الجزائر تكافح بلا جدوى لتقليص الفاتورة الضخمة للاستيراد

تتصاعد انتقادات الأوساط التجارية والزراعية في الجزائر يوما بعد يوم لجهود السلطات في مساعيها نحو تقليص الفاتورة الضخمة للواردات خاصة وأنها تعتقد أن تواصل البطء في معالجة الأمر قد يؤدي إلى المزيد من الخلل في توازنات النشاط الاقتصادي المتعثر أصلا بسبب غياب الرؤية للتخلص من الاعتماد على عوائد النفط والغاز.
الجزائر – يعطي الواقع الذي تعاني منه العديد من القطاعات الإنتاجية في الجزائر وخاصة الغذائية منها تأكيدا من أن محاولات الحكومة لخفض الفاتورة الهائلة للواردات التي استنزفت موارد الخزينة الآخذة بالانكماش من العملة الصعبة لا تحقق الكثير من النجاح.
ومنذ إسقاط النظام السابق لا يوجد ما يوحي بأن حكومة الرئيس عبدالمجيد تبون تسارع الخطى باتجاه محاصرة فوضى التوريد والتي تتجلى ملامحها في عدم قدرة مجالات مثل صناعة الألبان على الصمود والمنافسة في وجه نقص الدعم الحكومي وسوء إدارة مشاكلها فضلا عن الجفاف.
ويعتقد الجزائري إبراهيم بوعويشة، وهو مربي أبقار مخصصة لإنتاج الحليب، أن بمقدور بلاده أن تتخلص من واردات الألبان المكلفة لو التزمت الحكومة بوعودها بخصوص تشجيع المزارعين.

أيمن عبدالرحمن: قيمة الواردات ستنخفض بأكثر من النصف قياسا بعام 2014
وتنفق الحكومة 1.3 مليار دولار سنويا على واردات الحليب التي قد لا تتوفر في كثير من الأحيان بالمتاجر الجزائرية، وهو ما يعكس مشكلات أوسع تتعلق بإنتاج وتوزيع المواد الغذائية المحلية في الاقتصاد الذي ما زالت الدولة تديره إلى حد كبير.
ويقول بوعويشة في المزرعة التي يديرها مع إخوته ببلدة ميناسور البعيدة بنحو 100 كيلومتر غرب العاصمة الجزائرية لرويترز “للرفع من عدد الأبقار يجب أن نوفر مساحة أكبر من الأراضي، لأن لكل بقرة حلوب يجب توفير هكتار واحد على الأقل”.
وأضاف بوعويشة الذي تضم مزرعته 68 بقرة لإنتاج الحليب “نحن لدينا نفس العدد من الأبقار الحلوب منذ 10 سنوات، ولو كان لدينا المزيد من الأراضي لتمكنا من رفع عدد الأبقار”. وتابع “بإمكاننا تحقيق الاكتفاء الذاتي في مادة الحليب”.
ومع تعرض إيرادات الدولة لضغوط نتيجة انخفاض أسعار النفط والإنتاج في السنوات الأخيرة، اضطرت الجزائر إلى الاعتماد بشكل كبير على احتياطي العملات الصعبة لديها لتمويل واردات المواد الغذائية بما في ذلك الحليب إلى جانب السلع الأخرى المدعومة.
ومع بلوغ إجمالي الفاتورة السنوية للمواد الغذائية المستوردة 19 مليار دولار، تتطلع الحكومة إلى زيادة إنتاج الغذاء محليا في الوقت الذي تتحرك فيه بحذر لإصلاح قطاعات من الاقتصاد الذي طالما هيمن عليه النفط والغاز.
وتوقع الوزير الأول ووزير المالية أيمن بن عبدالرحمن في سبتمبر الماضي في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية حينها أن تهبط قيمة واردات الجزائر بنهاية العام الجاري بأكثر من نصف القيمة المسجلة في 2014، لتصل إلى 30.4 مليار دولار.
ووضعت الحكومة خطة لخفض الدعم في ميزانيتها الأخيرة لكن البرلمان لم يوافق عليها بعد. ولطالما ترددت الجزائر في الاقتراب من الاستحقاقات الاجتماعية خوفا من إثارة اضطرابات اجتماعية.
وفي الوقت نفسه تبحث الحكومة مجموعة من الإجراءات الأخرى بينها سياسة “الزراعة الاستراتيجية” التي من شأنها تعزيز الإنتاج المحلي من خلال منح إعفاءات ضريبية وحوافز أخرى للمزارعين.
ولطالما شكا المزارعون، أمثال بوعويشة، الذي بدأ والده في تربية أبقار الحليب منذ 1968، من ارتفاع الضرائب وزيادة أسعار علف الماشية والعراقيل البيروقراطية التي يقولون إنها تسببت في تراجع الإنتاج.
ولدى هؤلاء أمل في أن تلغي الحكومة قرارها الخاص بتجميد حفر الآبار للحفاظ على احتياطيات المياه الجوفية. وهذا من شأنه أن يساعد في ريّ العشب والأعلاف الشتوية بعد سنوات الجفاف الأخيرة.
وفي أكتوبر الماضي، رفعت الحكومة رهانا صعبا يتمثل في ضمان الأمن الغذائي وحددت سقفا زمنيا لتحقيق ذلك لا يتعدى 18 شهرا، رغم الشكوك الكبيرة التي تحيط بنجاح خطتها في ظل استمرار ارتفاع التضخم وفقدان السيطرة على أسعار المواد الغذائية.
وخلفت زيادة تكاليف الغذاء في أنحاء العالم ضغوطا هائلة على الأسعار. وكان من المنطقي أن يرتفع التضخم إلى حد لا يحتمل بالنسبة إلى عدد كبير من الجزائريين.
19
مليار دولار متوسط قيمة الفاتورة السنوية للواردات الغذائية وفق التقديرات الرسمية
ولمواجهة هذه التقلبات غير المتحكم فيها تسعى الحكومة لإرساء أسس زراعية عصرية تتسم بالنجاعة والفعالية والتنافسية وتؤهلها لضمان الأمن الغذائي المنشود على المدى القصير.
وكان وزير الفلاحة والتنمية الريفية عبدالحميد حمداني قد قال في وقت سابق هذا العام إنه يريد زيادة قطيع إنتاج الحليب بالجزائر إلى 20 ألف بقرة بحلول عام 2024 من ثمانية آلاف في الوقت الراهن.
وعلى الرغم من أن الحكومة تضمن حاليا سعر شراء الحليب وتقدم مكافآت لمعدلات الإنتاج الأعلى، إلا أن الأمر يبدو غير كاف إذا لم تسرع في تنمية قطيع الأبقار أبكر من الوقت الذي حدده حمداني.
وتعتبر مادة الحليب من المواد الأساسية في تركيبة الغذاء الجزائري، ولذلك تمّ إدراجه في خانة المواد المدعومة من طرف الخزينة العامة، التي تساهم بثلث التسعيرة، وتعتبر من بين الإيرادات التي ترهق الدولة بنحو ملياري دولار سنويا.
وتمثل عائدات الزراعة بالفعل 13 في المئة من الناتج الاقتصادي الجزائري حيث يعمل بها 2.5 مليون شخص. ومع ذلك فإن القطاع يعتمد على المطر، ورواتب العاملين فيه ضعيفة ولا يكاد يستخدم ابتكارات تكنولوجية يمكن أن تحفز على مزيد من النمو.
غير أن مسؤولي الدولة القلقين بشأن ارتفاع فواتير الاستيراد، يرون بشكل متزايد الحاجة إلى التغيير، فقد قال تبون في الآونة الأخيرة “قمنا باستيراد البرتقال خلال موسم جني المحصول في الجزائر. هل نحن بصدد دعم الفلاحين الأجانب بدلا من دعم فلاحينا؟”.
وضرب هذا التعليق على وتر حساس لدى مزارع الحمضيات الأطرش جمال الذي قال لرويترز إن “على الحكومة أن توقف استيراد الحمضيات. يمكننا إنتاج ما يكفينا، بل وتصدير الفائض”. وأضاف “مستقبل الجزائر في الزراعة وليس النفط”.