الجمهورية الجديدة: ترحيب حقوقي حذر بتسوية ملف السجناء في مصر

لا أحد بوسعه وضع الإصبع بدقة حول أسباب تغير موقف السلطات المصرية من قضايا سجناء الرأي. لكن لا أحد يرفض أن تبادر الحكومة إلى تسوية ملفات لأفراد محبوسين بتهم تلقي التمويلات والتعاطي مع الخارج أو نشر أخبار كاذبة أو إساءة استخدام الوسائط الاجتماعية.
القاهرة - يجد توالي الإفراجات المصرية عن مجموعة من السجناء السياسيين ترحيبا من قوى سياسية ومنظمات حقوقية عديدة، عولت على تحسين سجل أوضاع حقوق الإنسان، لكن الخطوات الأخيرة واجهت انتقادات بسبب البطء الذي يسيطر على اتخاذ قرارات الإفراج، على الرغم من أن توقعات كثيرة ذهبت باتجاه تسريع وتيرتها.
وأخلت النيابة العامة المصرية الأحد سبيل اليوتيوبر الشهير شادي سرور، والصحافية والباحثة شيماء سامي، وعضو حزب “العيش والحرية” زياد أبوالفضل، المحبوسين على ذمة قضايا مختلفة بتهم الانضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بعد الإفراج عن عدد من السجناء السياسيين.
وأصدرت محاكم قضائية أحكاما بالإفراج عن أكثر من 128 متهما في قضايا مرتبطة بالتجمهر والتظاهر، أبرزها قضايا مظاهرات سبتمبر عام 2020، فضلا عن القضايا المتعلقة وقائعها بنشر أخبار كاذبة في عقب تفشي فايروس كورونا.
وجاءت قرارات الإفراج قبل أيام بعد تحركات قامت بها ما يسمى بـ”مجموعة الحوار الدولي”، وهي مبادرة مستقلة تكونت من سياسيين مصريين وممثلي المجتمع المدني، وتضم سبعة أشخاص كممثلين عن البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ، وجميعهم من المهتمين بقضايا حقوق الإنسان بهدف التواصل مع الجهات الأمنية والقضائية في الداخل بشأن الحالات التي تستحق الإفراج.
وأوضح منسق اللجنة محمد أنور السادات لـ”العرب” أن المبادرة “تتلقى التظلمات والاستغاثات من ذوي المحبوسين وتقوم بتوثيقها وإرسالها إلى مكتب النائب العام ووزارة الداخلية لبحثها والتعرف على الأسباب الإنسانية والقانونية التي تدفع إلى إمكانية الإفراج عنها”، متوقعا الإفراج عن أعداد جديدة الأيام المقبلة.

محمد أنور السادات: نتلقى التظلمات ونرسلها إلى مكتب النائب العام
بعيدا عن الضغوط الدولية
تنطلق مؤشرات التفاؤل من أن قرارات إخلاء السبيل تأتي بعيدا عن الضغوط الدولية المباشرة هذه المرة، وبدا واضحا أن هناك خطة تمضي فيها الحكومة لتصفية الملفات المرتبطة بالسجل الحقوقي، وتحاول سد المنافذ التي تشكل عائقا أمام علاقة القاهرة بجهات خارجية، واستغلال حالة الاستقرار الحالية لتبرهن على أنها تقوم بعملية الإصلاح في الوقت الذي تراه مناسبا للحالة الأمنية في البلاد.
ويصعب الفصل بين التوجهات الحالية وبين إقرار اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية والاتجاه نحو غلق قضية التمويلات الأجنبية، والتوسع في قرارات العفو الرئاسي التي طالت عددا كبيرا من السياسيين، نهاية بإيجاد آلية محددة من جانب المجلس القومي لحقوق الإنسان لتلقي طلبات العفو عن المحبوسين.
وأضاف السادات في تصريحات خاصة لـ”العرب” أن ثمة خطة تسير في إطارها الدولة للتعامل مع حقوق الإنسان، والتجاوب الواسع مع المبادرة “يأتي من رؤية تستهدف تسوية الملف وفقا لقرارات مدروسة، ما يشي بوجود بطء، لكن الوضع الحالي بات أفضل من الاستمرار لفترات أطول في الجمود الذي ساد لسنوات”.
وكشف السادات عن إقدام الحكومة على مناقشة حزمة تشريعات قريبا تتعلق بمراجعة قوانين الحبس الاحتياطي، وتعديل قرارات منع السفر وترقب الوصول، وغلق قضية التمويلات الأجنبية التي تجري تسويتها قضائيا حاليا تمهيدا للإعلان عن استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان من المتوقع الإعلان عنها في غضون أسبوعين.
وأعلن قاضي التحقيق المنتدب للتحقيق في القضية المعروفة باسم قضية “التمويلات الأجنبية” الاثنين
استبعاد أربع جمعيات ومنظمات حقوقية جديدة من القضية لعدم كفاية الأدلة، وهي المجموعة المتحدة محامون مستشارون قانونيون اقتصاديون، ومحامون من أجل العدالة والسلام، والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، والمعهد المصري الديمقراطي.

انتصار السعيد: الحكومة المصرية خطت خطوات مهمة إلى الأمام
وأمر القاضي برفع أسماء جديدة من قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول على ذمة القضية ذاتها، وهم نجاد البرعي وعزة سليمان، ومجدي عبدالحميد، وحسام الدين علي، وإسراء عبدالفتاح.
وتعد هذه القرارات هي الخامسة التي تصدر بحق النشطاء في القضية ذاتها، وسط توقعات بصدور قرارات مماثلة بشأن مجموعة أخرى من الحقوقيين خلال الأيام المقبلة.
وبصدور القرارات الأخيرة يكون عدد المنظمات والجمعيات والكيانات بقضية التمويل الأجنبي التي تم صدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بشأنها، فيما تضمنه تقرير تقصي الحقائق من وقائع 67 كيانا كان عُني بالاتهام فيها ما يزيد على 180 شخصا.
ويوجه العديد من الحقوقيين انتقادات للحكومة بسبب البطء في تحريك هذه القضية أيضا بعد عشر سنوات من فتحها في عقب ثورة يناير 2011، غير أن اتخاذ غالبية القرارات بشأن استبعاد المنظمات خلال الفترة بين مارس الماضي وحتى أغسطس يبرهن على أن هناك توجهات سياسية نحو غلقها بشكل نهائي.
ويربط هؤلاء الحقوقيون بين تسريع وتيرة الإجراءات القانونية بشأن المنظمات وبين ضغوط فاعلة مارستها الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي منذ مطلع العام الجاري، في حين تؤكد دوائر رسمية بأن إقرار اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية في مارس الماضي، وإقدام عديد من المنظمات الحقوقية والجمعيات بتوفيق أوضاعها، كان دافعا نحو إنهاء حقبة شكلت فيها التمويلات خطرا على الأمن القومي.
ويرى مراقبون أن التعامل المصري مع ملف حقوق الإنسان يحقق هدفين متوازيين: أولها يرتبط بمساعي القاهرة للقيام بدور إقليمي ولن يكون ذلك سهلا من دون التحرك بإيجابية مع توالي الانتقادات التي توجهها منظمات وجهات دولية لسجلها الحقوقي؛ والثاني يرتبط برغبة داخلية تستهدف خلق صورة تتماشى مع شعار “الجمهورية الجديدة” الذي يجري التسويق له تزامنا مع قرب افتتاح العاصمة الإدارية نهاية العام.
معالجة بطيئة

وتؤمن الحكومة المصرية بأن التوجه نحو تحريك جمود الملف الحقوقي يزيح عنها الحرج الذي يلازمها كلما ذهبت باتجاه اتخاذ قرارات بناء على ضغوط دولية، وترفض أن يجري توظيف هذا الملف من قبل بعض الأطراف ضدها.
وتتحرك في الأطر التي تحقق انفراجة تحظى بإشادات عديدة، لكن في الوقت ذاته لا تقترب من ملفات وشخصيات يشكل الإفراج عنها خطرا بالنسبة لها أو يبرهن على الانحناء لعواصف عارمة من الانتقادات الدولية.
ويعد رفض الحكومة التجاوب مع الضغوط التي تمارسها عليها أطراف دولية للإفراج عن الناشط الإيطالي باتريك جورج زكي، دليلا على أنها تنتظر أن تأخذ الإجراءات مسارها نحو الإفراج عنه وفقا للمعلومات المتوافرة لدى الأجهزة الأمنية والقضائية.
وأكدت رئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون (حقوقية) انتصار السعيد، أن الحكومة المصرية خطت خطوات مهمة للأمام على طريق تسوية ملف المحبوسين، وأثبتت أن لديها استعدادا للتعامل مع الشكاوى والاستغاثات التي تصل إليها، ويبقى أن تكون هناك نظرة مغايرة للمجتمع المدني بدلا من التعامل معه كعدو يهدد الأمن القومي.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن الأوساط الحقوقية “تنتظر إغلاق قضية التمويلات الأجنبية بشكل كامل كي تكون هناك صفحة جديدة في العلاقة بين الطرفين، وبالتوازي مع ذلك فإن استمرار الإفراجات يخلق حالة جيدة بين ذوي المتهمين والحكومة، انتظارا للمزيد من الخطوات التي تدعم الحالة الحقوقية بوجه عام”.