التصنيفات الدولية السلبية للاقتصاد تضاعف إحباط المصريين

التصنيف السلبي للاقتصاد المصري يقود إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية في ظل استمرار العراقيل أمام القطاع الخاص.
الأحد 2023/05/07
كيف سيواجه السيسي تأثير التصنيفات

القاهرة - عمّقت مؤسسات دولية معنية بالتصنيفات الائتمانية من إحباط شريحة من المواطنين جرّاء النظرة السلبية للاقتصاد المصري، وعدم قدرة الحكومة على سداد الديون، والحاجة إلى مزيد من القروض الخارجية للخروج من المأزق الراهن، بعد تصاعد حدة المشكلات التي تواجه الاقتصاد والاستثمار في البلاد.

وخفّضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لمصر من مستقر إلى سلبي لأول مرة منذ نحو عشر سنوات بسبب ارتفاع مستوى الدين إلى معدل قياسي بلغ 97 في المئة من الناتج المحلي العام الجاري.

وقالت الوكالة، الجمعة، إن متطلبات التمويل الخارجي المرتفعة بمصر بجانب القيود المفروضة على الحصول على هذا التمويل ساهمت في خفض التصنيف. وتنامت التوقعات بوجود خطر يؤدي إلى مزيد من التأخير في الانتقال إلى سعر صرف مرن، ما قد يفضي إلى زيادة تقويض الثقة، وربما يؤخر برنامج صندوق النقد الدولي.

وتراجع تصنيف مؤسسة التصنيف الائتماني "موديز إنفستورز سيرفيس" للسندات المصرية قبل أيام بسبب ما وصف بـ"تدني قدرة البلاد على استيعاب الصدمات مع انحسار المساندة الخارجية، ما يجعل تحرير سعر الصرف تماما أمرا حيويا".

خالد الشافعي: التقارير الدولية عن صعوبة الوضع الاقتصادي تترك إحباطات للشارع لكن على الحكومة أن تعمل على تحقيق المزيد من الأفضلية في هذه الظروف
خالد الشافعي: التقارير الدولية عن صعوبة الوضع الاقتصادي تترك إحباطات للشارع لكن على الحكومة أن تعمل على تحقيق المزيد من الأفضلية في هذه الظروف

وأظهرت تعليقات شريحة كبيرة من المصريين على نظرة بعض المؤسسات الدولية للاقتصاد المصري حالة الهلع التي يعيشها المواطنون مع التدهور الحاصل للأوضاع المالية في بلدهم، وإمكانية أن تتجه الحكومة لاتخاذ إجراءات جديدة صعبة.

ويقول خبراء إن التصنيف السلبي للاقتصاد المصري يقود إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية والمحلية في ظل استمرار العراقيل أمام القطاع الخاص، وعدم قدرة الحكومة على إدارة مخاطر التضخم بشكل يؤثر على قرارات مؤسسات التمويل الدولية.

ويخشى مصريون من أن تقدم الحكومة على الرضوخ لمطالب صندوق النقد الدولي لإثبات حسن نواياها وقدرتها على انتشال الاقتصاد من أزماته، وعلى رأسها إقرار نظام مرن لأسعار الصرف ما يؤدي بالتبعية إلى انهيار العملة المحلية وحدوث زيادة قياسية في أسعار عدد كبير من السلع، ما يرهق شريحة كبيرة من المواطنين.

وأقر المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في نوفمبر الماضي اتفاقا تحصل بموجبه القاهرة على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار، ضمن برنامج يمتد ستة وأربعين شهرا، مع مساعدات أخرى، وطالب الصندوق الحكومة باتباع سياسة مرنة تجاه تحديد سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية وخفض مخصصات الدعم إلى الحد الأدنى.

ويشير الخبراء إلى أن السخط الظاهر على وجوه المصريين من تدني التصنيف الدولي لاقتصاد بلادهم يرتبط بعدم جدوى تركيز الحكومة على الشق التنموي وتصاعد الشكوك في قدرتها على إيجاد حلول للأوضاع المالية الصعبة.

وارتبطت قدرة المصريين على تحمل الصعوبات المالية وتراجع مستوى المعيشة بوعود حكومية بأنهم سيجنون ثمار صبرهم على الغلاء والتقلبات الاقتصادية. وأمام النظرة السلبية الدولية للأوضاع في مصر، من الطبيعي أن يصل إحباط بعض المواطنين إلى ذروته مع عدم وجود بارقة أمل كبيرة قريبا لانتشال بلدهم من عثراته.

وأكد خالد الشافعي رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية لـ"العرب" أن التقارير الدولية عن صعوبة الوضع الاقتصادي تترك إحباطات للشارع، لكن من الضروري على الحكومة أن تتعامل بشفافية وتعمل على تحقيق مزيد من الأفضلية في هذه الظروف، ولا بديل عن ضخ دماء جديدة لإدارة الملف الاقتصادي وإعادة طرح رؤى ومعالجة المشكلات بشكل جذري.

وترفض الشريحة الأكبر من المواطنين في مصر أن تظل بلادهم تعيش على المساعدات والمعونات الخارجية، حيث تكرس للتبعية الاقتصادية وربما السياسية، وتجعل حكومتهم خاضعة لرؤى ومطالب الجهات والمؤسسات المانحة.

واعتادت الحكومة تحميل المصريين فاتورة تهاوي الأوضاع الاقتصادية وتبعات الشروط التي توقعها مع الجهات المانحة، حيث قررت الانسحاب التدريجي من الدعم وخفض سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية، وتحريك أسعار السلع والخدمات، والتوسع في بيع شركات مملوكة للدولة كانت في وجدان الناس جزءا من تاريخهم وهويتهم.

وتكمن معضلة الحكومة في التعامل مع التصنيفات الائتمانية الدولية بشأن الاقتصاد في استسهال الرد بشكل عشوائي وتكذيب متكرر لما تسوقه المؤسسات الخارجية، والتعاطي مع بياناتها بتشكيك وتلميح بأنها تستهدف إثارة الهلع في نفوس المصريين والتلويح بأنها مسيّسة أو مدفوعة من قبل أطراف لها مصالح مع القاهرة.

◙ الحكومة المصرية تبني نظرتها تجاه بعض المؤسسات الائتمانية الدولية على أنها متقلبة في قراءة الوضع الاقتصادي وعدم اتفاقها على تصنيف واحد

وشن مصطفى مدبولي رئيس الحكومة مطلع مايو هجوما حادا على مؤسسات ائتمان دولية، لافتا إلى وجود تقارير تصدر بحق الاقتصاد المصري ليست بالأمينة أو الصادقة، ولا تعبر عمّا تقوم به مصر من إصلاحات وما يتحمله الاقتصاد من ضربات متتالية نتيجة للأزمات الاقتصادية المتعددة، مشددا على قدرة بلاده على الوفاء بتعهداتها الدولية، وعدم إخفاقها في الوفاء بأي التزامات مالية مرتبطة بسداد الديون.

وتبني الحكومة المصرية نظرتها تجاه بعض المؤسسات الائتمانية الدولية على أنها متقلبة في قراءة الوضع الاقتصادي وعدم اتفاقها على تصنيف واحد، فالبنك الدولي تحدث عن الحالة المصرية بإيجابية، وأعلن أنها مرشحة لقيادة النمو في منطقة الشرق الأوسط، ثم تتحدث جهات دولية أخرى بطريقة مغايرة تماما لذلك، ما يثير حفيظة النظام المصري ويجعله يتشكك في وجود أغراض سياسية وراء هذه التقارير.

وأضاف الشافعي أن الكثير من التقارير الاقتصادية الدولية مشكوك في نواياها، لأنها مدعومة برؤى أشخاص وجهات ومؤسسات ترفض استقرار مصر، وكل ما ينعكس على الاقتصاد ينعكس على السياسة ويرتبط بوجود أهداف خارجية لإثارة الهلع بين المصريين ويصعب الثقة في التصنيفات الائتمانية للأوضاع الاقتصادية والتعامل معها على أن جميعها أمينة.

وتظل الإشكالية في أن هناك حالة من تهاوي الثقة بين الشارع والحكومة تسيطر على شريحة كبيرة من المواطنين، ومهما قدمت الثانية من أدلة على قوة الاقتصاد ومعدلات النمو مقابل تقارير صادرة عن جهات تشكك في نزاهتها، لن يحظى الخطاب الرسمي بمصداقية بينما سيتم التعامل مع نظيره الدولي بثقة ولو كان مثيرا للإحباط.

وباتت هناك حواجز أمام الحكومة كلما حاولت ترميم علاقتها بالشارع أو الترويج لمشروعات تنموية، حيث سيجد خصوم النظام المصري في التقارير الدولية السلبية الصادرة عن الاقتصاد فرصة ثمينة لمبارزته سياسيا، باللعب على وتر تراجع الشفافية، والإصرار على عدم الاكتراث بقيم المصارحة مع الناس.

4