التونسيون يحمّلون حركة النهضة المسؤولية عن أزمات البلاد

حمّل الكثير من التونسيين حركة النهضة مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية في بلدهم فهي التي فشلت في الاستجابة إلى تطلعات الشارع منذ توليها السلطة في أعقاب ثورة يناير2011، وهو ما جعل الإجراءات الأخيرة للرئيس قيس سعيد والقاضية بإقالة رئيس الحكومة وتجميد أعمال البرلمان تحظى بدعم شعبي واسع، خاصة مع تفاقم سوء الحكم والفساد والشلل السياسي والركود الاقتصادي في البلاد.
تونس - تحت أشعة الشمس الحارقة ينفخ راضي الشويش بهدوء سيجارته جالسًا مع عدد من زبائن المقهى في وسط العاصمة تونس. لكن ما إن يعبّر عن تأييده لحركة النهضة حتى تنفجر عاصفة من الجدل السياسي. فعلى الحركة الإسلامية يصب العديد من التونسيين غضبهم.
تعلو أصوات الجالسين ويتحد الخمسة ضد صاحب المقهى الستيني الذي يتهمونه بأنه “لا يفقه ما يقول”.
يلخّص هذا المشهد كل ما يثير حفيظة أبناء هذا البلد الصغير الواقع في شمال أفريقيا منذ أن وضع الرئيس قيس سعيد كل السلطات في يده. فبعد أشهر من الصراع المفتوح مع النهضة علّق رئيس الدولة الأحد عمل البرلمان لمدة شهر وأعفى رئيس الحكومة من منصبه.
واتهمت النهضة التي شاركت في جميع الائتلافات الحكومية منذ ثورة 2011 وتحظى بأكبر تمثيل في البرلمان، الرئيس بتنفيذ “انقلاب”. لكن بعد عشر سنوات من مشاركتها في الحكم، تواجه الحركة عداء متزايدا من قبل التونسيين.
تظاهرة الاثنين تظهر فشل النهضة في حشد قاعدتها وفشلها في تشكيل قوة موازية في مواجهة الرئيس سعيد
“فاسدون” و”منافقون” و”كذابون”، بهذه العبارات وصفت الغالبية من السكان والذين التقتهم وكالة فرانس برس في البلدة القديمة بتونس العاصمة هذا الحزب الإسلامي المحافظ الذي يعتبرونه المسؤول الرئيسي عن ويلات البلاد في مواجهة أزمة ثلاثية سياسية واجتماعية وصحية.
كل هذا ينم عن سخط يشعر معه الشويش بالحزن. ويقول إنه مع تولي الرئيس كل السلطات “عدنا إلى أيام الدكتاتورية، النهضة حزب معترف به (…) حل ثانيا في انتخابات 2014 وتصدر النتائج في 2019”. وهو يرى أنه في حال وجود خلاف “يجب اللجوء إلى صناديق الاقتراع، فهي التي تقرر”.
وفي مواجهة خطر التصعيد، يعترف الرجل بأنه يشعر “بالخوف على البلد: لا أريده أن يغرق في الفوضى”.
وفي حين يعبّر المجتمع الدولي أيضًا عن قلقه من رؤية مهد الربيع العربي يتراجع عن الديمقراطية ويخشى أن يتجه نحو الاستبداد وحتى العنف، يسود الهدوء في تونس في الوقت الحالي.
وبعد جمع بضع مئات من المؤيدين أمام البرلمان الاثنين، تلعب النهضة الآن ورقة التهدئة. فالحركة تدعو إلى “حوار وطني” وتقترح تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة للخروج من الأزمة.
ويمثل هذا موقفا براغماتيا كما يصفه المحلل السياسي سليم خراط قائلا إن تظاهرة الاثنين تظهر “فشل النهضة في حشد قاعدتها” و”فشلها في تشكيل قوة موازية في مواجهة الرئيس”.
ويتابع قائلا “كانت النهضة دائما على استعداد لتقديم تنازلات لأن الحزب مهووس ببقائه، ويطارده احتمال فرض حظر جديد عليه كما حصل في ظل دكتاتورية الرئيس الراحل زين العابدين بن علي”.
وخلال عشر سنوات في السلطة، لم تنجح الحركة مطلقًا في الحصول على الأغلبية المطلقة، الأمر الذي اضطرها إلى عقد تحالفات غير عادية مع أحزاب ليبرالية في برلمان يعاني من التشرذم. وهذا يربك العديد من ناخبيها. فبين 2011 و2019، خسرت الحركة أكثر من مليون صوت.
وفي شوارع المدينة، يعبّر إسماعيل مازيغ عن إحباطه. خلال الانتخابات الديمقراطية الأولى في تونس عام 2011، أعطى عامل النسيج السابق صوته للحركة التي أبدت تمسكها بالهوية العربية الإسلامية ووعدت التونسيين بالأمن والتنمية والعدالة.
ويقول الرجل الأربعيني العاطل عن العمل منذ عشر سنوات بحسرة “لقد قطعوا الكثير والكثير من الوعود، ولكنها كانت في الحقيقة أكاذيب (…) عملوا من أجل مصالحهم الشخصية فقط، لا شيء أكثر من ذلك”.
وبعد أن كانت النهضة موحّدة حول زعيمها راشد الغنوشي، تعاني الحركة من انقسام داخلي في الوقت الحاضر مع استقالة عدد من كوادرها وتبادل أعضائها الانتقادات على الملأ.
وساءت صورة الحركة في مطلع يوليو الماضي عندما أصدر أحد قادتها عبدالكريم الهاروني، في ذروة تفشي وباء كوفيد – 19، إنذارًا للحكومة لتسريع تعويض ضحايا الدكتاتورية. وهو طلب اعتبره كثير من التونسيين في غير محله في ظل الأزمات التي تشهدها البلاد.
كما تعرضت الحركة إلى ضربة أخرى الأربعاء بالإعلان عن فتح تحقيق في الفساد يستهدفها بناء على شبهات بتلقي تمويل أجنبي لحملتها الانتخابية عام 2019.
ويُقسم توفيق بن حميدة الذي ظل مواليًا للنهضة منذ الثورة أنه لن يصوّت لها بعد اليوم. ويقول تاجر الملابس البالغ من العمر 47 عامًا، “لقد أحنوا رؤوسهم بينما الفساد منتشر في كل مكان في تونس”.