التعاون الأمني بين الرباط ومدريد يتجاوز تشويش اليمين المتطرف الإسباني

التعاون الأمني والاستخباراتي يتعلق أساسا بالحفاظ على الأمن القومي للبلدين الذي يتجاوز الخطاب السياسي المبني على المزايدات السياسوية.
الخميس 2023/08/10
تقارب في السياسيات والرؤى

الرباط - يتجاوز التعاون الأمني والاستخباراتي بين الرباط ومدريد تشويش اليمين المتطرف الإسباني على متانة العلاقات بين البلدين الجارين، إذ جنب المغرب جارته الشمالية عملية إرهابية بعد تقديمه معلومات استخباراتية دقيقة حول خلية إرهابية تنتمي إلى تنظيم داعش، "تستعمل مواقع التواصل الاجتماعي لجذب القاصرين إلى الأعمال الإرهابية".

وبناء على المعلومات الاستخباراتية اعتقلت مدريد شابا من أصل مغربي يدعى هوغو، يبلغ من العمر 18 سنة، يشتبه في تزعمه شبكة تنشط بمواقع التواصل الاجتماعي وتستهدف القاصرين والشباب لترويج الأفكار المتطرفة، الشيء الذي ينسف تشكيكات اليمين في هذا التعاون لأسباب انتخابية ظرفية، رغم آثاره الإيجابية على الأمن القومي للمنطقة.

وتأتي العمليات الأمنية المشتركة بين السلطات الأمنية المغربية والإسبانية، في سياق الجهود المتواصلة المبذولة لتحييد مخاطر التهديدات الإرهابية، ودرء المشاريع المتطرفة التي تحدق بأمن واستقرار البلدين، كما تؤشر على أهمية التعاون الأمني الاستخباراتي في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف بين الرباط وحلفائها، في سياق إقليمي وعالمي شديد المخاطر.

ولم يستوعب اليمين المتطرف الإسباني الأولويات التي أسست التقارب بين الرباط ومدريد في السنوات الأخيرة، محاولا إظهار ذلك التقارب على أنه تهديد لإسبانيا إقليميا. ودائما ما يعبّر حزب فوكس اليميني المتطرف عن رفضه لتطوير العلاقات مع المملكة المغربية، وحثه حكومة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز على الإسراع بقطع الطريق على المغرب في ملف سبتة ومليلية المحتلتين وإلحاقهما بدوائر نفوذ حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وهو ما تنقضه الوقائع.

هشام معتضد: التعاون بين الرباط ومدريد لا يتأثر بالتحولات السياسية
هشام معتضد: التعاون بين الرباط ومدريد لا يتأثر بالتحولات السياسية

وقال هشام معتضد، الخبير في العلاقات الدولية والإستراتيجية، إن العملية الأخيرة "تبرهن على الانخراط المسؤول لمختلف المؤسسات الأمنية المغربية في مجال التعاون الدولي لاستتباب الأمن والاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلى جدية أفرادها في التدخل في الوقت المناسب والحازم لاجتناب أي خسائر كيفما كان نوعها، ما عزز مكانة المغرب ضمن خارطة الدفاع الأمني في المنطقة المتوسطية والأوروبية، وهي ليست فقط ضرورية، ولكن إجبارية في الحفاظ على الأمن عبر التدخلات الاستباقية والتشخيص المبكر للعمليات".

وأضاف معتضد في تصريح لـ"العرب" أن "التعاون الأمني والاستخباراتي يتعلق أساسا بالحفاظ على الأمن القومي للبلدين، الذي يتجاوز الخطاب السياسي المبني على المزايدات السياسوية المرتبطة بتوجهات الأحزاب الإسبانية أو مواقفها الأيديولوجية، وخصوصا اليمينية منها، مشيرا إلى أن هذا التعاون الاستخباراتي بين البلدين يجعل الحكومة الإسبانية، كيفما كان توجهها، تحترم الاختيارات الإستراتيجية للدولة في ما يخص رؤيتها الدفاعية أو ديناميكية تعاونها الأمني".

وتشن النخب السياسية الإسبانية من الأحزاب المعارضة، والإعلام الموالي لها، حملة قوية ضد سانشيز، منها رئيس الحكومة السابق اليميني خوسيه ماريا أزنار، الذي قال قبل أسابيع قليلة، إنه "في الوقت الحالي، فإن العلاقات بين المغرب وإسبانيا لا تفيد مدريد"، كما يستنكر سياسة بلاده الخارجية تجاه المملكة المغربية.

ويقوم الحزب اليميني المتطرف فوكس بمعاكسة مصالح المغرب بشكل علني، وكانت الحملة الانتخابية الأخيرة مناسبة لتكثيف هجومه خصوصا بعدما تبين له أن حكومة سانشيز ماضية في تعميق التعاون مع الرباط، التي فرضت نفسها على طاولة العلاقات الإستراتيجية بين الدولتين بعيدا عن الحملات الظرفية التي تحركها نزعة عنصرية مغلفة بخطاب شعبوي لدى هذا الحزب.

وأكد معتضد أن "خارطة التعاون الإستراتيجي بين مدريد والرباط لا تتأثر بالتحولات السياسية للحكومات أو الأحداث السياسية الظرفية والعابرة، خاصة أن هذا التعاون ميدان محفز للدولتين، ويهم أمنهما القومي بعيدا عن التوجهات الأيديولوجية”، لافتا إلى أن “الدولة المغربية تعتبر أمنها القومي والإستراتيجي من أمن أوروبا ومنها إسبانيا”.

ويقود المغرب جهودا إقليمية ودولية لمواجهة العديد من التحديات الأمنية غرب المتوسط، سواء المتعلقة بمكافحة الإرهاب أو الهجرة السرية والاتجار بالبشر، ما جعل المملكة تحظى بثقة العديد من الدول والقوى الغربية وعلى رأسها إسبانيا للقرب الجغرافي والمصالح المتبادلة على كافة المستويات.

وصادقت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الإسباني على اتفاقية التعاون الأمني الاستخباراتي، في أكتوبر 2022، إلى جانب اتفاقية للتعاون في إطار الأنشطة العملياتية والتحقيقات في مختلف أشكال ومظاهر الجريمة، وفي مجال مكافحة الجريمة وخاصة الجريمة المنظمة، والأعمال الإجرامية، لاسيما الإرهاب، بما في ذلك التعاون والتمويل.

وأفاد استطلاع للرأي أجراه في أبريل الماضي المعهد الملكي إلكانو للدراسات الدولية والإستراتيجية الذي يرأسه الملك فيليب السادس، بأن قرابة 40 في المئة من الإسبان يعتبرون العلاقة مع المغرب ذات طبيعة إستراتيجية وذات أولوية بالنسبة لمستقبلهم.

4