الجزائر: تونس تتنفس الصعداء

ما يهم تونس من المشهد الجزائري، أن الأزمة صارت محل نقاش عميق بين مختلف الفاعلين في الجارة الغربية، وبالتالي ابتعدت بشكل ملحوظ فرضية الاستعصاء والمحنة.
الأربعاء 2019/03/13
التفاعل السياسي والمدني مع رسالة بوتفليقة متفاوت بين القبول والرفض والتوجس

لن نجانب الصواب إن قلنا إنّ الدبلوماسية التونسية تنفست الصعداء بعد أن عمدت المنظومة الحاكمة في الجزائر إلى اتخاذ خطوات سياسية معتبرة تطوي صفحة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وإن كان في كتابها العديد من الصفحات الأخرى الجاهزة لتسيّد المشهد الجزائري.

ارتياح الدبلوماسية التونسية حيال القرارات الجزائرية مرده أن هذه الخطوات ستبعد عن الجزائر وعن المغرب العربي شبح سيناريوهات الربيع العربي، وستجعلها بمنأى عن حرب المؤسسة العسكرية والأمنية ضد إرادة الشعب ورغبته في التغيير.

على مدى أكثر من أسبوعين، عاشت الخارجية التونسية كابوس انسحاب السيناريو الليبي على الجزائر، وعلى كوابيس أخرى لا تقل ضراوة عن المأساة الليبية، وكانت السيناريوهات المفجعة متجسدة في تصيير الاحتقان السياسي إلى فشل للدولة، وإلى خروج المظاهرات من حالة السيطرة نحو الانفلات والصدام مع ما تفتحه هذه الفرضيات من فواجع إنسانية كبرى.

صحيح أن الدبلوماسية التونسية لم تصدر أي بلاغ بخصوص الوضع الجزائري، وصحيح أيضا أن الأحزاب الحاكمة والمعارضة كانت شحيحة التعليق حيال المشهد الجزائري، ولكن المصادر القريبة من رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية كانت لا تخفي توجّسا من تداعيات الحالة الجزائرية على تونس والمنطقة المغاربية برمتها.

المتأمّل في حراك الدبلوماسية التونسية ولخطاب وزير الخارجية خميس الجهيناوي يدرك أن الجزائر كانت “الحاضر الغائب” في معظم نشاطاته، فإعادة الحياة إلى مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي للتسوية في ليبيا بعد إعلان موتها سريريا، والاجتماع الثلاثي الجزائري التونسي المصري في القاهرة، وتركيزه خلال لقائه بدبلوماسية أممية على آليات الحل السياسي في ليبيا، كلها تصب في خانة واحدة ألا وهي استباق نصف الأزمة الجزائرية بنصف حل في ليبيا.

المتابع لبيانات الأحزاب السياسية التونسية الحاكمة والمعارضة، والتغطيات الصحافية لوسائل الإعلام المحلية والتي تستبطن معظمها ذات التخوفات وذات التطلعات، يتبين الوزن الاستراتيجي للجزائر على الأوضاع الداخلية في تونس. وهو وزن متأت بشكل أساسي من الترابط الجغرافي في محاربة الإرهاب والتشابك الاقتصادي على مختلف الأصعدة، والتنسيق السياسي في أكثر من ملف مغاربي وأفريقي ومتوسطي.

هل يعني هذا أن الجزائر تجاوزت أزمتها المعقدة وأن الدبلوماسية التونسية بإمكانها الركون إلى الهدوء في الملف الجزائريّ؟

الأجوبة القادمة من الجزائر كثيرة ومتضاربة، والتفاعل السياسي والمدني مع رسالة بوتفليقة متفاوت بين القبول والرفض والتوجس، ولكن الثابت أن المنظومة الحاكمة قبلت مبدأ التفاهمات والتنازلات، وانخرطت في مسار سياسي وإن كان بمقتضى الضرورة والجبر، إلا أنه يضع الجزائر في مرحلة سياسية جديدة لا عودة فيها إلى الوراء.

ما يهم تونس من المشهد الجزائري، أن الأزمة صارت محل نقاش عميق بين مختلف الفاعلين في الجارة الغربية، وبالتالي ابتعدت بشكل ملحوظ فرضية الاستعصاء والمحنة، وتناءى أيضا شبح الاحتراب والمكاسرة.

هناك قناعة لدى كافة الدبلوماسيات في العالم والدبلوماسية التونسية جزء منها بأنه كلما تقدم الدبلوماسيون المشهد السياسي كلما سادت الحكمةُ الخطابَ والرصانةُ العلاقةَ مع الأطراف الداخلية والخارجية؛ وأن تكون المرحلة الانتقالية في الجزائر مطعمة بشخصيات دبلوماسية على غرار رمطان لعمامرة والأخضر الإبراهيمي فهي مؤشرات إيجابية بأنّ الاتجاه العام ذاهب نحو التهدئة، حتى وإن كانت منظومة الحكم في الجزائر مرتبطة بفاعلين أكثر تأثيرا من هؤلاء.

في المحصلة ارتياح تونسي مشوب بقلق، ومنبع التوجس أمران. أحدهما أن الخطوات جاءت متأخرة زمنا وسقفا، صحيح أّنها استجابت لمعظم المطالب السياسية ولكن لا أحد يخفي أنّ جزءا من المطالب الشعبية في الأيام الأخيرة تركز على تغيير النظام وهناك دعوات لاستئناف المظاهرات الأسبوعية، ولا أحد يعرف إلى أيّ حد ستؤثر هذه المقاربة الرافضة لإصلاحات المنظومة.

أما الأمر الثاني فهي التغطية الصحافية للقنوات التلفزيونية العمومية والحكومية للكثير من العواصم الإقليمية، وهي تغطية تثبت أن الكثير من العواصم تراهن على ربيع عربي في الجزائر عبر توسيع الهوة بين النظام والرأي العام، وإفقاد الخطوات لأيّ مصداقية وشرعية.

9