الثورة الثانية بعد تويتر: كلوب هاوس تحدّ سياسي من نوع جديد للعرب

مسقط – تشهد المجالس والتجمعات التقليدية العربية ثورة ثانية خلال أقل من عقد وتبتعد بسرعة عن كونها باحة اللقاءات التي تجمع الشباب والشيوخ للحديث والتسامر والبحث في الشأن العام والحوار.
فبعد أن كانت تلك المجالس ملتقيات صاخبة للجالسين الذين تستضيفهم الوجوه الاجتماعية في المجتمعات العربية، وخصوصا مجالس السمر في الخليج، جاء الهاتف الذكي ليوفر منصة للحديث بعيدا عن المجلس رغم التواجد والجلوس والتقاط بعض المحادثات.
وقال مراقب خليجي لـ”العرب” إن المجالس صمتت نسبيا غير أنها بقيت مزدحمة، ولكنْ “كل منا يجلس ليتصفح آخر تغريدات تويتر، وما يقوله الآخرون يعيد مشاركته وإرساله. تويتر كان ثورة التواصل الأولى”.
وأضاف “منذ فترة وجيزة زادت شعبية سماعة الأذن اللاسلكية وصرت لا ترى أحدا إلا وهو يضع واحدة في أذنه، ينصت ثم يتحدث. كان هناك الكثير من المفارقات، إذ صار البعض يرد على ما يقوله الآخر لينتبه إلى أنه لا يتحدث معه. هناك الكثير من الهمهمة في المجالس لكنها همهمات منفصلة، كل جالس في عالمه. إنها ثورة التواصل الثانية وأساسها منصة كلوب هاوس للدردشات الصوتية”.
وبرزت ميزة كلوب هاوس بسرعة في غرف الدردشة الصوتية واكتشف المشاركون أنهم يمكن أن يتحدثوا دون أن يتم تسجيل المحادثات وأنها أشبه بمجلس أو مضافة تقال فيها الكلمات ثم تتبدد، على عكس المنصات الاجتماعية الأخرى التي يترك المستخدم فيها “أثرا” يمكن تتبعه من التغريدات والردود والصور التي يلتقطها المتابعون لتغريداته حتى وإن عمد إلى مسحها لاحقا.
مخاوف الحكومات من الشعبية المتزايدة لمنصة كلوب هاوس لدى الجمهور تكمن في أن تسلك بقية المنصات مثل تيك توك وتويتر وسناب شات نفس الطريق وتتيح غرفا مغلقة للدردشة الصوتية
لكن إقبال الجمهور العربي على منصة كلوب هاوس بات مثار مخاوف لدى الحكومات، وهو ما عكسته خطوات أولى بحجبه في بعض الدول، وفي أخرى يتم التحريض عليه لكونه “يشكل تهديدا للأمن القومي” بحجج تتوسع لتشمل تسلل المتشددين إليه وتمرير أفكارهم من خلاله، أو الحديث في الشأن السياسي وتناول موضوعات حساسة اجتماعيا أو اقتصاديا.
وفي حين كان بوسع الدول العربية تجنيد طاقات رصد ومتابعة ورد على التغريدات في تويتر والبوستات في فيسبوك وإنستغرام، بحكم أنها قائمة على النص والصورة ويمكن لشخص واحد أن يواجه العشرات من المغردين بشكل متتابع، تجد الحكومات أن مهمة توفير ردود والدخول في حوارات والرد أكبر من قدراتها الحالية بعد أن انتشر التطبيق بسرعة وزادت شعبيته بشكل كبير.
وقال المراقب الخليجي إن رد الحكومات حاليا لا يزال مرتبكا، فهي “إما تحجب التطبيق أو تعمل على تعطيله، خصوصا في ساعات الذروة المسائية”.
ويقول مراقبون إن سر مخاوف الدول العربية من هذه المنصة هو الإقبال الشبابي الكبير عليها، بما تتيحه غرف الدردشة للمشتركين فيها من مبدأ الأمان، ما يجعلهم يتكلمون بحرية وتلقائية وينتقدون أداء السياسيين كما يعبرون عن مواقفهم من قضايا محلية أو إقليمية قد تتعارض مع مواقف الحكومات. كما تشمل النقاشات مجالات مختلفة خاصة المسائل الدينية والنصوص الفقهية التي لا تزال بعض الدول تعتمدها في تشريعاتها خصوصا ما تعلق بوضع المرأة.
ويشير المراقبون إلى أن مخاوف الحكومات من الشعبية المتزايدة لمنصة كلوب هاوس لدى الجمهور، وأغلبه من الشباب، تكمن في أن تسلك بقية المنصات مثل تيك توك وتويتر وسناب شات نفس الطريق وتتيح غرفا مغلقة للدردشة الصوتية، ما يجعل هذه المواقع تتخطّى دورها التواصلي التقليدي لتشرع في تخريج جيل شبابي لا يرضى بأي شيء ويتحول إلى قوة معارضة.
وسيكون من الصعب في هذه الحال حجب كل المنصات أو البحث عن برامج لاختراقها والتجسس على المشاركين فيها، بعد أن صارت أمرا واقعا ومصدرا أساسيا في تعاملات الناس وحصولهم على المعلومة.

وإذا كانت أغلب الدول العربية قد كسبت خبرات في مواجهة المعارضات التقليدية فإنها قد تجد صعوبة في الحد من تأثير المعارضة الجديدة التي تصنعها هذه المنصات على صورتها لدى الناس، خاصة أن أنشطتها تتم في السر والغرف المغلقة.
وكلوب هاوس هو تطبيق اجتماعي حيث يشارك المستخدمون صوتيا بدلا من المنشورات النصية أو المرئية، وهو ما يجعله أكثر قربا من المستخدمين خاصة أن بعضهم لا يتقن الكتابة بما يكفي، ولا يجد أنها تعبر عما يشعر به ويريد أن يقوله.
ويجد كلوب هاوس تفاعلا كبيرا في دول الخليج، وظهر خاصة مع حملات في الكويت ضد التحرش بالنساء في المواقع العامة من خلال حملة #لن_أسكت، وهي الحملة التي زادت في شهرته خاصة بعد أن تحولت من الافتراضي إلى الإعلام التقليدي ثم إلى المؤسسات السياسية والفضاءات الشعبية.
"العراق والخليج" غرفة على كلوب هاوس شارك فيها عراقيون وخليجيون أثارت اهتماما واسعا ونقلت البعض من نقاشاتها على مواقع التواصل الاجتماعي
وفي السعودية جذب التطبيق تفاعلا كبيرا بين الشباب لكونه يوفر مساحة حرة وآمنة، ورغم الحملات التي واجهت المستخدمين فإنهم قالوا إن هناك مبالغة في المخاوف من الموقع، معتبرين أن السعوديين المشتركين ليسوا أقل وطنية من غيرهم، وعلى العكس فهو يوفر لهم فرصة ليدافعوا عن بلادهم في مواجهة الحملات الخارجية.
وكانت الحملة المضادة لجاذبية كلوب هاوس تقوم على اتهام المشاركين فيه بالخيانة، في إشارة إلى استخدامه من قبل أنصار جماعات إسلامية متشددة، خاصة من السروريين والإخوان، والذين يسيئون لمواقف السعودية وقيادتها.
لكن مستخدمين يقولون إن هذا العنصر ليس هو المبرر الرئيسي للحملة، فهناك مخاوف من أن يكون التطبيق فضاء لنقاشات بشأن قضايا المرأة، والانفتاح على الثقافة الأجنبية، والترفيه والسياحة، وهي مسائل تعارضها قوى سعودية محافظة ولا تريد أن تجد فضاء للترويج لها وكسب جمهور لها بين السعوديين.
وكانت غرفة باسم “العراق والخليج” على كلوب هاوس شارك فيها عراقيون وخليجيون أثارت اهتماما واسعا ونقلت البعض من نقاشاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وحوّل العراقيون المعارضون لسيطرة الميليشيات وحكم الأحزاب الدينية الموالية لإيران كلوب هاوس إلى منصة لترويج أفكارهم ونشر أخبار فساد السياسيين والجهات المستفيدة منهم، فضلا عن متابعة أخبار الاعتقالات والمطاردات.
ويقول المراقبون إن توسع دائرة المنصات الحديثة يجعل من الصعب على أي حكومة أن تواجهها باللجوء إلى المنع والحجب لأن ذلك سيغذي رغبة المستخدمين في الانتقال إلى تطبيق جديد مع ما يرافقه من حملة إعلامية تتضرر منها صورة الدولة المعنية وتشجع الناس على اللحاق بالمنصات واكتشاف خدماتها والفرص التي توفرها في التعبير.
ولا يزال كلوب هاوس محدود الانتشار في دول شمال أفريقيا حيث أن نسخته المعتمدة تستخدم أجهزة أيفون، في حين أن الأجهزة القائمة على برنامج التشغيل أندرويد لا تزال تنتظر التطبيق المعتمد لها.