التونسيون يبكون رئيسهم ويفخرون بانتقال سلس للسلطة

الباجي قائد السبسي ترك وراءه إرثا سياسيا كبيرا هو من أهم ايجابيات مسيرته السياسية.
السبت 2019/07/27
مواطنون يؤدون التحية العسكرية أثناء مرور جثمان الرئيس الراحل قائد السبسي

تستعد تونس -التي فقدت رئيسها الباجي قائد السبسي الخميس وتجنبت شغورا في السلطة- لتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة خلال أقل من شهرين، ما يشكل تحديا وسط مناخ سياسي مشحون، يتطلع إلى ما سينتهي إليه التونسيون، كما دول العالم، بمختلف توجهاتها وعلاقاتها ومصالحها مع تونس، التي تتفرد بتجربتها مع الربيع العربي وعملية الانتقال الديمقراطي التي كان للرئيس الراحل دور رئيسي في ترسيخها.

تونس - من طارق عمارة - تجمع الجمعة المئات من التونسيين أمام المستشفى العسكري بالعاصمة تونس تعبيرا عن حزنهم على وفاة رئيسهم الباجي قائد السبسي الذي توفي الخميس بالمستشفى ونقل جثمانه إلى القصر الرئاسي بضاحية قرطاج قبل جنازة وطنية اليوم السبت.

أمام المستشفى العسكري وقفت نساء ورجال وأطفال تحت شمس حارقة على حافة الطريق منتظرين نقل جثمان الرئيس إلى قصر قرطاج وكانوا يرفعون أعلام تونس وصور الرئيس الراحل. وبدت البلاد التي تعتبر مهد الربيع العربي في حالة حزن عام وهي تبكي أول رئيس لها انتخب في اقتراع عام وديمقراطي ومباشر عام 2014.

وقالت امرأة تدعى سلمى الحبيبي وهي ترفع علم تونس “اليوم فقدنا أبا لكل التونسيين… كان مميزا وكان يريد دائما إعلاء قيمة المرأة التونسية”. وأضافت “اليوم كسبنا دولة ديمقراطية فعليا بنقل رائع وهادئ للسلطة.. لا دبابات في الشوارع ولا حظر للتجوال ولا بيانات للجيش”.

وبعد بضع ساعات من وفاة قائد السبسي الخميس أدى رئيس البرلمان محمد الناصر اليمين ليصبح رئيسا مؤقتا للبلاد في انتقال سلس للسلطة في مهد انتفاضات الربيع العربي. وبعد ذلك بقليل قالت الهيئة المستقلة للانتخابات إن الانتخابات الرئاسية ستجري في 15 سبتمبر بعد أن كانت مقررة في 17 نوفمبر.

وينص الدستور على إجراء الانتخابات خلال فترة أقصاها ثلاثة أشهر منذ إعلان الشغور النهائي لمنصب الرئيس وتعيين رئيس مؤقت. وستكون الانتخابات المقبلة ثالث انتخابات رئاسية تجرى منذ انتفاضة عام 2011.

ورغم أن الانتقال الديمقراطي في تونس حظي بإشادة باعتباره قصة النجاح الوحيدة في بلدان الربيع العربي يشعر الكثير من التونسيين بالضيق بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وتدني الخدمات العامة.

التقدم السياسي النسبي لم يصاحبه تقدم اقتصادي. وتبلغ نسبة البطالة نحو 15 في المئة، ارتفاعا من 12 في المئة في 2010، بسبب النمو الضعيف وتراجع الاستثمار. كما بلغت معدلات التضخم مستويات قياسية.

وأمام المستشفى وقفت تشكيلة من حرس الرئاسة وضباط من الجيش بينما نقل جثمان قائد السبسي على متن عربة عسكرية كان يتبعها موكب كبير من السيارات الرئاسية.

وعلى مقربة من قصر الرئاسة بضاحية قرطاج تجمع أيضا عدد من المواطنين لإلقاء نظرة الوداع على جثمان الرئيس الراحل. ورددوا النشيد الوطني بعد مرور جثمان الرئيس. وكانت طائرات تحلق فوق المكان.

وقال شاب يدعى نبيل “نأمل أن تبقى تونس واقفة مثلما كان يريد ذلك الباجي قائد السبسي”. وأضاف “سنفتقدك يا بجبوج”، في إشارة إلى الاسم الذي يطلقه التونسيون على رئيسهم تحببا.

تقول سلمى الحبيبي وهي ترفع علم تونس "اليوم فقدنا أبا لكل التونسيين… كان مميزا وكان يريد دائما إعلاء قيمة المرأة التونسية"

ورغم الخلافات والتجاذبات السياسية المخيمة على المشهد التونسي، إلا أن وفاة رئيس البلاد الباجي قائد السبسي وحّدت الصفوف وحشدتها من أجل تحقيق هدف واحد، ممثلاً في استمرارية الدولة وسلاسة انتقال الحكم فيها.

وقال منصف المرزوقي الرئيس السابق وأحد أشد خصوم قائد السبسي “أنا حزين لفقدان الرئيس الباجي قائد السبسي وهو خصم رئيسي منذ وقت طويل… لكن أشعر أيضا بالاعتزاز والفخر بهذا الانتقال السلس”. وأضاف “نحن في تونس من حسن الحظ أننا في مسار انتقال متقدم وننتقل من دولة للأقليات الفاسدة إلى دولة القانون”.

واعتبر المحلل السياسي التونسي هشام الحاجي أنّ من أبرز استنتاجات المشهد السياسي في تونس ما بعد وفاة قائد السبسي سلاسة عملية انتقال السلطة، وهي دليل على فاعلية مؤسسات الدّولة واحترام تلك المؤسسات. وهو ما يراه أيضا المحلل السياسي التونسي الحبيب بوعجيلة، الذي وصف طريقة انتقال السلطة إلى رئيس مجلس النواب (البرلمان) محمد الناصر بـ”السلسة”.

واعتبر الحاجي أنّ الباجي قائد السبسي ترك وراءه إرثا سياسيا كبيرا هو من أهم ايجابيات مسيرته السياسية. وتابع “من أبرز ملامح هذا الإرث نضاله من أجل الاستقلال وقيام الجمهورية ومن أجل الديمقراطية، ورفضه الإقصاء وسعيه بكل جهده إلى التوافق في مرحلة حساسة”.

وأضاف “اليوم هذا هو المطلوب بالنسبة للطبقة السياسية التي يجب أن تضعه نصب أعينها، وما نرجوه هو ألا يتحول قائد السبسي إلى ما يشبه قميص عثمان وندخل به معارك انتخابية وسياسية، هو أكبر منها”.

وحذر الحاجي من محاولة استخدام اسم قائد السبسي في حملات انتخابية ومعارك رمزية، مشيرا إلى أنّ الرئيس التونسي الراحل حافظ على قيم التوافق ومفهوم الدولة الوطنية وقيم الجمهورية.

من جانبه، اعتبر بوعجيلة أن إجراء انتخابات رئاسيّة قبل التشريعية، سيؤثر في ملامح المشهد السياسي لاحقا. وأضح أن «ما ستفرزه الانتخابات التشريعية من نتائج، كانت ستعطي لمحة هامة قبل خوض غمار الرّئاسيات، وكانت ستمكن الأحزاب المشاركة فيها من معرفَة حجمها ومدى قوتها، كما ستحدد أيضا من خلالها بوصلتها».

ولدى تقييمه لمسيرة الرئيس التونسي الراحل، أكد بوعجيلة أن «الباجي قائد السبسي عمل وفق قاعدة حماية سلاسة الانتقال الديمقراطي ولم يلتجئ لقرارات تنطوي على تعطيل للمسار الانتخابي». واعتبر أنّ الرئيس الراحل كان مخلصا للمسار السياسي وللديمقراطية .

Thumbnail
7