التقارب الروسي التركي يترجم إلى تبادل أدوار بينهما في الشمال السوري

شكلت الضغوط الدولية المتصاعدة على كل من روسيا وتركيا عاملا قويا لتعزيز التقارب بين الجانبين، والذي بدأ يترجم في أكثر من ساحة ومنها الساحة السورية حيث يشهد شمال البلاد اليوم ما يشبه عملية توزيع أدوار بين الثنائي.
موسكو – فرضت التحديات الدولية المزيد من التقارب بين روسيا وتركيا، وهو ما سينعكس بالضرورة على تعاونهما في العديد من الملفات لاسيما في الشمال السوري.
ويقول محللون إن الضغوط الدولية المرجح أن تتصاعد ضد كلتيهما في الفترة المقبلة تساهم بشكل ما في تعزيز التعاون بين روسيا وتركيا، ويشير المحللون إلى أنّ كل من أنقرة وموسكو تبحث عن متنفس لدى الأخرى.
وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء أن التعاون العسكري بين موسكو وأنقرة سيتواصل رغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في وقت سابق هذا الشهر على تركيا على خلفية شرائها منظومة دفاع صاروخية روسية الصنع.
جاء ذلك في أعقاب محادثات مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في موسكو حيث قال لافروف لقد “أكدنا عزمنا المشترك على تطوير تعاوننا الفني والعسكري”. وأضاف الوزير الروسي أن الرئيس فلاديمير بوتين يقدر عزم تركيا على “مواصلة التعاون في هذا المجال رغم الضغوط غير الشرعية لواشنطن”.
وأردف “دولنا لها مصالح وطنية، ندافع عنها ومستعدون للتعاون على أساس المنفعة المتبادلة، نحاول الوصول إلى توافق في الآراء، هذا هو أقوى أساس يمكن أن تقوم عليه علاقات مستدامة ومستقرة بين البلدين وشعبيهما”.
وأضاف أن “واشنطن تمارس ضغوطا شديدة على أنقرة بطرق غير مشروعة، ورغم ذلك لم تتراجع تركيا، وهذا مثير للإعجاب”. وأعلنت الولايات المتحدة في منتصف ديسمبر فرض عقوبات على تركيا وذلك بسبب شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية “أس-400”.
قسد تسعى إلى اتفاق مع موسكو بشأن انتشار قوات روسية وسورية في مداخل ومخارج عين عيسى على غرار نموذج منبج
وحظرت واشنطن منح أي تصاريح تصدير أسلحة للإدارة الحكومية التركية لشراء الأسلحة ومنع رئيس هذه الإدارة ومسؤولين آخرين من دخول الأراضي الأميركية.
وكان الاتحاد الأوروبي سبق الخطوة الأميركية بفرض عقوبات على تركيا في علاقة بتجاوزاتها في شرق المتوسط، وسط ترجيحات بإمكانية أن تشتد العصا الأوروبية في ظل غياب بوادر عن تغيير أنقرة لسياساتها.
ولا يُنظر إلى التقارب الروسي التركي في السنوات الأخيرة بعين الرضا في الغرب، الذي يرى دولة عضوا في حلف شمال الأطلسي تتزود بالسلاح من خصم جيوسياسي رئيسي.
وأكد وزير الخارجية التركي خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره الروسي على أن العقوبات الأميركية المفروضة على شخصيات بارزة في مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية، تعتبر اعتداءً على الحقوق السيادية لبلاده.
وشدد على أن تركيا ضد العقوبات بغض النظر عن الطرف الذي فرضها أو الجهة التي فرضت عليها، وأن المشاكل لا يمكن حلها عن طريق العقوبات.
وأوضح “تعاوننا مع الجانب الروسي يؤتي ثماره في قرة باغ والملف الليبي وشرقي المتوسط، وفي ما يتعلق بقرة باغ، نرى أنه تم تطبيق وقف إطلاق النار، ونأمل في إنشاء المركز المشترك لمراقبة نظام وقف إطلاق النار في أسرع وقت”، مضيفاً “علاقتنا مع روسيا استراتيجية، وهي ليست بديلة عن علاقتنا مع أميركا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وأي طرف”.

ولئن تحاشى الطرفان الحديث في المؤتمر الصحافي عن الشمال السوري بيد أنّ الطرفين أعلنا تمسكهما بدعم اللجنة الدستورية المكلفة بوضع دستور جديد لسوريا.
ويقول خبراء إن عدم التطرق لموضوع شمال سوريا لا يعني أن هذا الملف كان خارج دائرة المحادثات لاسيما وأن اللقاء تزامن مع تصعيد تركي ضد قوات سوريا الديمقراطية في عين عيسى الحيوية المطلة على الطريق الدولي أم 4.
وهناك مؤشرات عن توافق روسي تركي ضمني للضغط على قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بقسد لتسليم المدينة إلى الجيش السوري والقوات الروسية. ويشير متابعون إلى أن ما يجري في المنطقة يشي بوجود توزيع أدوار بين روسيا وتركيا، فالأخيرة تضغط على قسد عسكريا، والأولى تساومها سياسيا.
ولئن كان الجانبان على طرفي نقيض على الساحة السورية لجهة دعم موسكو نظام الرئيس بشار الأسد، ومساندة أنقرة للفصائل المعارضة والجهادية، إلا أن هذا لم يمنعهما من التأسيس لتعاون تُرجم في محطات عدة من الصراع.
وسبق وأن جرى ابتزاز قوات سوريا الديمقراطية في العام 2019 من قبل أنقرة وموسكو، حينما اضطرت قسد إلى تسليم مناطق للروس بعد حملة عسكرية تركية استهدفت الشريط الحدودي بين محافظتي الرقة والحسكة. وليس من المستبعد تكرار ذات السيناريو مع تسجيل وصول تعزيزات روسية وسورية لمنطقة عين عيسى.
وتريد قوات سوريا الديمقراطية الوصول إلى اتفاق مع روسيا بشأن انتشار قوات روسية وسورية في مداخل ومخارج المدينة على غرار نموذج منبج في حلب، بيد أن موسكو ترفض الأمر وتصر على تسليم كامل المدينة، الأمر الذي يجعل قسد في موقف صعب بين الدخول في حرب خاسرة مع تركيا أو الانصياع للجانب الروسي وما يعنيه ذلك ليس فقط خسارة منطقة استراتيجية لإطلالتها على الطريق أم 4 بل وأيضا قطع أوصال مناطق الإدارة الذاتية.