التونسيون يتوقون إلى نظام سياسي جديد يقطع مع تشتت السلطات

يدعم أغلب التونسيين فكرة تغيير النظام السياسي في البلاد إلى نظام رئاسي بعد سنوات من تشتت السلطات بين البرلمان والحكومة والرئاسة، وسط تملص من تحمّل المسؤوليات أحبط التونسيين وأفقدهم الثقة في المسؤولين.
تونس - يتطلّع التونسيون من خلال مشروع الدستور الجديد إلى دخول مرحلة جديدة عبر إرساء نظام رئاسي قوي والقطع مع نظام بصلاحيات موزعة بين الرؤساء رافق المنظومة السابقة أو ما بات يعرف بـ"العشرية السوداء" في البلاد.
ومن المنتظر أن يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في الخامس والعشرين من يوليو الجاري -وهو التاريخ الموافق لعيد الجمهورية التونسية- للمشاركة في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي نشره قيس سعيد في الجريدة الرسمية في نسخة أولى ثم في نسخة ثانية معدّلة.
وينص المشروع في بابه الرابع المخصص للسلطة التنفيذية على أن من مهام الرئيس تعيين رئيس للحكومة، ويعين أعضاؤها باقتراح من رئيسها، كما أن الحكومة مسؤولة في تصرفها أمام رئيس الجمهورية.
وتثير طبيعة النظام السياسي ومدى فاعليته في تونس بعد ثورة يناير 2011 جدلا كلما نشبت أزمة في البلاد، وهو ما يفرز صراعا محتدما بين مؤسسات الدولة. وظهرت معارك الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث (البرلمان والحكومة والجمهورية)، ما دفع الكثير من الأحزاب إلى التفكير في طرح مبادرات تشريعية تستهدف تعديل النظام السياسي لتمكين جهاز واحد من حكم البلاد ومن ثمة تتم محاسبته وتحميله مسؤوليات الحكم، لعلّ أهمها النظام الرئاسي.
ويرى مراقبون أن النظام الرئاسي سيعمل على سدّ الثغرات السياسية السابقة وتفاديها، خصوصا وأن الدستور السابق (دستور 2014) كرس عملية اقتسام السلط الثلاث وأفرز مشهدا منقسما تغذيه الخلافات والتجاذبات.
وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي بأن "الشعب التونسي في القرن العشرين وفي دولة الاستقلال كان له الزعيم الحبيب بورقيبة (أب كل التونسيين)، وعاش تلك الفترة من الدولة الوطنية (الأب الرئيس)، وتكونت لديه ثقافة السلطة التي يجب أن تكون عند شخص واحد، ودائما يميل إلى السلطة الأبوية".
وقال لـ"العرب"، "هناك نوع من اختلال التوازن السوسيولوجي عند الانتخاب غير المباشر للمنصف المرزوقي رئيسا للبلاد بعد 2011، وهو ما أربك الثقافة السياسية للتونسيين، وأصبحت هناك ثلاث سلطات (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان)، وهي مصطلحات غريبة عن الشعب التونسي، إلى أن جاء الباجي قائد السبسي وتقلد منصب رئيس الجمهورية في انتخابات 2014 ولعب دور الأب لكن بصلاحيات محدودة ومقيّدة".
وتابع الرابحي “النظام الرئاسي هو النظام الأقرب إلى شخصية المواطن التونسي، وهو نظام يعطي إمكانية المحاسبة من خلال وجود مسؤول واحد، بينما في نظام الصلاحيات الموزعة الكل يحكم، ورأينا كيف أن رئيس البرلمان يتدخل في السياسة الخارجية، ورئيس الحكومة محكوم بحزام سياسي موال للأحزاب".
واستطرد "نحتاج إلى نظام رئاسي اليوم في تونس، وهناك سلطة سياسية واضحة يمكن محاسبتها". وقال الناشط السياسي حاتم المليكي في تصريح لـ”العرب”، "الأسلم بالنسبة إلى تونس هو النظام الرئاسي الديمقراطي؛ لأنه ذو فاعلية ويوحّد القيادة، وهو نظام يمكن أن ينجح لأنه النموذج الأقرب إلى التونسيين".
وأضاف "إن أعادت تونس التجربة السياسية السابقة (النظام شبه البرلماني وتوزيع السلط) فستكون تجربة فاشلة وأسوأ من السابق"، لافتا إلى أن "النظام الرئاسي إذا توفرت فيه الشروط الديمقراطية ومراقبة السلطة التنفيذية، يمكن أن يؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرارالسياسي".
ومنح الدستور التونسي الصادر في الأول من يونيو 1959 صلاحيات كبيرة لرئيس الجمهورية، على حساب البرلمان والحكومة، ووصفه خبراء القانون الدستوري في تونس بأنه يشرع للنظام الرئاسي، لكن تقررت بعد الإطاحة بحكم زين العابدين بن علي في يناير 2011 صياغة دستور جديد.
ودفعت النخب التونسية طوال سنوات بعد ثورة 2011 نحو اعتماد النظام البرلماني الذي يتيح تعيين رئيسيْ الجمهورية والحكومة وعزلهما من قبل البرلمان، ويجعل من رئيس الحكومة صاحب الصلاحيات الأوسع في السلطة التنفيذية، لكن الصيغة النهائية للدستور السابق اعتمدت “النظام البرلماني المعدّل” الذي أعطى صلاحيات كبيرة جداً للبرلمان ولرئيس الحكومة، الذي يعيّن من قبل الغالبية البرلمانية، ويمكنها أن تعزله، إلا أن الدستور نفسه قرّر انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب في انتخابات عامة، وأعطاه صلاحيات واسعة في الإشراف على قطاعات الأمن والدفاع والسياسة الخارجية وتعيين وزرائها وكبار مسؤوليها.
المشروع في بابه الرابع المخصص للسلطة التنفيذية ينص على أن من مهام الرئيس تعيين رئيس للحكومة ويعين أعضاؤها باقتراح من رئيسها، كما أن الحكومة مسؤولة في تصرفها أمام رئيس الجمهورية
وأكّد المحلل السياسي المنذر ثابت "كنت أفضّل نظاما رئاسيا على الشاكلة الأميركية، لكن المشكلة في تونس طرحت في سياق أزمة المنظومة الحزبية التي مرت بأطوار أهمها ما قبل الاستقلال والتعددية الحزبية وما بعد الاستقلال وتشكيل الحزب الواحد المهيمن واحتكار السلطة، ثم سياسة الانفتاح في 1981 ومنح التأشيرات لبعض الأحزاب".
وقال لـ"العرب"، "هناك فوضى سياسية بعد 14 يناير 2011، تداخلت فيها معطيات الداخل واستراتيجيات الخارج وأذرع لقوى أجنبية، فكانت النتيجة كارثية وأفرزت حالة من الخوف وارتفاع نسبة الفقر والتداين".
وتابع “الآن نتجه نحو سلطة تنفيذية قوية، وهي مركز الدولة والنظام، ونمر إلى شكل بونابارتي للحكم، وهذا ضروري لبناء وحدة الدولة وإنجاز الإصلاحات الهيكلية بطريقة سريعة وعميقة، لكن مخاطر الحكم الاستبدادي كامنة في هذا النص".
وشدّد ثابت قائلا "أدعم فكرة اعتماد النظام الرئاسي منذ سنة 2007، وهذا النظام هو الأقرب والأنسب إلى الجمهوريات العربية لازدهارها واستقرارها، كما أن المواطن العربي يريد أن يرى السلطة مجسّدة ومجسمة في شخص واحد بالدستور والمؤسسات".
اقرأ أيضا: