم الهدف والرسالة الجديدة.
والأيقونة كلمة يونانية الأصل Eikon وهي تعني حرفيا التشابه والمماثلة، وتتناول الأيقونة في تصويرها الأشخاص أو بمعنى أصح القديسين (وقبلهم بالطبع السيد المسيح والعذراء مريم) أو الملائكة. فهي لا تخرج عادة عن هذا التحديد. وتكون في معظم الأحيان على أسطح خشبية مجهزة. ولكنها كثيرا ما تغطى بطبقة من الرقائق المعدنية المطروقة وخاصة الذهب والفضة في الكنيسة اليونانية أو البيزنطية مع كشف منطقة الوجه والكفين للقديس الممثل.
المعرض يحاول أن يربط بين ماضي هذا الفن وحاضره ويسلط الضوء على ما قدمه السوريون للحضارة الإنسانية
ولكن الأيقونة تحولت إلى أعمال فنية تتجاوز البعد الديني، وتبين الأيقونات المعروضة في الحسكة تصورات الفنانين لتراث المنطقة، من خلال الرموز الدينية، التي هي مكون أساسي من مكونات الثقافة الشرقية والسورية خصوصا.
وتتجلى أهمية الأيقونة في تفرد الكنائس الشرقية (القبطية والبيزنطية والروم والأرمن) بها كفن أصيل له جذور تاريخية، والكنيسة الشرقية كانت دائما ولا تزال تفخر بتميزها بهذا الفن الذي انطلق من المقدس ليرافق هواجس الإنسان المشرقي وتصوراته الجمالية والفكرية، كما ترجع أهمية الأيقونة أيضا إلى بعدها الرمزي بالنسبة إلى الكنيسة الشرقية وما له من دلالات على عمق هذا البعد الرمزي فى العقيدة ذاتها.
والأيقونة السورية وتعرف أيضا بالأيقونة الملكية، و يقصد بها أيقونة بطريركية أنطاكية الممتدة على رقعة سوريا و بلاد ما بين النهرين، وصولا إلى الشرق. ظهرت أول مرة خلال العهود البيزنطية الأولى، غير أن صناعها كانوا دائما سوريين وعلى الأرض السورية، و كانت نتاج فن ديني ازدهر في أنحاء متفرقة من الإمبراطورية البيزنطية ولاسيما في سوريا ومصر، وازدهرت الأيقونة السورية بسقوط القسطنطينية وتطورت في الكنيسة الأرثوذكسية، وكان لها دور تعليمي هام في شرح الكتاب المقدس ومضامينه، كما شكلت رموز الأيقونة بألوانها رواية مفعمة بالحيوية.