التغير المناخي والفساد يهددان بانهيار آلاف المباني في الإسكندرية

القاهرة- دخلت الحكومة المصرية على خط التحذيرات المستمرة من التغيرات المناخية وتأثيرها على المناطق الساحلية، وأبرزها الإسكندرية المطلة على البحر المتوسط، وحذرت من انهيار الآلاف من العقارات التي تشهد تصاعدا في أعداد السقوط، ما يشي باعتراف رسمي بدراسات حذرت من المشكلة ووجدت تشكيكا في دقتها.
وحذر رئيس المركز القومي لبحوث الإسكان (حكومي) محمد مسعود من احتمال تعرض الآلاف من العقارات الواقعة على مقربة من كورنيش الإسكندرية للانهيار في أيّ لحظة، مرجعا الخطر إلى الإهمال الشديد في أعمال الصيانة الدورية لهذه المباني، وارتفاع منسوب سطح البحر الناجم عن تغيرات مناخية.
وقال مسعود إن عدم التزام غالبية سكان العقارات بواجباتهم تجاه صيانة المباني التي يقيمون بها أدى إلى تدهور في حالتها الإنشائية وهياكلها الأساسية، وإن العوامل البيئية تلعب دورًا لا يقل خطورة في هذا التهديد، إذ أدى تآكل السواحل واختلال التوازن الطبيعي للرواسب نتيجة للتوسع العمراني العشوائي إلى تسرب مياه البحر المالحة إلى طبقات المياه الجوفية القريبة من الساحل.
ونتج عن ذلك ارتفاع ملحوظ في منسوب المياه الجوفية، ما يتسبب في تآكل مستمر لأساسات العديد من المباني القائمة، ويعجّل بعملية انهيارها، ويمثل تحديد العدد الدقيق للمباني المهددة بالانهيار تحديًا كبيرًا.

محمد مسعود: عدم التزام غالبية سكان العقارات بواجباتهم تجاه صيانة المباني التي يقيمون بها أدى إلى تدهور في حالتها الإنشائية وهياكلها الأساسية
وكشفت دراسات حديثة أجراها المركز القومي لبحوث الإسكان عن وجود ما يزيد عن 7 آلاف عقار في مدينة الإسكندرية معرضة لخطر الانهيار الوشيك.
وشكك مهتمون في بحوث الإسكان في دراسة مماثلة صدرت عن مهندسين معماريين في جامعات ألمانية وأميركية، أشارت إلى تسارع معدل الانهيارات، من انهيار واحد سنوياً إلى 40 انهياراً مع زحف المياه المالحة إلى أسفل أساسات المدينة التي بناها الإسكندر الأكبر، ويبلغ عمرها أكثر من 2300 عام.
وحسب هذه الدراسة، فإنه خلال عشرين عاما تعرض نحو 280 مبنى للتدمير بسبب تآكل السواحل، مع تعرض 7 آلاف مبنى آخر لخطر الانهيار في المستقبل.
وقالت سارة فؤاد، المؤلفة الرئيسية للدراسة وهي مهندسة معمارية بالجامعة التقنية في ميونخ “على مدى قرون، كانت هياكل الإسكندرية بمثابة عجائب للهندسة المرنة، وتحمّل الزلازل والعواصف وأمواج المد العارمة وغير ذلك“.
وتظهر تأثيرات تغيرات المناخ بصورة أكبر في القطاع الزراعي، وهو أكثر القطاعات التي تأثرت بالتغيرات المناخية، حيث تسبب اضطراب فصول العام في انخفاض الإنتاجية الزراعية.
وجاء الشتاء المنتهي مبكرا عن موعده في 21 ديسمبر بنحو شهر، وانخفضت الحرارة في نهاية نوفمبر الماضي ومطلع ديسمبر 2024 بنحو أربع أو خمس درجات، مقارنة بما كانت عليه في العام السابق عليه.
وأكد أستاذ الجيولوجيا والمواد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي أن ما تعرضت له محافظة الإسكندرية خلال مئة عام يتمثل في ارتفاع منسوب مياه سطح البحر المتوسط بمقدار 20 سنتيمترا، ويصعب القول بوجود تغيرات مناخية تؤثر بشكل كبير على أكثر من 500 ألف بناية في المحافظة، وأن الكثير من المدن الأوروبية تعرضت لتغيرات مناخية أكبر ومبانيها لم تتعرض للسقوط، وما يجعل هناك خطرا حقيقيا أن الإسكندرية من أقدم المدن المصرية، ووجود بنايات ليست لها أساسات هندسية جيدة.
وأوضح لـ”العرب” أن الإسكندرية بها الآلاف من المباني الآيلة للسقوط، وقد يكون ذلك بسبب الفساد، وتأثير الملوحة على أساسات البنايات يبقى ضئيلا للغاية، كما أن معظم المباني الآيلة للسقوط بعيدة عن الطريق الرئيسي (ليست أمام البحر) وأن الدراسات المستمرة للتعرف على درجة ملوحة المياه لم تظهر حدوث تغيير يؤثر على التربة.
وأشار إلى أن المشكلة الرئيسية في الإسكندرية هي عدم الالتزام بقرارات الترميم والإزالة، وأن الآلاف من البنايات التي صدرت بحقها قرارات إزالة أو ترميم لم يتم تنفيذها، نتيجة الفساد المتفشي في بعض الأجهزة المحلية.
ولفت إلى أن تغير درجات الحرارة خلال السنوات الثلاث الماضية لا يشير إلى وجود تغيير مناخي بمصر، وحال استمر ذلك لمدة تصل إلى 30 عاما متصلة يمكن أن يكون ذلك تغيرا حقيقيا، وأن زيادة معدلات الأمطار ترتبط بسنوات الفيضانات في نهر النيل، لكنها عامل جانبي في انهيار المباني.

عباس شراقي: الإسكندرية بها الآلاف من المباني الآيلة للسقوط
ولا توجد إحصاءات رسمية موثقة بأعداد البنايات التي انهارت في مصر السنوات الماضية، غير أن بعض التقارير وثقت أكثر من 800 حادثة سقوط عقار خلال السنوات من 2017 إلى 2023، أسفرت عن مصرع 551 شخصا و1088 مصابًا.
وسجل العام 2017 العدد الأكبر من الحوادث بنحو 149 حادثة، وكان عام 2022 الأقل بـ96 حادثة، وشهدت محافظة الإسكندرية حادثة واحدة من كل 4 حوادث انهيار عقار خلال الفترة نفسها على مستوى 29 محافظة مصرية.
وأوضح عضو البرلمان المصري عن محافظة الإسكندرية محمود قاسم في طلب إحاطة وجهه إلى رئيس مجلس النواب أن المحافظة بها 300 ألف عقار مهدد بالانهيار، وطالب ببحث أبعاد الأزمة، مقترحا تشكيل لجنة هندسية من أساتذة كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية وخبراء الإسكان والتشييد والبناء، تتولّى حصر مخالفات البناء، وتصدر تقريراً شاملاً بشأنها يتضمن جميع العقارات الآيلة للسقوط، وتتخذ الحكومة قراراً عاجلاً بإزالتها مع توفير وحدات سكنية بديلة لقاطنيها.
وقال الرئيس السابق لهيئة حماية الشواطئ عاشور عبدالكريم إن الدراسات المحلية والدولية التي يتم إجراؤها بشأن تأثيرات تغير المناخ على البنايات في المدن الساحلية غير دقيقة حاليا، لكنها مؤثرة على المدى الطويل، وأن بخار المياه المالح يؤدي إلى تآكل الحديد والإسمنت، ما يضعف الهياكل الإنشائية، وتتزايد المشكلة بسبب تغير المناخ، مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الأمطار الحمضية التي تُسهم في نحر أساسات المباني.
وذكر لـ”العرب” أن ملوحة المياه ليست بالأمر الجديد، والتأثير على البنايات المخالفة للمواصفات أكبر، وحال استمرت معدلات زيادة منسوب المياه، وزيادة فترات نوة الشتاء، فالتأثير سيكون واضحا على المباني القريبة من البحر وتتسم بالتربة الرميلة، ما يجعلها أكثر عرضة للتأثيرات السلبية لارتفاع مستوى سطح البحر، وإذا صدقت توقعات بعض الخبراء بشأن ارتفاع منسوب البحر بمقدار نصف متر السنوات المقبلة، فإن ذلك سيشكل خطورة على المناطق الساحلية بأكملها وليس الإسكندرية فقط.
وقامت الحكومة المصرية ببناء حواجز صخرية للتقليل من آثار شدة الأمواج، وحدث ذلك بشكل أكبر بالقرب من المناطق الأثرية في الإسكندرية، مثل قلعة قايتباي، ولا تزال المدينة في حاجة إلى المزيد من الجهود التي تضمن عدم تعرضها لتأثيرات سلبية.
وتوقعت دراسة حديثة من جامعة نانيانغ التكنولوجية (NTU) في سنغافورة، أن مستويات سطح البحر العالمية قد ترتفع بمقدار مذهل يبلغ 6.2 قدم (1.9 متر) بحلول عام 2100 إذا استمرت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الزيادة.
وقارن الباحثون بين صور الأقمار الصناعية والخرائط التاريخية لمعرفة مدى سرعة اختفاء ساحل مدينة الإسكندرية منذ ثمانينات القرن التاسع عشر، وبحسب البحث تبين أن ساحل الإسكندرية تحرك إلى الداخل بعشرات الأمتار على مدى العقود الماضية، مع تراجع بعض المناطق بمقدار 3.6 متر سنوياً.