الجزائري حمزة قريرة: الأدب التفاعلي فرصة للمتلقي ليكون فاعلا

في عصر التكنولوجيا والتشابك الرقمي ما عاد الأدب يكتفي بمادة اللغة، بل صار أكثر انفتاحا على محامل أخرى مثل الصور والفيديوهات، وتنقل من المجال الورقي المحدود إلى المجال الرقمي المفتوح وتحول القارئ إلى مشارك في صياغة العمل. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الروائي والناقد الجزائري حمزة قريرة حول الأدب التفاعلي.
تجمع رواية “الزنزانة رقم 6” للروائي حمزة قريرة أستاذ السرديات العربية المعاصرة جامعة ورقلة، بأسلوب مبتكر وفريد بين النص السردي والتأثيرات البصرية والسمعية.
هي رواية مكتوب على غلافها تفاعلية رغم أنها نُشرت ورقيا، حيث يرى قريرة أنها “رواية تفاعلية في حلّتها الأولى، حيث تم تقديمها من خلال مدونة الأدب والفن التفاعلي https://www.litartint.com. وتم وضع نواتها الأولى ثم اشترك في تأليفها عدد محدود نسبيا من المتلقين لحداثة التجربة. وقام بعد سنتين -من إطلاقها رقميا- بإعادة بعثها ورقيا عبر تثبيت أحد وجوهها الكثيرة.
رواية تفاعلية
يلفت قريرة في حواره مع “العرب” إلى تحديات دار النشر في نشر رواية بوجهين، يقول “قمت بالاتفاق مع دار ‘عناوين بوكس’ لنشرها ورقيا ومن خلال مواقع متخصصة لبيع الكتب رقميا. وتعد تجربة الدار مغامرة في حد ذاتها، لأن التجربة مختلفة ولا ضمان لانتشارها، لهذا أشكر المسؤولين على التحدي الذي أقدموا عليه معي”.
وأوضح “في النسخة الورقية لم أتخل عن الجانب الرقمي كليّا، بل وضعت مجموعة من الأكواد ‘QR‘ تربط النص الورقي بمراجع رقمية كالصور والصوت والفيديوهات”.
يقول قريرة عن أثر وجود ملحق نقدي في القسم الأخير من الرواية عليها “هي دراسة نقدية حول الرواية التفاعلية العربية بشكل عام، وهذا الجزء خارج الرواية حَدَثِيّا، لكن أردت من خلاله تعريف المتلقي العربي بهذا النمط الجديد من الكتابة ومن أجل أن أحيله رقميا عليها بتتبّع الروابط التي حملتها الدراسة”.
ويضيف “الرواية تحكي قصة شاب من بلاد عربية غير معيّنة، يتعرّض للسجن بسبب تهمة تواصله فيسبوكيا مع ابن عمه الإرهابي، فيوضع في زنزانة أسفل ثكنة عسكرية لا تبعد إلا أمتارا عن السوق، حيث تسمح له الزنزانة بسماع ما يدور في السوق دون أن يتمكّن أحد من سماعه، ومع إدخاله لحبسه الانفرادي تحدُث ثورة في البلاد، فيمكث هناك لأكثر من سنتين ويُنسى أمره”.
ويتابع “هنا يجد مذكرات خطيرة ويقرأ كتبا كثيرة، وفي الأخير يتم إخراجه بشكله الغريب، فيُفضّل البقاء بلحيته وهيئة المجنون في المدينة التي أصابها الجنون، وبعد مغامرات كثيرة يظل تائها في المدينة بشخصيات متعددة. وهنا يتدخّل المتلقي في النسخة التفاعلية في صنع الأحداث وتوجيهها حسب تجربته ورؤيته الخاصة، بل يمكن للمتلقي أن يُصبح هو شخصية حكائية في الرواية التفاعلية. وفي النسخة الورقية يجد أحد الوجوه الثابتة للرواية فيتعرّف على أهم مساراتها”.
ويكشف قريرة أن الشخصية البطلة في الرواية هي مراد وله بطاقة تعريف وصفحة فيسبوك ويمكن للمتلقي التواصل معه حقيقة، لأنه هرب من الرواية وأحداثها وهذه صفحته على الفيسبوك:https://www.facebook.com/profile.php?id=100036914081817..
إن “التعامل مع الشخصيات بهذا الشكل وتحريرها من الرواية يعد نوعا من التجريب السردي، أحاول من خلاله تجاوز الأنماط التقليدية للشخصيات بخلق شخصيات متحرّكة توهم بالواقعية حيث تتحاور مع المتلقي وتجعله جزءا من الرواية”.
ويلفت إلى أن الصورة المحمولة في بطاقة التعريف للبطل وغيره ـ في الرواية ـ من الشخصيات هي صور رقمية مستنسخة من خوارزميات غوغل، وليس لها وجود حقيقي في عالمنا، فاختيارها أيضا رقمي.
وضرب قريرة أمثلة عن مكونات الرواية في جانبها التفاعلي الذي تم نشره رقميا، يقول “يمكن تقديم عدة عينات من مختلف الجوانب: الجانب الأول اللغوي: مثاله ما جاء في الفصل الأول ‘موت بلا موعد'”.
ويتابع قريرة “الجانب الثاني ‘غير اللغوي’ هو الرسومات، حيث اعتمدت على رسومات فنانين مختلفين أهمهم الفنان الفلسطيني فخري رطروط، وجاء توظيف اللوحات إما مدمجة مع النص، أو لوحدها وسط النص. وهنا نشير إلى ضرورة الاتفاق مع الفنان أو توظيف لوحات مجانية لأن استخدام أي مادة غير مرخصة في المدونة قد يعرّضها للغلق”.
ويشير الكاتب إلى أن دور هذه اللوحات والعلامات غير اللغوية، هو بنائي في النص، فهي بمثابة لغة من مستوى آخر تقول ما لا تتمكّن اللغة الأخرى من قوله، إنها تعبّر حسب المتلقي حين يستنطقها.
إضافة إلى الصور وظّف قريرة أنماطا أخرى مثل الفيديو والموسيقى عبر دمجها مع النصوص وتحضيرها ببرمجيات خاصة، وبعد جمعها يتم طرحها في المدونة في مواقع محددة سلفا وفق رؤية إخراجية معيّنة، ويكون الطرح إما داخليا عبر رفعها في موقع خاص، أو عبر رفعها إلى اليوتيوب ومنه يتم إشراكها في المدونة وهي الطريقة الأفضل لتحقيق نسبة تفاعل أكبر.
ويضيف “الجانب البرمجي: وهو الجانب الجامع بين أجزاء الرواية ومن خلاله يتم طرحها في النت. أما الجانب التفاعلي فهو الأكثر أهمية لأنه يُظهر حضور المتلقي العربي في شكله التفاعلي الإيجابي”.
كما يشير إلى أن مسارات النصوص داخل المدونة مفتوحة وغير منتهية فهي تمثّل النص الذي لم يولد بعد، إنها تمنح المتلقي فرصة ليكون منتجا حقيقيا لا مجرّد مستهلك وعابر للنص، حيث تأخذه بشكل حر وفي كل الاتجاهات، كما تمنحه فرصة الإضافة والتعديل.
أدب خارج اللغة
يؤكد قريرة أنه رغم ما تمنحه المدوّنة من إمكانات هائلة للمتلقي في إثراء النص، وما توفّره للنص التفاعلي ذاته من وسائط متعدّدة، إلا أن خطورة تحوّل البناء النصي من الورقي إلى التفاعلي تظل قائمة خصوصا في الجانب الجمالي، فالذوق قد يتغيّر بتغيّر أنماط البناء، فبعد أن كانت فضاءات النص ثنائية البعد في البناء وتلقيها وفق ذلك يسير في اتجاه واحد، أصبحت متعددة الأبعاد “البعد الثالث والرابع/ الزمن”.
وهنا يُصبح التلقي الجمالي مختلفا، كما يقول، فلا يسير في اتجاه واحد، وهو ما سيولّد جماليات أخرى بالضرورة، ولا ندري مدى خطورتها على الذائقة العامة، لهذا لا بد من الحذر في التعامل مع النص التفاعلي، فهو نص موجِّه للذائقة، وعبر انتشاره السريع وغير المحدود أو المشروط يُصبح أكثر فعالية وتأثيرا، مما يجعله سلاحا ذو حدين.
وعن الأدب التفاعلي بشكل عام الذي تعد الرواية جنسا من أجناسه، كيف ظهر وتأسس من حيث البناء والجمالية؟ يشير قريرة إلى أنه “في عصر تطوّرت خلاله الوسائل التكنولوجية بشكل متسارع، وعلى رأسها الكمبيوتر ببرمجياته المختلفة، وهيمنت فيه الشبكة العنكبوتية على الحياة الإنسانية، لتُصبح مختلف المجالات في حاجة إلى مواكبة الركب الرقمي كي تتمكّن من البقاء أمام سيل المعرفة المتواصل، والأدب كغيره من المجالات حاول دخول العالم الرقمي لتحقيق مقروئية أكبر ومن جهة أخرى من أجل إنتاج جماليات أخرى لا يتوفر عليها في نسخته الورقية”.
ويضيف “أمام هذه الأسباب وغيرها ظهر ما عُرف بالأدب التفاعلي وهو الأدب المنتج والموجّه عبر الوسيط الإلكتروني، مستفيدا من مختلف الصياغات التي ظهرت في النص الشبكي والمتفرع بنسقيه السلبي والإيجابي الذي يمنح المتلقي فرصة المشاركة في بناء النص، وعبر هذه النصوص الرقمية ذات الوجود الافتراضي برز أدب من نوع خاص سواء في بنائه أو جماليته أو تلقيه”.
ويوضح الكاتب أن الأدب التفاعلي هو في جوهره أدب لكنه متّحد بالتقنيات الرقمية، مما يتيح له الخروج عن البعد اللغوي مستثمرا كل الطاقات التعبيرية والرمزية في العلامات غير اللغوية كالصور والأصوات والألوان وغيرها مما تتيحه الوسائل الرقمية كمساند للنص اللغوي وأحيانا كعنصر رئيس في النص/ العرض.
بهذا يتكوّن العمل الأدبي في المجال التفاعلي/ الرقمي من مكوّنات مختلفة تبدأ من اللغة إلى العلامات غير اللغوية والوسائط المتعددة ويجمع هذا كله الجانب البرمجي، ليُتوّج العمل بتفاعل المتلقي الذي يعد الحلقة الأهم في التفاعل الإيجابي.
ويرى قريرة أن حضور التجربة الرقمية عربيا مازال محدودا في مجال الرواية التفاعلية والرقمية، لعدة أسباب أهمها عدم تمكّن المتلقي العربي من التحرّر من قيد الورقية وسلطة الملكية من طرف المبدع، كذلك عدم اقتناع الكثير من المبدعين بضرورة اقتحام المجال الرقمي وتخوّفهم من خسارة الملكية الفكرية لأعمالهم.
وأثنى على المشهد الروائي في الجزائر مؤكدا أنه “في تطوّر خصوصا مع الأقلام الشابة، ولو أن الأمر طغت عليه ثقافة الصورة والحركية المفرطة في السرد بسبب تأثر الكتاب بالبعد الرقمي الأكثر تحوّلا، لكن التشكيلات الجديدة أراها صحيّة في المشهد الروائي، ولابد من تفاعل المبدع الروائي الجديد مع واقعه الأكثر تحوّلا وتأثرا بالعالم الافتراضي، كما قدّمت دور النشر الجزائرية مساهمة مهمة في بعث نصوص وتجارب شابة، حيث سهّلت عملية النشر والتوزيع، إضافة إلى المؤسسات الثقافية والجامعة التي احتضنت التجارب الجديدة”.
ويأمل قريرة أن تحدث في المستقبل توأمة حقيقية في الوطن العربي بين كتاب الرواية خصوصا الشباب، ليتعرّف كل قطر عربي على تجارب القطر الآخر، ويعد من المبادرين إلى ذلك حيث أكّد أنه يقوم بنشر رواياته وكتبه بنسختين إحداها جزائرية توزّع داخليا والأخرى مصرية أو يمنية أو سعودية يتم توزيعها عربيا.