الجزائر تواجه معركة إصلاح قوانين الاستثمار

سياسات الجزائر فشلت في العقود الماضية في استقطاب الاستثمارات بسبب انتشار الفساد والبيروقراطية الإدارية.
الاثنين 2020/02/10
نحو تعزيز مناخ الأعمال

دخلت الجزائر في معركة مراجعة قوانين الاستثمار البالية لإزالة العقبات وتشجيع المستثمرين المحليين والأجانب لإخراج البلاد من أزماتها العميقة، بعد اتساع مخاطر استمرار الاعتماد على عوائد صادرات الطاقة المتراجعة.

الجزائر - كثّفت الحكومة الجزائرية الجديدة جهودها لتحسين مناخ الأعمال من خلال تنظيم ندوة دولية حول الحماية القانونية والقضائية للمستثمرين التي تهدف إلى توفير التسهيلات اللازمة لفتح آفاق الاستثمار.

وتندرج هذه الندوة في إطار خطط الحكومة لتنويع الاقتصاد ومصادر التمويل لمعالجة الاختلالات الكبيرة في التوازنات المالية الناتجة عن تراجع عائدات صادرات الطاقة.

وأوضح المشاركون المختصون في القانون بخصوص الحماية القانونية والقضائية للاستثمارات أن “الجزائر بدأت تخطو خطوات مهمة على المستوى التشريعي لحماية الاستثمار، من خلال إنشاء المؤسسات المختصة وهيئات تحكيم تسوية النزاعات التجارية”.

لكن وكالة الأنباء الرسمية نسبت إلى الأكاديمي في الجامعة الجزائرية عثامنية لخميسي قوله إن “جميع النصوص في قانون الحماية الجزائية لمناخ الاستثمار المتعلقة بضمان بيئة ملائمة للاستثمارات المحلية والدولية، تتطلب المزيد من التحسين والإثراء والتطوير”.

وتعدّ الجزائر عضوا منذ 1989 في الاتفاقية الدولية المتعلقة بتطبيق قرارات التحكيم التجاري، حيث صادقت على العديد من القوانين المرتبطة بحماية المستثمرين المحليين والأجانب، إضافة إلى النصوص المتعلقة بضمان مناخ مناسب للاستثمارات.

وسبق أن أجرت خلال السنوات العشر الماضية مراجعات لقانون النقد والقروض وقانون مكافحة الفساد وقانون حماية الملكية الفكرية، فضلا عن قانون المنافسة في إطار جهودها لتوفير مناخ ملائم للاستثمار.

كما أقرّت في قانون المالية للعام الجاري تحفيزات كبيرة للاستثمار تضمّنت إلغاء القاعدة التي تحدّد نسبة منخفضة للشريك الأجنبي في مشاريع الاستثمار في القطاعات غير الاستراتيجية، لكن القانون أثار جدلا شعبيا واسعا مقابل ترحيب الخبراء الذين أكدوا أنه العوائق أمام المستثمرين الأجانب.

الحكومة الجزائرية تسعى، من خلال هذا المنتدى، إلى إزالة جميع العقبات والنواقص المكبّلة للاستثمار في البلاد

ويرى خبراء أن سياسات البلد فشلت في العقود الماضي في استقطاب الاستثمارات بسبب انتشار الفساد والبيروقراطية الإدارية التي تفاقمت خلال حقبة نظام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وأصبحت تحتاج لإصلاحات جذرية لمعالجة تراجع النمو والإنتاجية.

وقال القاضي الدائم في المحكمة العربية للاستثمار في القاهرة لحسن كروسي إن “عضوية الجزائر في الاتفاقية العربية لحماية الاستثمارات تمنح المتعاملين الاقتصاديين تسهيلات ضريبية وتوفّر لهم إجراءات الحصول على التمويل، وكذلك إمكانية تحويل الأرباح دون أي عراقيل.

ويخشى معظم المستثمرين المجازفة بالدخول في مشاريع استثمارية في الجزائر بسبب نقص ضمانات الحقوق القضائية، وطول مسار التقاضي الذي يعدّ من أكبر العقبات في بيئة الاستثمار في البلاد.

وأشار المحامي في نقابة الجزائر العاصمة لزهر نصرالدين إلى أن “البطء المسجل في معالجة النزاعات التجارية وتسوية القضايا التجارية عند تطبيق القرارات المتعلقة بتحصيل المستحقات ودفع الديون يعيق تدفق الاستثمارات”.

وانتقد أحد الأحكام القضائية التي تنص عليها قوانين الاستثمار في الجزائر والذي يعرف بـ”تجريم فعل التسيير”. ودعا النظام القضائي إلى ضمان حماية المستثمرين المحليين والأجانب وإلى معالجة عادلة للملفات المشتبه في ارتكابها لقضايا فساد.

وطالب المختصون الدوليون الذين حضروا الندوة إلى تفضيل الوساطة خلال تسوية النزاعات بين المؤسسات كآلية قانونية بديلة لتسهيل تسوية النزاعات.

عثامنية لخميسي: قوانين الاستثمار تحتاج إلى مراجعة وإثراء وتطوير
عثامنية لخميسي: قوانين الاستثمار تحتاج إلى مراجعة وإثراء وتطوير

واعتبروا أن “الوساطة هي عامل جذب للمستثمرين الأجانب، خاصة بعد أن أصبحت قضايا التحكيم التي تُعرض على الجهات القضائية المختصة مُكلفة وتتطلب آجال معالجة غالبا ما تكون طويلة”.

واقترح المحامي في نقابة باريس دافيد لوترون “انضمام الجزائر إلى الاتفاقية الدولية للوساطة التي وقّعت مؤخرا في سنغافورة تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وانضمت إليها 51 دولة”.

وعرض مزايا الوساطة بقوله إنها “تتيح للطرفين المتنازعين إمكانية الاستعانة بطرف ثالث للتحكيم بينهما وتسوية النزاع دون المرور بالهيئات القضائية”.

وأكدت اوركولا ديبالاسيو، المحامية في النقابة الإسبانية ورئيسة محكمة التحكيم أهمية أنظمة الوساطة في حل النزاعات الدولية المتعلقة بالاستثمار والتحكيم الدولي.

ودعت الموقعين على اتفاقات الاستثمارات إلى تفضيل البنود المختلطة التي تنصّ على اللجوء إلى التحكيم والوساطة كوسيلة لتسوية المنازعات التي قد تطرأ أثناء تطبيق العقود التجارية والاستثمارات.

وتحاول الحكومة الجزائرية من خلال هذا المنتدى عرض جميع العقبات والنواقص المكبّلة للاستثمار من أجل إزالتها والمصادقة على سلسلة من التوصيات والإجراءات لمساعدة السلطات على إثراء القوانين والنصوص المتعلقة بهذا المجال.

وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد أكد في كلمته عند افتتاح المنتدى الجمعة، أن مشروع تعديل الدستور سوف يتضمّن تغيير القوانين مع متطلبات المرحلة الجديدة.

وأضاف أنّ ذلك سيشمل مراجعة القانون التجاري لتبسيط شروط إنشاء المؤسسات وإدخال نظام وقائي لإنقاذ الشركات التي تواجه صعوبات، وتدعيم الجهات القضائية التي تفصل في النزاعات التجارية، عن طريق تخصّص العنصر البشري اللازم لتسهيل تلك الإجراءات.

10