التقصير الحكومي في مصر يطل برأسه عبر حوادث الطرقات

القاهرة- لا يكاد يمر يوم في مصر دون تناقل خبر عن ضحايا الحوادث في مصر، آخرها مصرع طفلين شقيقين دهساً أسفل عجلات القطار أثناء محاولتهما عبور شريط السكة الحديد الاثنين، فيما ترتفع الأصوات منادية بضرورة بحث الأسباب وإيجاد الحلول وليس الاكتفاء بالحديث عن تحسين شبكة النقل.
وأكد رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي صحة توجهات السلطة نحو تطوير شبكة الطرقات، وبرهن على ذلك بوصوله إلى محافظة المنيا (جنوب القاهرة) في مدة زمنية لم تتجاوز ساعتين في حين أن وقت الوصول إلى المدينة ذاتها كان يستغرق خمس ساعات قبل تدشين شبكة الطرقات.
ورغم ما تحمله هذه الإشارة من إيجابية فإنها تتغافل عما يعتبره معارضون زيادة في معدل حوادث الطرقات التي تصاعدت على طرقات مختلفة قبل أيام، وطرحوا العديد من الأسئلة حول أسباب الزيادة المرتفعة للحوادث، على الرغم من تحديث الطرقات الرئيسية.
وقال مدبولي السبت إن شبكة الطرقات الجديدة والمحاور المتطورة يمكن أن ترد على أي تساؤلات حول أسباب إنشائها، حيث توسع الفرص للاستثمار وجذب المشروعات.
وجاءت تصريحات رئيس الحكومة في وقت انشغل فيه الرأي العام بحادث انقلاب حافلة كانت تقل عشرات الطلاب بطريق الجلالة – السخنة (شرق القاهرة)، وهو أحد الطرقات الحديثة، ما تسبب في مصرع 12 طالبا وإصابة 36 آخرين كانوا في طريق العودة إلى مقر سكنهم المؤقت، وأثار الحادث سخطا شعبيا، واحتجاجات نظمها طلاب الجامعة اعتراضا على عدم تأهيل الطرقات بالمرافق الكاملة وعدم وجود وسائل مواصلات متطورة تنقلهم من القاهرة إلى مقر الجامعة أو العكس.
وتوالت حوادث الطرقات أخيرا على نحو متزايد، ولم يعد يمر يوم دون الإعلان عن حادث هنا أو هناك، على طرقات غير رئيسية، وكان الحادث الأبرز على الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية (شمال القاهرة)، وهو أحد الطرقات الحديثة وأسفر عن إصابة 20 شخصا، وآخر على طريق الإسماعيلية السويس الصحراوي (شرق القاهرة) إثر تصادم أتوبيس يقل عمالا مع سيارة وتسبب في مصرع وإصابة 10 أشخاص.
وتشير إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) إلى ارتفاع ملحوظ في عدد حوادث الطرقات، حيث بلغ عدد الإصابات 71016 إصابة عام 2023 مقابل 55991 إصابة عام 2022، بنسبة ارتفاع بلغت 27 في المئة، وسجل عدد الوفيات انخفاضا في المدة ذاتها، حيث بلغ 5861 متوفيا، مقابـل 7762 متوفيا عام 2022، بنسبة انخفاض تقدر بـ24.5 في المئة.
وسجلت مصر 33851 حالة وفاة خلال الفترة الممتدة من 2019 إلى 2023، ومن ناحية الإصابات شهدت مصر 315.2 ألف إصابة خلال نفس الفترة.
ويتم إلقاء اللوم دائما على العنصر البشري، وهو ما يراه البعض تقصيرا من الحكومة ذاتها التي لا تنفذ رقابة محكمة على الطرقات الحديثة التي دشنتها لضمان عدم وقوع حوادث عليها، وفي ظل اتهامات بأنها تهدف إلى الحصول على عوائد المخالفات دون أن تبدي اهتماما بحالة السائقين وظروف العمل الخاصة بهم، مع اتهامها بالتقصير في تطبيق القانون على المخالفين وعدم توافر الخدمات اللازمة على بعض الطرقات.
مصطفى مدبولي: شبكة الطرقات الجديدة والمحاور المتطورة يمكن أن ترد على أي تساؤلات حول أسباب إنشائها، حيث توسع الفرص للاستثمار وجذب المشروعات
ويقول محمد إسماعيل، وهو سائق إحدى حافلات النقل بين المحافظات المصرية، إن “الكثير من زملائه يلجأون إلى تعاطي المواد المخدرة بسبب طبيعة العمل الشاقة التي تتطلب أن يستمر السائق في القيادة لأكثر من 15 ساعة يوميا، وغالبا لا تتوفر أماكن راحة للسائقين أثناء الرحلات، ما يجعل هناك حاجة إلى المنبهات القوية عبر مخدر”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “إهمال الجهات الحكومية والشركات الخاصة التي يعمل لديها السائقون يقود إلى التحايل على كشف المخدرات الذي يجري بين حين وآخر، وأصبح بلا جدوى حاليا، لأن البعض يتغلب على كشوفاته عبر أدوية لإخفاء تأثير المخدر، مع وجود أوجه فساد أثناء إتمام عملية الكشف، وهناك شبكات توفر للسائقين الحماية كي تكون لديهم القدرة على العمل ساعات طويلة”.
وأشار إلى أن مطالب سائقي الحافلات تعددت لضرورة توفير أماكن كافية على الطرقات كي يتمكنوا من الراحة، حال كان وضعهم لا يسمح بالقيادة، مع توفير سائقين احتياطيين يمكن أن يساعدوا القائد الرئيسي للرحلة، وطالب البعض بتوفير شركات النقل لبدائل آمنة للمخدرات، وأهمية تقديم برامج تأهيل لمن يعانون الإدمان، لكن كل ذلك لا يتحقق فعليا، ما يهدد باستمرار الحوادث على نفس الوتيرة، وإن جرى تطوير الطرقات لأنها تشجع السائقين على الإسراع، عكس الطرقات غير الممهدة.
ويظل تعامل الحكومة المصرية مع منظومة النقل قاصراً، لأنه لا يتضمن تطوير الطرقات التي حدث بها تطور، ويتم ترجمته كمؤشر جودة الطرقات بعد أن وصلت مصر إلى المركز الـ18 عالميا حاليا بعد أن كانت في المركز 118 عام 2015، لكن التطوير لم يطل عناصر المنظومة الأخرى، مثل تطوير السائقين وتثقيفهم والرقابة السليمة، ما جعل معدلات الحوادث المرتفعة مستمرة دون تراجع.
ويبلغ إجمالي الطرقات المستهدف تنفيذها ضمن المشروع القومى للطرقات 7000 كم، تم تنفيذ 6300 كم منها بكلفة 155 مليار جنيه (الدولار= 48 جنيها)، ما سيؤدي إلى زيادة أطوال الطرقات الرئيسية بنسبة 29.8 في المئة، لتبلغ 30.5 ألف كم بنهاية عام 2024، مقابل 23.5 ألف كم عام 2014، كما تم تطوير ورفع كفاءة 8400 كم من الطرقات بكلفة 110 مليارات جنيه من إجمالي 10000 كم مستهدف تطويرها.
وقال رئيس الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرقات سامي مختار إن “الطرقات الحديثة جرى إنشاؤها وتطويرها بشكل جيد، لكن تبقى هناك مشكلات تتعلق بضعف الوعي حيال الالتزام بإجراءات السلامة، على مستوى السائقين والركاب والمشاة، ويتسبب ذلك في 80 في المئة من الحوادث. والتعامل مع هذه المشكلات مسؤولية الحكومة والمجتمع المدني والجهات التربوية”.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “بعض الحوادث ترجع إلى مشكلات بيئية لا تتعامل معها الحكومة بالشكل الإيجابي، مثل حرق قش الأرز في الأراضي قرب الطرقات الزراعية، فتؤدي إلى شبورة تحجب الرؤية، وضعف استجابة الإسعاف في بعض الحالات، إذ أن المقياس لوصول سيارات الإسعاف خلال ثماني دقائق وهي فترة طويلة في عمر شخص مصاب، ما يساهم في زيادة حالات الوفاة”.
ويطل تقصير الحكومة من خلال ترك عدد من الطرقات الحديثة دون إنارة، وبعض المشروعات لا تستخدم الطاقة الشمسية بشكل صحيح، ما يجعل العديد من الطرقات مضاءة نهارا ومعتمة ليلا، وغياب الردع المتمثل في عدم تطبيق قوانين المرور بشكل متساو بين جميع المواطنين، وهناك إدراك من جانب البعض بأنه يمكنه الإفلات من العقوبة بسبب انتشار الفساد، كذلك عدم توفير طرق خدمة مخصصة لسيارات النقل الثقيل، والتي تتسبب في الجزء الأكبر من الطرقات، ما يقود إلى ارتفاع معدلات الحوادث نتيجة التصادم بين الحافلات الكبيرة والسيارات الملاكي.
وأكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة مصر – اليابان سعيد صادق أن “الحكومة انغمست في تطوير الحجر على حساب البشر، ما يجعل تطور الطرقات لا يتناسب مع معدلات الحوادث الحالية، كما أن التركيز على تجاوز السرعة وتحصيل الغرامات دون التأكد من أهلية السائقين يقود إلى زيادة معدلات الحوادث، ولا توجد ضوابط حاسمة للمشاة، رغم أن الكثير من الحوادث قد تكون بسببهم ويتحمل السائق المسؤولية كاملة”.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن “تدخل الواسطة في التعامل مع محاضر المرور يجعل هناك قناعة بأن هناك وسائل للإفلات من العقاب. وضعف التركيز على الأمن المجتمعي بوجه عام يعد أحد العوامل المساعدة على استمرار الحوادث بمعدلات مرتفعة، ما يساعد على انتهاك القواعد المرورية وتجاهل تطبيقها وتبقى النتيجة فوضى ورعونة وحوادث قاتلة”.