التلفزيون وجهة رئيسية للجمهور والمعلنين في مصر

على الرغم من التصاعد المستمر في دور المنصات الرقمية التي أخذت في التنوع والانتشار مؤخرا، لكنها لم تتمكن من توجيه سوق الإعلانات في موسم رمضان الحالي لصالحها بعد أن استأثرت الفضائيات المصرية بالجزء الأكبر من حصيلتها الإعلانية وفرضت زيادات جديدة في أسعارها هذا العام، مستفيدة من تراجع قيمة الجنيه واستمرار انجذاب الجمهور إلى التلفزيون.
القاهرة - أشارت إحصائية أجرتها شركة “إبسلون” للأبحاث التسويقية نشرتها مع أول أيام شهر رمضان في مصر إلى أن 85 في المئة من الجمهور المصري يشاهد الأعمال الدرامية عبر شاشات التلفزيون، بينما يفضل 15 في المئة فقط متابعتها من خلال التطبيقات والمواقع الإلكترونية والمنصات.
وأظهر الإحصاء أن 71 في المئة من الجمهور يتابعون الأعمال التي يحددون رغبتهم في مشاهدتها على الشاشة في رمضان، و9 في المئة يشاهدون ما يُعرض أمامهم.
وتعكس هذه الأرقام قيمة المواد الإعلانية المعروضة على التلفزيون، حيث وصل سعر الإعلان الذي تصل مدته 10 ثوان ضمن “باقة مدفع رمضان” التي تحددها الفضائيات المصرية المملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية إلى ثلاثة ملايين جنيه (100 ألف دولار) على مدار الشهر، بعد أن كانت قيمتها العام الماضي مليونا و250 ألف جنيه (41 ألف دولار)، وفقًا لتقديرات جهات إعلانية.
ويتصدر مسلسلا “الكبير أوي” و”الكتيبة 101″ قائمة المسلسلات الأعلى سعراً للإعلانات، ووصل سعر الإعلان ومدته 30 ثانية فيهما إلى 750 ألف جنيه مصري (25 ألف دولار)، وبعدهما مسلسل “ضرب نار” بقيمة 500 ألف جنيه مصري (16 ألف دولار) لـ30 ثانية، وهي أرقام تضاهي تقريبًا أسعار الإعلانات العام الماضي.
وشكك الخبير في الإعلام الرقمي خالد البرماوي في دقة الإحصاءات التي تصدر عن شركات الاستشارات التسويقية وتعتمد على المكالمات الهاتفية للتعرف على اتجاهات الجمهور دون وجود أساليب قياس متطورة، فالمنصات تجذب جمهورا يفوق نسبة 15 في المئة التي أعلنها الإحصاء الأخير.
وذكر لـ”العرب” أن متوسط أعمار المصريين من الشباب عند سن 24 سنة وهؤلاء فئة كبيرة تتابع المنصات الرقمية يصل إلى 60 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 105 مليون نسمة، علاوة على 30 في المئة وصلوا إلى سن الثلاثين عاماً.
وأوضح أن المشاهد المصري في مرحلة انتقالية يتجه فيها إلى مشاهدة التلفزيون والمنصات معًا، ورغبات المعلنين في الاتجاه نحو التلفزيون في موسم رمضان تحسم المنافسة لصالح الفضائيات التي تجذب الملايين من المشاهدين.
ولم تختلف طبيعة عروض الإعلانات على الفضائيات المصرية هذا العام في الوقت الذي توقّع فيه البعض أن تتراجع الفقرات الإعلانية مع تحقيق المنصّات نجاحات مهمة بعيداً عن موسم رمضان، إلى جانب وضعية الشركات المعلنة نفسها التي تأثرت سلبا بتراجع قيمة الجنيه وعدم استقرار الوضع الاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية.
ويتفق خبراء الإعلام على أن طبيعة المنافسة الإعلانية بين الفضائيات المصرية والعربية تشير إلى أن التلفزيون يحظى بثقة المعلنين في كونه الوسيلة الأكثر تأثيراً في الجمهور في موسم رمضان الذي يحافظ على رونقه ويسير سوق الدراما وفقًا لمقتضيات ترتبط بطبيعة المشاهدة فيه وتقديم مسلسلات تمتد حلقاتها طوال أيام الشهر.
ولا تتجاوز حصيلة الإعلانات السنوية للفضائيات حاجز الثلاثة مليارات جنيه (100 مليون دولار) تحصد الفضائيات التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية الجزء الأكبر منها، بالتقاسم مع قنوات “أم بي سي”، وتحاول القنوات الحكومية التابعة للهيئة الوطنية للإعلام بمصر وتضم قنوات التلفزيون المصري الرسمي وقنوات أخرى مملوكة لبعض رجال الأعمال المصريين الحصول على الجزء المتبقي ولا يتجاوز 500 مليون جنيه (16 مليون دولار) وفقًا لإحصاءات العام الماضي.
وقال رئيس جمعية حماية المشاهدين حسن علي إن التلفزيون يستفيد من محدودية امتلاك الإنترنت عالي الجودة في مصر، وتفاوت الشبكات بين الريف والحضر مع وجود بعض القرى والمناطق الحدودية غير المغطاة بشبكات الإنترنت والهواتف المحمولة، ما يؤثر على سرعة انتشار المنصات التي لديها جمهور أكبر في المدن، وتخضع للقدرات الشرائية والأوضاع الاقتصادية للمواطنين، وهو ما يجعل التلفزيون نافذة رئيسية للجمهور والمعلنين.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن التحول إلى أسلوب “الباقات” الذي يضمن إعادة الإعلان أكثر من مرة كان ضمن أدوات الصراع بين الفضائيات والتلفزيون الحكومي المصري للهيمنة على كعكة الإعلانات ساهم في أن يظل التلفزيون قادرا على جذب المعلنين رغم ارتفاع الأسعار، كما أن عدم وجود قوانين تنظم الإعلان في التلفزيون شجع على تقديم عروض أو ما يوصف بسلوك “ضرب السوق” لجذب المعلنين.
طبيعة المنافسة الإعلانية بين الفضائيات المصرية والعربية تشير إلى أن التلفزيون يحظى بثقة المعلنين
وتسببت حدة المنافسة بين الفضائيات في وجود فجوات كبيرة في أسعار الإعلانات بين الفضائيات الكبيرة التي تستحوذ على المعدلات الأكبر لنسب المشاهدة وبين فضائيات أخرى صغيرة ليكون المعلن أمام خيارات عدة إما الاعتماد على إستراتيجية عرض الإعلان عدد مرات أقل في فضائيات لها نسب مشاهدة مرتفعة أو الاتجاه لزيادة مرات البث مع دفع قيمة مالية أقل في الفضائيات الصغيرة، ما يساهم في استمرار جذب المعلنين بما يسمح بتوجيه القيمة التسويقية للشركات لصالح التلفزيون.
وكشفت إحصائية “إبسلون” أن فضائية “أون.تي.في” تستحوذ على معدلات المشاهدة الأكبر بنسبة 26 في المئة، تليها فضائية “دي.إم.سي” بنسبة 20 في المئة، و”إم.بي.سي مصر” بنسبة 17 في المئة، و”إم.بي.سي” بنسبة 13 في المئة، و”دي.إم.سي – دراما” بنسبة 11 في المئة، و”سي.بي.سي” بنسبة 3 في المئة، و”النهار” بنسبة 2 في المئة و”أون دراما” بنسبة 2 في المئة، و”النهار دراما” بنسبة 1 في المئة، وسلسلة قنوات “الحياة” بنسبة 1 في المئة، و”إم بي سي – دراما” بنسبة 1 في المئة.
وأشار حسن علي لـ”العرب” إلى أن فاتورة الإعلانات في التلفزيون مكلفة مقارنة بالإعلانات على المنصات الرقمية، وأن الفضائيات تحاول تعويض خسائرها المستمرة على مدار العام عبر حصيلة إعلانات موسم رمضان، وبالتالي فإن البعض منها يبالغ في الأسعار ما يجعل الفرصة أكبر لدى المنصات مستقبلاً حال استمرت الأوضاع كما هي عليه الآن، شريطة تغيير اتجاهات الجمهور.
ويتيح الاعتماد على الإنترنت الهوائي وتحسين جودته الاتجاه إلى المنصات الرقمية التي تمر بعملية بناء قاعدتها الجماهيرية وقد تستغرق سنوات لكنها في النهاية سوف تصبح قادرة على أن تصل إلى شريحة كبيرة من الجمهور مع ضرورة أن يصاحب ذلك تخطيط تسويقي في أماكن بعيدة عن المدن، وحال اتخذت إجراءات صارمة ضد القرصنة التي تتيح عرض الأعمال بلا فواصل إعلانية ومجاناً.
وتحقق إعلانات المنصات الرقمية مكاسب للمعلنين، وتتيح إمكانية تحديد الجمهور المستهدف وعدم الوقوع في فخ الدعاية السلبية التي تسبّبها إعلانات تسوق لمنتجعات أو سلع فاخرة تحظى بانتقادات كبيرة، إلى جانب أن قيمة الإعلانات الرقمية مازالت منخفضة مقارنة بالتلفزيون، وهو أمر بدأت شركات الدعاية والإعلان الاتجاه إليه لاستكشاف إمكانية توجيه قدر كبير من الحصيلة إلى المنصات الشهيرة.