التشكيلية صفاء مختار لـ"العرب": نعمل لنرمم الإنسان العربي بالفن بعد سنوات الحرب

المجلس العربي للثقافة والتراث يستهل جهوده بمعرض التراث الدولي الأول.
الخميس 2024/08/01
الفنانة تبدي اهتماما بتطوير الإنسان العربي

في حوار مع "العرب" توضح الفنانة صفاء مختار أن المجلس العربي للثقافة والتراث خطوة جدية خطاها عدد من الفنانين العرب المدركين لأهمية الفنون في تكوين شخصية الإنسان العربي والحفاظ على هويته، إلى جانب قدرتها على ترميم الأنفس المتعبة من الحروب التي أثرت في منطقتنا.

القاهرة- الإنسان هو أصل الحضارة في كل مكان. صلاح أحواله، عقله ونفسه ووعيه، يعني الأمل في تقدم الأمم وإمكان عودتها من حال الخراب إلى طريق العمران، ولأجل هذا لا يفتأ فنانون ومثقفون مخلصون عن شحذ الهمم وتشمير السواعد، سعيا لتحقيق حلم إصلاح الوعي لدى الشعوب وإعادة بناء شخصية المواطن العربي، في ضوء ما مر بمنطقتنا من متغيرات ومنعطفات حادة من السياسة والاقتصاد إلى الثقافة والفنون.

يعد المجلس العربي للثقافة والتراث أحدث ثمار هذه الجهود، إذ وافق الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة على إنشائه ليكون أحد المجالس النوعية التابعة للاتحاد الذي يتبع المكتب التنفيذي لجامعة الدول العربية.

بدأت فكرة إنشاء مجلس عربي للثقافة والتراث تراود عقل الأكاديمية المصرية صفاء مختار قبل عامين، خلال عملها رئيسا لقطاع الشؤون الفنية للأمانة العامة بالاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة. وفي ظل كونها فنانة تشكيلية، لها أبحاث وكتابات حول العلاقة بين البيئة والوعي، قامت بعرض الفكرة على الأمين العام للاتحاد أشرف عبدالعزيز، وصدرت الموافقة على إعلان المجلس واتخذ من القاهرة مقرا له مؤخرا.

بوكس

كشفت رئيسة المجلس العربي للثقافة والتراث صفاء مختار في حديث لـ“العرب” أهداف المجلس وخططه خلال الفترة المقبلة، قائلة: “إن أهم هدف سيعمل المجلس على تحقيقه هو إعادة الوعي وترميم الإنسان العربي نفسيا وعقليا ووجدانيا، من خلال الفنون والقوى الناعمة، عبر العودة إلى هويتنا العربية وتراثنا وثقافتنا وتاريخنا، بعد كل ما مر بمنطقتنا من حروب وصراعات ودمار”.

وأكدت ضرورة تضافر الجهود في الوقت الحالي بشكل عاجل لتحقيق هذا الحلم، معبرة عن قناعتها بأن الوعي قضية أمن قومي ولابد أن يعمل الجميع معا، كحبات خرز في مسبحة تنتظم في خيط واحد، في سبيل هذا الهدف كي يدرك المواطن العربي ويستشعر قيمة استقرار الأوطان وتماسك المجتمعات.

جاءت موافقة الأمين العام للاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة أشرف عبدالعزيز على إعلان المجلس ودعمه إياه بشكل مستمر، بمنزلة إطلاق شرارة العمل، بمشاركة نخبة من المؤسسين المتميزين في مجالات عدة، ثقافية وعلمية وإعلامية وأكاديميين ينتمون إلى الجامعة الليبية.

وتم إطلاق المجلس من مدينة الفنون والثقافة في العاصمة الإدارية بمصر بعد جولة في أرجاء المدينة ومعالمها الفنية الكبرى. وتم اختيار رئيس مجلس إدارة الجهاز الوطني للإدارة والاستثمار، محمد شريف صلاح الدين،  رئيسا شرفيا للمجلس.

ويهدف المجلس إلى نشر مفاهيم الثقافة العربية والتربية المعاصرة، وتبادل الثقافات والأنشطة بين الدول، مع احترام عادات وتقاليد وثقافة كل شعب، لنبذ الحروب وتقارب الرؤى العربية والحفاظ على الهوية، في ضوء المواثيق الدولية الإنسانية.

وأوضحت صفاء مختار لـ“العرب” أن غالبية المجتمعات العربية في أشد الحاجة إلى تحقيق الأهداف التي يسعى إليها المجلس، بعد انتشار الأسباب والعوامل المشوهة للشخصية العربية، وأن الوعي ليس مجرد وعي فني أو ثقافي، لكن المستهدف هو الوعي الإنساني، وأن اللغة العربية جزء أصيل من هويتنا، فضلا عن كونها جزءًا أصيلًا من الحضارة الإنسانية.

وأشارت إلى أن إعادة الهوية الإنسانية إلى المواطن العربي هي الأهم، لأن أعظم تقدير ميز به الله الإنسان أن جعله إنسانا، لذلك لا بد أن نكون قادرين على تمثل الصفات الإنسانية الحقيقية، كالمحبة وتقدير قيمة القدوة واحترام تاريخنا ومقدراتنا ورموزنا وقياداتنا حتى نكون جميعًا معا، ونعمل يدا بيد، على مستوى الشعوب والشباب والمجتمع المدني، فنحن جميعا سفراء للإنسانية.

وتعتبر رئيسة المجلس العربي للثقافة والتراث أن جيل الشباب هو العنصر الحقيقي الذي يمكن أن يقود معركة التطور والتقدم في أي أمة، بما يحمله من طاقات هائلة، ومن الضروري العمل على توجيهه كي يستطيع أن يدرك قدراته عبر تثقيفه وتدريبه لتنمية مهاراته، ليظهر تفوقه وإبداعه.

بدأ المجلس العربي للثقافة والتراث أول أنشطته خلال الأيام الماضية، فأقام المعرض التراثي الدولي الأول، بمشاركة عدد من الدول العربية، التي عرضت منتجاتها التراثية والحرف اليدوية والشعبية التي تشتهر بها، بالإضافة إلى لوحات فنية تشكيلية حكى من خلالها الفنانون عن حضارة وثقافة شعوبهم، بحضور الفنان التشكيلي حسين نوح كضيف شرف، والإعلامي جمال الشاعر، والأكاديمية الفنانة رانيا يحيى وآخرين.

◄ الفنون هي البوابة وأكبر عنوان يدل على قيمة أي حضارة ويشير إلى عظمتها، لذا الفن هو أفضل السبل لنشر الوعي
الفنون هي البوابة وأكبر عنوان يدل على قيمة أي حضارة ويشير إلى عظمتها، لذا الفن هو أفضل السبل لنشر الوعي

ولفتت رئيسة المجلس في حديثها لـ“العرب” إلى أن المعرض استهدف مزج الثقافات والحضارات التراثية العربية من خلال الفنون المختلفة، وأظهر المشاركون بأعمالهم المتنوعة قيمة كل لون فنى وتراثي وكيف أثر في تاريخ وحضارة الشعوب.

وذكرت الفنانة التشكيلية صفاء مختار أن الفنون هي البوابة الأولى وأكبر عنوان يدل على قيمة أي حضارة ويشير إلى عظمتها، لذا فمن الطبيعي أن يكون الفن هو أفضل السبل لنشر الوعي، من خلال إقامة الندوات وورش العمل والملتقيات الكبرى.

ويعقد المجلس العربي للثقافة والتراث الملتقى الأول له في شهر يناير المقبل، برعاية جامعة الدول العربية، كما يجري حاليا الإعداد لتنظيم معرض فني في شهر أكتوبر المقبل.

ويعتزم توقيع بروتوكولات تعاون مع وزارة الثقافة المصرية ودار الأوبرا في القاهرة، وعدد من الجامعات المصرية والعربية، وبدأ في إجراء اتصالات مع دول عربية، منها ليبيا، ليكون للمجلس مكاتب تمثيل بها.

وتسعى رئيسة المجلس العربي للثقافة والتراث إلى التصدي لمسألة التأثر بالحضارة الغربية والذوبان فيها، قائلة: “في ظل التطور التكنولوجي المعلوماتي والغزو الثقافي يتجه الإنسان إلى النواحي المادية ويتأثر بها بشكل أكبر من تأثره بالجوانب المعنوية، لذا لابد من الوقوف في مواجهة ذلك عبر الوعي وإعادة تقدير التراث والهوية العربية”.

وشددت على وجود مراحل عدة في حياة الإنسان والشعوب، وهي الماضي والحاضر والمستقبل، و”لا ينبغي أن نظل محاصرين داخل الذكريات، إنما لابد من التخطيط للمستقبل بهدوء وحكمة، وتبقى النتائج بيد الله عز وجل وحده، لكن ينبغي أن يظل الإنسان يعمل ويواجه المحن ويرضي ضميره”.

وصدر للفنانة صفاء مختار عام 2019 كتاب بعنوان “السعادة المنسية”، وشاركت كفنانة تشكيلية في معارض فنية دولية ومحلية عدة، وحصلت على الدكتوراه الفخرية من هيئة الأمم المتحدة لجهودها في نشر الوعي والثقافة الإنسانية في مصر والوطن العربي، وحصلت على دبلومة إستراتيجيات تخطي الأزمات والأمن القومي من مركز الوحدة العربية التابع لجامعة الدول العربية عام 2017.

وعبرت في ختام حديثها لـ”العرب” عن حلمها أن تكون لمصر الريادة على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا في الاهتمام بمسألة الوعي الإنساني، واستخدام الثقافة والفن والتاريخ لنشر هذا الوعي.

14