الثقة في مقاربة المغرب الأمنية والحلول السلمية للأزمات توطد التعاون مع الاتحاد الأفريقي

الشراكة مع الاتحاد الأفريقي تتجاوز الجوانب الاقتصادية إلى مجالات أكثر عمقا.
الأربعاء 2025/04/23
رؤية مشتركة تهدف إلى تعزيز السلم والاستقرار في القارة

عكست مباحثات مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في الاتحاد الأفريقي، بالمغرب الثقة الكبيرة التي يوليها الاتحاد للمملكة وذلك لقدرتها على بناء شراكات متوازنة تحقق المنفعة المشتركة لدول القارة ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية.

الرباط - يشكل البعد الأفريقي أحد الأسس الجوهرية في السياسة الخارجية للمغرب، وفي وقت تشهد فيه القارة الأفريقية، حاجة ملحة إلى تكثيف الجهود لمواجهة التحديات المتنامية، على رأسها الإرهاب والنزاعات المسلحة والهجرة غير النظامية. وأكد بانكولي أديوي مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في الاتحاد الأفريقي، على أهمية التعاون بين الاتحاد والمغرب في مواجهة هذه التحديات الأمنية.

وناقش أديوي خلال لقائه مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بالرباط، سبل تثمين الحكامة الرشيدة والديمقراطية في أفريقيا مع التركيز على تعزيز الشفافية والمصداقية في العمليات الانتخابية. وأشار إلى أن الاتحاد الأفريقي يسعى بالشراكة مع المغرب، إلى الرفع من قدرات الأشخاص المكلفين بمراقبة الانتخابات، بهدف ضمان نزاهتها وتعزيز الثقة في الأنظمة الديمقراطية.

وأضاف أديوي أن هذا التعاون يعكس رؤية مشتركة تهدف إلى تعزيز السلم والاستقرار في القارة، وذلك من خلال مبادرات مشتركة تستهدف معالجة النزاعات وتعزيز الحلول السلمية للأزمات.

ومن أبرز محاور التعاون بين الاتحاد الأفريقي والمغرب تنظيم دورات تكوينية لتأهيل مراقبي الانتخابات، حيث أطلقت المملكة المغربية ومفوضية الاتحاد الأفريقي الاثنين في الرباط، الدورة الرابعة لبرنامج تكوين مراقبي الانتخابات بالقارة السمراء، وشدد بوريطة على أن “طموحنا يظل قويا وثابتا، وهو تزويد القارة بكفاءات مؤهلة، قادرة على مواكبة، بدقة ومهنية، العمليات الانتخابية والانتقالات الديمقراطية في أفريقيا، مسجلا أن هؤلاء الملاحظين هم الذين سيساهمون في إرساء حكامة نموذجية وشاملة مصممة لأفريقيا من قبل مواطنيها.”

هشام معتضد: الرباط شريك موثوق قادر على توفير منصات لتحقيق الاستقرار
هشام معتضد: الرباط شريك موثوق قادر على توفير منصات لتحقيق الاستقرار

وأكد هشام معتضد، الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية، أن “تعزيز التعاون بين المغرب والاتحاد الأفريقي في الظرفية الحالية يعكس رؤية إستراتيجية عميقة للمصالح المتبادلة بين الطرفين، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتزايدة في منطقة الساحل،” خاصة أن المغرب يتمتع بعلاقات دبلوماسية قوية مع القوى الكبرى ومع الاتحاد الأفريقي؛ ما يجعل الرباط شريكا قادرا على توفير منصات موثوقة لتحقيق الاستقرار بالقارة من خلال الحكامة والشروط السياسية عبر العملية الانتخابية.

وشدد هشام معتضد في تصريح لـ”العرب”، على أن “المغرب يمتلك خبرة متقدمة في مكافحة الإرهاب والتطرف، ويمكنه أن يساهم في تعزيز قدرات الدول الأفريقية منها مالي على سبيل المثال عبر برامج التدريب وتبادل المعلومات الأمنية، لافتا إلى أن هذا المعطى قد يشكل عاملا أساسيا في تقوية الاستقرار الإقليمي، خاصة مع تصاعد نشاط الجماعات المسلحة في منطقة الساحل. لذلك، يعتقد أن هذه الشراكة ستسهم في تحصين المنطقة ككل ضد المخاطر الأمنية المتنامية.”

وركزت مباحثات بانكولي أديوي مع بوريطة، على تعزيز الحكامة الديمقراطية وتطوير آليات مراقبة الانتخابات في أفريقيا، حيث أكد المسؤول الأفريقي أن هذه الجهود تهدف إلى تعزيز ثقة المواطنين الأفارقة في العملية الديمقراطية، وهو ما يعدّ أساسياً لبناء مجتمعات مستقرة ومزدهرة.

من جهته، قال بوريطة في كلمته إن هذه الدورة “تعكس مجددا التزام المغرب بالسلم والأمن الأفريقييْن والسعي نحو تعزيز الحكامة الشاملة من خلال هذا البرنامج.”

وخلال الدورة التكوينية الرابعة التي أقيمت بالشراكة مع المغرب، تم التركيز على تطوير مهارات المراقبين لضمان إجراء انتخابات تتسم بالمصداقية والشفافية، وفي هذا السياق أعرب مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في الاتحاد الأفريقي، عن ارتياحه للتعاون المثمر مع المغرب في هذا المجال، مؤكداً أن هذه الشراكة ستسهم في بناء مستقبل ديمقراطي أكثر استقراراً للقارة.

وأبرز وزير الخارجية المغربي، أن “نجاح هذه المبادرة يقوم بالخصوص على رؤية مشتركة، تلك المتعلقة بالقارّة تأخذ بزمام مصيرها بيدها، وقادرة على إجراء عملياتها الانتخابية وفق المعايير التي تحددها بنفسها، مؤكدا أن انخراط المملكة المغربية في هذه الدورة التكوينية يندرج تماما في إطار الرؤية المتبصرة للعاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي يجعل من الاندماج الأفريقي أحد أسس التنمية المشتركة.”

وسبق للملك محمد السادس أن عبر في أكثر من مناسبة، أن أفريقيا تمتلك كل المقومات التي تجعلها قارة المستقبل بامتياز، بفضل مواردها الطبيعية الغنية، وشبابها الطموح، وموقعها الإستراتيجي الذي يجعلها محورًا رئيسيًا في النظام الاقتصادي العالمي.

الشراكة مع الاتحاد الأفريقي تكرس سياسة المغرب الرامية إلى بناء شراكات قوية تتجاوز الجوانب الاقتصادية إلى مجالات أكثر عمقا

وفي ظل التنافس الدولي المتزايد على القارة، يواصل المغرب العمل على تعزيز دوره كشريك موثوق قادر على بناء شراكات متوازنة تحقق المنفعة المشتركة لدول القارة.

ويعمل المغرب على ترسيخ مكانته كفاعل رئيسي في تعزيز الاستقرار وحل النزاعات في القارة، حيث أبرز رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف، بعد ختام الرئاسة المغربية لمجلس السلم والأمن لشهر مارس الماضي، المساهمة القيمة للمغرب في النهوض ببرنامج الاتحاد في مجالات السلم والأمن والحكامة، مجددا التأكيد على رغبته في مواصلة العمل مع المملكة من أجل أفريقيا تنعم بالسلم، مشيدا برؤية والتزام الملك محمد السادس لصالح السلم والأمن والتنمية في القارة الأفريقية والوقاية من النزاعات بالقارة.

وينظر الى التعاون بين الاتحاد الأفريقي والمغرب على أنه انعكاس للالتزام المشترك لديهما بتحقيق أهداف أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي، التي تسعى إلى بناء قارة متكاملة ومزدهرة تعتمد على الحكامة الرشيدة والسلام.

 ويبرز دور المغرب كشريك إستراتيجي في هذا المسعى حيث يساهم بخبراته وموارده في دعم المبادرات الأفريقية الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار السياسي، مستثمراً موقعه الجيوسياسي وخبرته الدبلوماسية في الدفع بمقاربات جديدة ترتكز على الحوار والتعاون الإقليمييْن.

ولفت هشام معتضد، لـ”العرب”، إلى أن الشراكة مع الاتحاد الأفريقي تكرس سياسة المغرب الرامية إلى بناء شراكات قوية تتجاوز الجوانب الاقتصادية إلى مجالات أكثر عمقا، مثل الأمن والدفاع، على اعتبار أن الحضور المغربي في المشهد الأفريقي يجعله وفياً لمبدأ تعزيز الاستقرار في القارة، سواء من خلال مساهماته في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، أو عبر دعم مسارات التسوية السياسية في بؤر التوتر، وتعزيز هذا التقارب يمنح الرباط نفوذا أكبر في إدارة الملفات الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية بالقارة، ما يعزز مكانتها كشريك موثوق وقوة إقليمية مؤثرة في ظل تزايد التوترات السياسية والأزمات الاقتصادية التي تعصف بعدد من الدول.

وأبرم المغرب مئات الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف مع دول أفريقية في مجالات إستراتيجية، مثل البنية التحتية، الطاقة، الفلاحة، والخدمات المالية، مما ساهم في تقوية التعاون الاقتصادي وتعزيز الروابط التجارية داخل القارة. كما عمل المغرب على تنظيم مؤتمرات ومنتديات برلمانية واقتصادية أفريقية تعكس الانخراط الفعلي للدبلوماسية البرلمانية مع الرؤية الإستراتيجية للمملكة، ما يعكس الإرادة في بناء فضاء للحوار وتعزيز التعاون السياسي والتشريعي بين دول القارة.

4