الجميع يشكو من الطقس
تبدلت كثيراً ملامح شخصية أغلب المهاجرين العرب إلى بريطانيا، فأصبحوا أكثر تسامحاً بينما انشغل بعضهم بإظهار كياسته ولطفه كلما سنحت الفرصة، حتى اعتاد لسانه كلمة “آسف” لكثرة استخدامها جانياً أو مجنياً عليه، ولم تنج من اعتذاراته حتى القطط المدللة التي تتجول مع أصحابها لتستمتع بالطقس المعتدل والحدائق الغناء.
السمات الشخصية لا تنتقل بالعدوى، كما يقول عالم نفس نسيت اسمه وعنوانه، ولهذا يستبعد أن يكون هذا اللطف المبالغ فيه نتاج عدوى اجتماعية من بقية السكان من بريطانيين ومهاجرين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفظاظة فن يتقنه البعض من أفراد هذه الشعوب بطريقة لا ينافسهم فيها أحد.
المهم، أن خبراء علم النفس توصلوا إلى استنتاج مفاده أن الطقس البريطاني المتقلب (المعتدل في أغلب الأحوال) يجعل من الناس أقل عنفاً مقارنة بطقس البعض من البلدان الساخنة، الذي يعمل كوكيل حصري معتمد للجحيم. ويعتقد القائمون على الدراسة النفس – مناخية، بأن أحوال الطقس تؤثر بشكل كبير على أشكال السلوك البشري، بدرجة قد لا يتوقعها البعض؛ إذ أن الانزعاج الذي يسببه ارتفاع درجات الحرارة يولّد لدى الناس مشاعر عدوانية لتفريغ شحنات غضبهم على أي كائن يصادفهم في المنزل، في العمل أو في الشارع، فإذا لم تتوفر الضحية المناسبة فإن (مدافع) العدوان ستصب جام غضبها على صاحبها كرد فعل نفسي لمعاقبة الذات.
لكن أحد الباحثين يرجح أن الطقس الحار يدفع بالناس إلى الخروج من منازلهم إلى الشوارع في محاولة لتبديد مشاعر الضيق والانزعاج، لذلك تزداد فرص الاحتكاك بالآخرين وتتوفر فرصة أكبر للمشاحنات، مع التأكيد على أن هذا الغضب أياً كانت درجات الحرارة التي تؤججه، لا يمكن أن يبرر التطرف في العدوان الذي يصل إلى مستوى الجريمة.
وينصح الغاضبون عادة بتخفيض فورات غضبهم بالصراخ في وجه الناس مع استخدام البعض من أشكال السباب البسيطة، فإذا أعيتهم الحيلة وجهوا صفعة متوسطة السرعة لأي فرد من أفراد الأسرة قد يضعه سوء حظه في المكان الخطأ، مع مراعاة القيام بذلك بصورة سرية؛ إذ أن البعض من الدول (اللطيفة) تضع فعل الصفع في مصاف الجنح التي يعاقب عليها القانون.
هذا لا يعني تبريراً لاستخدام العنف في المناطق الساخنة، طقسياً وسياسياً، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وضواحيها وجيرانها وجار الجار.لأن الباحث، وفي لحظة ندم واضحة أضاف إلى استنتاجاته بأن الطقس ليس العامل الوحيد.
لم ينشغل ويلارد سكوت الكوميدي الأميركي، بتأثير العواصف السياسية على الناس، لكنه كان قد ضاق ذرعاً بتقلبات الطقس ومزاحه الثقيل، خاصة في الفترة التي عمل فيها مذيعاً للنشرة الجوية وتطلبت منه وظيفته الاحتفاظ بابتسامته الكاملة وهو يزف أخبار العواصف والطقس السيء على مسامع الجمهور، فأطلق مقولته الشهيرة “الجميع يشكو من الطقس، لكن يبدو أن لا أحد سيقوم بفعل شيء حيال ذلك!”.
ولأن البعض من المعجزات يمكنها أن تحدث فيتحول الطقس الحار إلى معتدل، لأي سبب من الأسباب، أو يتحول الطقس الأوروبي المعتدل إلى ساخن بشكل لا يصدق كما حدث في الأسبوع الماضي، فإن البعض من الأنظمة العربية التي تقع خارج إطار تغطية زمن المعجزات، ما زالت باقية وتتمدد بالحرارة ولا تنكمش بالبرودة، ويبدو أن لا أحد سيقوم بفعل شيء حيال ذلك!
كاتبة عراقية مقيمة في لندن