الجزائر تغامر بتأميم الشركات المخصخصة

الحكومة تقرر استرجاع ملكية جميع المؤسسات التي تمت خصخصتها خلال فترة حكومتي أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال في خطوة غير محسوبة العواقب.
السبت 2020/02/01
عودة جديدة إلى المربع الأول

تخوض الجزائر مغامرة غير محسوبة العواقب بإعادة تأميم الشركات التي تمت خصخصتها جزئيا أو كليا في عهود سابقة، في خطوة يقول محللون إنها تتعارض مع محاولات استقطاب الاستثمارات لمعالجة الاختلالات المالية المزمنة وتخفيف الاعتماد الشديد على إيرادات الريع النفطي.

الجزائر - عكس قرار الجزائر السير في طريق تأميم الشركات، التي باعتها كليا أو جزئيا، تخبطا في جهود القطع مع السياسات القديمة، التي جعلت لوبيات الفساد أقوى من الدولة.

وأثارت الخطوة جدلا بين الأوساط الاقتصادية، التي حذرت من تصحيح الأخطاء بأخطاء أكبر في وقت تحاول فيه الحكومة الجديدة اعتماد مسار جديد لتحسين مناخ الأعمال في محاولة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، التي يمكن أن تخيفها هذه الخطوة.

وكانت الصفقات المشبوهة خلال حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قد فتحت الأبواب لرجال الأعمال المقربين من السلطة للسيطرة على معظم القطاعات الحساسة وشراء شركات حكومية جزئيا أو كليا.

وقالت مصادر مطلعة على الملف إن الحكومة قررت استرجاع ملكية جميع المؤسسات، التي تمت خصخصتها خلال فترة حكومتي أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال.

وقدرت المصادر عدد الكيانات التي سيتم استرجاعها بنحو 800 شركة، تحولت 80 في المئة منها إلى مخازن ومستودعات لا تساهم بأي قيمة مضافة في الاقتصاد المحلي.

وتؤكد البيانات أن بيع أسهم الشركات تم بما يعرف بـ”الدينار الرمزي” لمجموعة من رجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق، وهو ما يتعارض مع القوانين والتشريعات المعمول بها.

ووفق جريدة الخبر المحلية، فإن مخطط الحكومة يتضمن، في الشق المتعلق بقطاع الصناعة، إجراءات وآليات جديدة تهدف إلى إعادة استرجاع جميع الشركات التي تمت خصخصتها سابقا دون أن تقدم أي قيمة مضافة للصناعة والإنتاج.

وسيتيح هذا الأمر للدولة استرجاع الآلاف من العقارات الصناعية والأراضي، التي يقول مراقبون إن بيعها كلف الدولة خسائر تقدر بمليارات الدولارات.

ومن المتوقع أن تبدأ لجنة وزارية مشتركة يشرف عليها رئيس الدولة عبدالمجيد تبون بشكل شخصي، باتخاذ خطوات استرجاع كافة المؤسسات التي تمت خصخصتها زمن الرئيس بوتفليقة.

800 شركة سيتم تأميمها بعد أن تحولت إلى كيانات لا تساهم بأي قيمة مضافة في الاقتصاد

ويقول خبراء إن سياسة الخصخصة في الجزائر، التي تم اعتمادها خلال الفترة الممتدة بين 2000 و2005 أثبتت فشلها ولم تساعد الشركات على النهوض بنشاطها وفق ما هو مخطط.

وتظهر الحصيلة الأولية لتلك العملية أنه تم إغلاق أكثر من مئتي شركة حكومية كانت تنشط في عدة قطاعات استراتيجية، أهمها الصناعات الغذائية والأشغال العامة، فضلا عن تضرر قطاع الملابس والنسيج بشكل كبير.

وقد ارتفع عدد الشركات المنهارة خلال السنوات الأخيرة ليصل إلى نحو ألفي كيان، والتي كانت ضمن دائرة اهتمام رجال الأعمال المقربين من بوتفليقة للسيطرة عليها بالكامل.

ويؤكد خبراء أن الحكومات المتعاقبة بددت الكثير من الأموال والجهود في مخططات الخصخصة، التي لم تنجح في إنقاذ أي من تلك الشركات والمصانع.

وحاولت حكومة سلال ذر الرماد في عيون الجزائريين حينما قررت في عام 2015 إعادة تأميم مجمع الحجاز للحديد والصلب في عنابة بذريعة إنقاذ المصنع من الإفلاس، وهي الذريعة نفسها، التي ساقتها عند خصخصته في عام 2003.

ويعد المجمع أحد رموز الصناعات الثقيلة في البلاد خلال سبعينات القرن الماضي، لكنه تعثر بسبب الإخفاقات السياسية، إلى جانب الكثير من الشركات مثل مصنع المركبات الثقيلة بالعاصمة والجرارات في قسنطينة ومصنع المضخات في المدية.

وأثار تحرك الجزائر في ذلك الوقت لتأميم أكبر مصنع للحديد في البلاد جدلا واسعا حول جدوى سياسات التأميم والسياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة لبوتفليقة، والتناقضات بين خيارات الخصخصة والتأميم.

وتأتي خطوة التأميم استكمالا لخطط معالجة أزمة شلل الشركات المملوكة لرجال أعمال كبار متهمين بالفساد، حيث أعلنت الجزائر في أغسطس الماضي تعيين مسؤولين لتسييرها وضمان استمراريتها.

وينحصر نشاط رجال الأعمال المحبوسين في البنى التحتية، التي كان يحتكرها علي حداد وفي تجميع السيارات والمركبات من علامات أوروبية وآسيوية وبدرجة أقل بعض الصناعات الغذائية والإلكترونية.

وهناك استثناء وحيد هو رجل الأعمال المحسوب على المعارضة السياسية يسعد ربراب، الذي يملك مجمع سيفيتال، المعروف باستثماراته الإنتاجية في مجالات عديدة مثل الزيوت الغذائية والسكر وصناعة الإلكترونيات المنزلية.

وذكرت تقارير مالية حديثة أن هذا اللوبي المحسوب على بوتفليقة، يستحوذ على معظم الثروات والأموال والعقارات في البلاد.

وتشير التقديرات إلى أن ثروة حداد تبلغ 5 مليارات دولار يليه رجال الأعمال محمد بايري وأحمد معزوز وعبدالرحمن بن حمادي والعيد بن عمر وغيرهم.

وأعلنت الجزائر الشهر الماضي أنها قررت السماح للأجانب بتملك حصص أغلبية في قطاعات غير استراتيجية لم يكن في السابق مسموحا بها نتيجة سطوة مافيا الفساد.

ويعد هذا التحرك هو الأول من نوعه للدولة بعد أن شكلت لوبيات الأعمال المقربة من بوتفليقة، جدارا عازلا أمام ذلك طيلة العقدين الماضيين.

ومنعت الجزائر في تلك الفترة المستثمرين الأجانب من تملك حصص تزيد على 49 في المئة، حيث ظلت قطاعات كبيرة من الأنشطة الاقتصادية خاضعة لسيطرة الدولة.

11