الحب في الأدب تاريخ من الوجع الإنساني

الحب بطل الأساطير والقصائد والقصص والروايات المعاصرة.
الخميس 2022/02/17
قصص الحب وثقها الأدب الخالد (لوحة للفنانة زينة مصطفى سليم)

جسد الحب موضوعا هاما في حركة الأدب العالمي، فمع ظهور الحياة الإنسانية منذ فجر التاريخ، ولدت حالات الحب وعاش بعضها في تاريخ الإنسان حكايات خالدة مازالت تروى عبر الأمم. وقد ساهمت في تخليدها بشكل خاص القصائد والمسرحيات وغيرها من النصوص العابرة للزمن.

كان الحب حاضرا في الحياة الإنسانية عبر التاريخ، فهو الدافع للكثير من الإبداعات الفنية الكبرى، وفيه تجلت خصال إنسانية عميقة، وفيه كتبت أشعار وقصص وروايات وملاحم. فكانت ممو زين وروميو وجولييت ومجنون ليلى وغيرهم.

وخلال تاريخ الإنسانية وجدت حالات من الحب صارت حاضرة بشخوصها وأحداثها وتواريخها، وبعض هذه الآثار الأدبية تحول إلى فنون السينما والتلفزيون والمسرح والتشكيل والرقص. ومن يعرف التاريخ الأدبي العالي سيذكر روائع أدبية خلدت مفهوم الحب وأحداثه في وجدان الكثير من الناس.

أساطير عن الحب

خلال تاريخ الإنسانية وجدت حالات من الحب صارت حاضرة بشخوصها وأحداثها وتواريخها عبر عدة آثار أدبية

 في الأساطير القديمة ظهرت ملاحم الحب، وتداولها الناس باهتمام، منها أسطورة أورفيوس في الأدب اليوناني القديم، الذي وهبه والده صوتا شجيا وقيثارة يعزف عليها فتلحق به الحيوانات والمخلوقات حين يعزف ويؤثر فيهم بشكل يخترق المنطق، وتحيط المأساة به عندما يكيد أخوه له ويقرر أن يعذبه، فيقتل حبيبته، فيحزن أورفيوس ويقرر الانتقال ليعيش بين الأموات في العالم السفلي، ويواجه في تحقيق ذلك الأهوال، لكنه أخيرا ينجح، ويعيد أحد الآلهة الحياة لمحبوبته بشرط ألا ينظر إليها أبدا قبل أن يخرجا من العالم السفلي، لكن أورفيوس وفي آخر خطوة لهما يسترق نظرة للتأكد من أنها خلفه، فيفسد الشرط وتذهب الحبيبة في الظلام، ويبقى هو وحيدا في عالم الأحياء خادما في معبد أبوللو، حيث تقتله مجموعة من النسوة لأنه رفض التعاطي معهن، فيموت وينتقل للعالم السفلي حيث تجد روحه روح حبيبته، بينما تعاقب الآلهة النساء المذنبات وتحولهن لشجر حور.

أسطورة أخرى صارت مضرب المثل في العالم بالحب وما يمكن أن يعنيه للناس وكانت محل استلهام كثير من الأدباء والمبدعين. هذه الأسطورة تحمل اسم ممو زين وقد ألفها شاعر وفيلسوف كردي هو أحمد الخاني وهو واحد من كبار شعراء الكرد وكانت في ما يزيد عن الـ2600 بيت شعري منذ حوالي الثلاثمئة عام.

تحكي الأسطورة عن قصة العاشقين ممو وزين. وأحداثها تجري في إمارة كردية في الأناضول. حيث يعيش الأمير زين الدين ولديه شقيقتان جميلتان هما ستي وزين، اللتان خرجتا متنكرتين بزي رجلين للظهور في مهرجان الربيع، فصادفتا في طريقهما جاريتين، ما أن رأتهما حتى أصيبتا بالإغماء، فتركت كلاهما خاتما بيدي الجاريتين للتعرف عليهما، وفي القصر قصتا على العرافة العجوز حكايتهما، التي وعدت بالبحث عن الجاريتين، ووصلت إليهما بعد أن طافت البلاد، وعرفت أن الجاريتين هما شابان متنكران بزي جاريتين وهما ممو ابن موظف في ديوان القصر وتاج الدين ابن الوزير.

وتوضح للعرافة مدى حب الشابين للفتاتين. تزوج تاج الدين من فتاته ستي، بينما تردد ممو في طلب زين لأنه ليس من طبقة الأمراء. حاول تاج الدين إقناع الأمير بزواج ممو من زين لكن رغبة بكو أحد متنفذي القصر والراغب بالزواج من الأميرة زين ترمي به في السجن حيث يلاقي مصيرا مجهولا وخطرا. فتصاب زين بالمرض وتمتنع عن الطعام والشراب فيصيبها الهزال والمرض كونها فقدت حبيبها، وبعد عام يزورها شقيقها الأمير، ويرق قلبه لها، فيقرر أن يعفو عن ممو ويزوجها به، بعد أن تصح ويزوران معا ممو في السجن، فيجدان أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويموت في محبسه، فتحزن عليه زين، وينفطر قلبها، فتموت في نفس الليلة، ويدفنان في موقع واحد تخليدا لذكراهما.

وفي التراث العربي خلدت قصص الحب في الشعر، فلم يكن فن الرواية معروفا قديما، ومن أشهر قصص الحب فيه، حكاية قيس بن الملوح وحبيبته ليلى العامرية، فالشاعر أحب الفتاة، لكن والدها رحل بها لمكان بعيد منعا للحب القائم بينهما وزوجها لرجل غيره، مما أثقل على العاشقين وكسر قلبيهما، لكن جذوة الحب لم تنطفئ في قلبيهما في ذلك قال مجنون ليلى:

 خليليَّ لا واللهِ لا أملكُ الذي/ قضى اللهُ في ليلى ولا ما قضى لِيا. قضاها لغيري وابْتلاني بحبِّها/ فهلاَّ بشيءٍ غيرِ ليلى ابْتلانِيا.

روايات في الحب

الحب جسد موضوعا هاما في حركة الأدب العالمي

عبر التاريخ ظهرت العديد من الروايات التي خلدت الحب، في كل بقاع العالم، واشتهرت منها العديد من الروايات التي صارت شواهد أدبية وعاطفية، منها رواية “أنا كارنينا” للكاتب ليو توستوي، التي تحدثت عن حب جارف ربط بين امرأة شابة وعشيق لها متجاوزة محنة الزواج برجل يكبرها بسنوات، وكذلك ظهرت رواية “ذهب مع الريح” للكاتبة مارغريت ميتشيل التي تتحدث عن الشابة سكارليت أوهارا التي تمتلك نفورا خاصا ضد الرجال، لكنها في النهاية أحبت أحدهم بعنف ولكنها خسرته.

 ونذكر أيضا رواية “جين آير” للروائية شارلوت برونتي التي تتحدث عن طفلة يتيمة تتربى عند أقاربها وتتعرض لصنوف من العذابات وكيف أحبت رجلا في البيت. ونجد كذلك رواية “كبرياء وتحامل” للكاتبة جاين أوستن وتتحدث عن حب يقف عائقا ضده كبرياء عاشقين ومن أميركا اللاتينية ظهرت رواية الحب في زمن الكوليرا للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز الذي تناول قصة حب خالدة جمعت بين حبيبين للعشرات من السنين.

وفي الأدب العربي ظهرت روايات وآثار خلدت قصص الحب وعلى امتداد ما يزيد عن المئة عام ظهرت روايات شهيرة منها روايات إحسان عبدالقدوس، الذي كتب “في بيتنا رجل”، والتي تحكي عن قصة حب بين ثائر ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر وبين فتاة كان يعيش في منزلهم خفية عن المحتلين، وتصور الرواية كيف تفتدي نفسها لكي تنقذه من المخاطر التي تتربص به.

 كما ظهرت روايات الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي “في ذاكرة الجسد” و”الأسود يليق بك”. كذلك كتب حنا مينة من سوريا “السفينة والبحر” وهي التي تحكي عن قصة حب دفينة وعميقة بين عاشقين تلاقيا بعد سنوات طوال. كذلك ظهرت كتابات جبران خليل جبران ومي زيادة في الشعلة الزرقاء التي وثقت حالة الحب والشغف التي ربطت بينهما رغم تباعد المكان.

قصص تشيخوف

الأساطير والقصائد والقصص والروايات العربية والعالمية خلدت تجارب الحب بطرق مختلفة وجعلتها عابرة للزمن والثقافات

يعتبر أنطون بافلوفيتش تشيخوف من أهم كتاب الأدب الروسي والعالمي، خاصة في مجال القصة القصيرة التي كان فيها رائدا ومنظرا. وله نظرة خاصة في الحب والزواج. يقول “أن تتزوج يعني أنك تحب، لأن الزواج من فتاة لأنها جميلة، يشبه شراء شيء ما لا يرغب فيه المرء، فقط لأنه وجده في السوق، ووجد أنه من صنف جيد، إن أهم رابط أسري هو الحب، وما سواه من جاذبية جنسية وجسدية وغير ذلك من أشياء، إنما هي مصدر حزن ووحشة، ولا يمكن التنبؤ بنتائجها مهما بلغت مهاراتنا في إجراء الحسابات، وبناء على ذلك، فالأمر لا يتعلق بجمال الفتاة بل بأن تحب، فتجاهل هذه الصفة لأنها لا تعني سوى القليل”.

وكثيرة هي الآثار التي تركها تشيخوف متحدثا عن الحب. من هذه الآثار ما قدمته حديثا دار رسلان بالتعاون مع دار علاءالدين بدمشق، حيث أصدرتا مجموعة من القصص القصيرة التي كتبها تشيخوف وكانت متعلقة بموضوع الحب، وصدر الكتاب في جزئين، وهو من ترجمة مالك صقور وشاهر أحمد نصر.

قدم تشيخوف في قصصه تلك عالم روسيا أواخر القرن التاسع عشر، حيث النزاعات الطبقية والصراعات الاجتماعية بما يحمله كل ذلك من قصص حب تعيش بشكل متواز مع العالم الصاخب ذاك. “أزاهير متأخرة” كانت أول القصص والتي تحكي عن أميرة سابقة تعاني وأهلها حالة العوز بعد تغير الأحوال، وكيف أحبت الطبيب الذي عالجها مع أخيها ثم ماتت بمرض في الرئة وهي تتكتم على حبها له.

أما في قصة “مزحة صغيرة” فيقدم تشيخوف حالة الحب التي تعتري صبية وعيشها بها بين الحقيقة والخيال، حيث تكاد لا تعرف إن كان الرجل الذي كانت معه في مشوار ثلجي قد قال لها إنه يحبها أم كانت تتخيل ذلك، وفي قصة “أغافيا” يقدم تشيخوف نموذجا للعاشقة الصغيرة التي تلاحق حبها ولو كلفها ذلك عصفا في حياتها الزوجية، فبطلة القصة عروس شابة لموظف حكومي لكن قلبها تعلق بشاب كسول رتيب الحياة غير مبال يقوم بالكثير من الأفعال غير المنطقية لكنه يغامر بعلاقته مع تلك السيدة العاشقة.

وفي قصة “فولوديا” يقدم تشيخوف قصة حب والصراعات التي تتكون فيها عندما يحب شاب مضيفته الأميرة الحسناء والمصير المفجع الذي ينتظره في نهاية مشوار حبه ذاك. ويتابع تشيخوف تقديم قصص عن الحب ورواية تفاصيل لها غاية في الدقة والحميمية.

روايات عبير

تاريخ الإنسانية

 روايات عبير ظهرت في الولايات المتحدة دار نشر هارلكوين التي يمتلكها عدد من الناشرين، وفي عام 1953 تولت ماري بونيكاسل زوجة أحدهم إدارتها بعد وفاة الزوج، وكانت للسيدة بونيكاسل عناية خاصة بالروايات العاطفية الرومانسية وكانت تتابع منشورات شركة ميلز أند بون البريطانية التي تأسست عام 1908 في بريطانيا وقامت هارلكوين بشراء حقوق النشر لها في أميركا الشمالية أولا، وبدأت العمل بذلك عام 1957 برواية للكاتبة آن فينتون، وراجت التجربة ولاقت صدى طيبا.

تابع تلك المنشورات طيف واسع من القراء، الأمر الذي دفع الدار لترجمة هذه الروايات ونشرها بغير الإنجليزية في العالم. وفي عام 1981 تملكت شركة كندية هي تارو ستار شركة هارلكوين وقررت التوسع بالمشروع مترجما إلى العالم وخاصة أوروبا، وفي المنطقة العربية كان للشركة الجديدة فرع في قبرص أنشئ عام 1981 وبدأ بنشر الترجمات العربية لمجموعة الروايات وتم اختيار اسم عبير الذي يحمل معنى شفافا ولا يؤشر لاتجاه ديني أو سياسي ويظهر في الكثير من الحالات الأدبية والفنية العربية كما تسمى به الكثير من النساء في العام العربي.

 وكان العدد الأول الذي نشر في الطبعة العربية كان وعاشت له للكاتبة الإنجليزية فيوليت وينسبر وهي رواية ظهرت في ستينات القرن الماضي، وكان لظهور الرواية صدى طيب على القراء العرب وحققت نجاحات استمرت سنوات حتى ظهر جزء ثان من السلسلة باسم روايات أحلام.  وحقق بدوره ظهورا خاصا في تاريخ النشر الأدبي في الوطن العربي.

14