التعديل الوزاري للشاهد يفجر معركة الصلاحيات

تونس - غادر رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، تونس نحو العاصمة الموريتانية نواكشوط، التي وصلها صباح الثلاثاء، لترؤس وفد بلاده إلى اجتماعات اللجنة المشتركة العليا التونسية-الموريتانية، تاركا خلفه دخان معركة صلاحيات بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، يتصاعد في اتجاهات مُختلفة، وبأجندات مُتعددة.
وانطلقت هذه المعركة التي تشي بمُتغيرات تفتح الباب على تداعيات خطيرة، بدأت ملامحها تتدحرج تباعا في رسائل متواترة لمُختلف الأطراف السياسية والحزبية في البلاد، مباشرة بعد التعديل الوزاري المُثير للجدل الذي أعلنه، الاثنين، رئيس الحكومة.
ورسم هذا التعديل علامات استفهام كبرى، كما تسبب في إشغال المشهد السياسي بالمزيد من التعقيدات التي تراكمت على وقع إرهاصات الاصطفافات المُستحدثة على وقع موازين القوى الجديدة التي بدأت تتشكل في أفق استحقاقات العام 2019.
ويرى مراقبون أن هذا التعديل الوزاري والمعركة التي فجرها، سيُعيدان رسم خطوط الأزمة التي تُعاني منها البلاد منذ أكثر من ستة أشهر، وفق معادلات الربح والخسارة، التي فرضتها الحسابات المُرتبطة بحالة الاستعصاء التي لم تنجح المقاربات السياسية الموازية في تفكيكها.
ويستند هذا الرأي الذي بدأ يفرض تداعياته على المشهد السياسي، بانعطافاته الحادة، إلى الأزمة الدستورية التي باتت تستدرج الوضع العام في البلاد إلى مواجهة مفتوحة، وسط متاهة من الاحتمالات والسيناريوهات، خاصة بعد مُسارعة الرئاسة التونسية إلى رفض هذا التعديل الوزاري مباشرة بعد إعلانه.
وقالت سعيدة قراش، الناطقة الرسمية باسم الرئاسة التونسية في تصريحات إذاعية، إن الرئيس الباجي قائد السبسي “غير موافق على التعديل الوزاري الواسع الذي أعلنه مساء الاثنين رئيس الحكومة”.
وأشارت إلى أن الشاهد “لم يتشاور مع رئيس الجمهورية حول التعديل” مؤكدة أن “رئيس الجمهورية غير موافق على هذا التمشي لما اتسم به من تسرع وسياسة الأمر الواقع″.
ومن جهته، لم يتردد نورالدین بن تیشة، مستشار الرئیس السبسي، في وصف التشكيلة الحكومية الجديدة بأنها “حكومة حركة النهضة وتم تكوینها من قادتها”.
وأضاف في تصريحات إذاعية أن هذه الحكومة “بعیدة كل البعد عن المصلحة الوطنیة ولا تعبر عن نتائج الانتخابات”، وذلك في إشارة إلى انتخابات أكتوبر 2014، التي فازت فيها حركة نداء تونس بأغلبية المقاعد البرلمانية.
وفي المقابل، دافع الشاهد عن خياراته في التعديل الوزاري الذي قرر إدخاله على تركيبة حكومته، قائلا إنه ارتأى إجراء التعديل الوزاري “متحملا بذلك مسؤولياته كرئيس للحكومة ووفقا للصلاحيات التي يمنحها له الدستور”.
واعتبر أن من شأن هذا التعديل “تهيئة البلاد للاستحقاقات الكبرى بمناخات نقية ووفق خارطة طريق واضحة”.
وعلى عكس ما ذهب إليه الشاهد حول تنقية المناخ السياسي، لا تُخفي غالبية الأوساط السياسية والنقابية خشيتها من أن يتسبب هذا التعديل الوزاري في تعميق الأزمة، حيث اعتبر نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، أن “تونس لا تستحق ما يحدث (…) وأن العناد في أوضاع مماثلة يؤدي إلى تأزيم الوضع″.
وفيما أشار الطبوبي إلى أن “ملامح اقتسام الكعكة السياسية أصبحت ظاهرة”، لفت منجي الحرباوي القيادي بحركة نداء تونس إلى “التطابق الغريب بين ما صرّح به راشد الغنوشي حول الدعوة لتشكيل حكومة ائتلاف وطني ونتاج هذا التعديل”، مستنتجا أن “الغنوشي إذن هو الحاكم الفعلي.. وهذه حكومة النهضة”.
وفي المقابل، رحبت حركة النهضة الإسلامية بهذا التعديل واعتبرت أنه “قد يكون أحد عناوين إنهاء الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، ومن شأنه إدخال نفس جديد على الحكومة”.
وكان يوسف الشاهد قد أعلن في ساعة متأخرة من مساء الاثنين، عن تعديل وزاري واسع شمل 18 منصبا حكوميا (13 وزيرا و5 كتاب دولة)، هو الثالث منذ تشكيل حكومته في أغسطس 2015.
وأبقى الشاهد على عدد من الوزراء، منهم وزراء الخارجية، خميس الجهيناوي، والدفاع عبدالكريم الزبيدي، والداخلية، هشام الفراتي، لكنه شمل في المقابل وزارة السيادة الرابعة، أي وزارة العدل، التي أسندت إلى كريم الجموسي، خلفا لغازي الجريبي.
وتميز التعديل بانضمام روني الطرابلسي إلى الفريق الحكومي الجديد، وهو من الطائفة اليهودية، حيث أسندت إليه حقيبة السياحة والصناعات التقليدية، خلفا لسلمى اللومي، ليكون بذلك الطرابلسي الوزير اليهودي الثالث في تاريخ تونس منذ استقلالها في العام 1956.
كما تميز أيضا بانضمام كمال مرجان، رئيس حزب المبادرة إلى الفريق الحكومي الجديد، حيث أسندت إليه وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة والسياسات العمومية، علما وأن كمال مرجان هو آخر وزير للخارجية في حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وشمل التعديل الوزاري عددا من الوزارات الأخرى منها الصحة، وأملاك الدولة، والشؤون المحلية والبيئة، والشباب والرياضة، والتكوين المهني والتشغيل، والنقل، والتجهيز والإسكان.
وكشف هذا التعديل الوزاري عن ترويكا جديدة تجمع بين حركة النهضة الإسلامية، وحركة مشروع تونس برئاسة محسن مرزوق، وحزب المبادرة، إلى جانب عدد من المستقلين، وكتلة “الائتلاف الوطني” المحسوبة على يوسف الشاهد، حيث خلا في المقابل من وزراء حزب آفاق تونس.
ويفتح التعديل الوزاري المشهد في البلاد أمام متغيرات تنطوي على سيناريوهات مُتعددة تملي على الفاعلين السياسيين العمل من أجل إعادة صياغة المقاربات السياسية، وشكل الاصطفافات وأنواع التحالفات، بانتظار موقف البرلمان الذي يستعد الشاهد للذهاب إليه لنيل ثقته.