التشريعات لا تحمي العاملات المنزليات في المغرب رغم دورهن الحيوي داخل الأسرة

خروقات فاضحة تمس كرامة العاملات وحقوقهن.
السبت 2025/06/21
من يحمي حقوق العاملات في المغرب

رصدت المنظمات المعنية بحقوق المرأة في المغرب ضعفا في تطبيق القوانين المتعلقة بالعاملات المنزليات رغم تطور التشريعات في هذا المجال، من ذلك ضعف التزام أرباب العمل بالتصريح بالعاملات والعاملين المنزليين لدى صناديق الضمان الاجتماعي، واستمرار تشغيل القاصرات القادمات من الأرياف. وتعاني هذه الفئة الاجتماعية الهشة من خروقات فاضحة تمس كرامتهن في ظل غياب آليات فعالة للتفتيش والمراقبة داخل المنازل.

الرباط - ما زالت العاملات المنزليات في المغرب يتعرضن للاستغلال والتمييز ويُعتبرن أكثر الفئات هشاشة، رغم دورهن الحيوي داخل الأسر المغربية، ما دفع المنظمة الديمقراطية للعاملات والعمال المنزليين، التابعة للمنظمة الديمقراطية للشغل، إلى المطالبة بضرورة ترجمة التشريعات الوطنية إلى حماية واقعية وفعالة لهذه الفئة الاجتماعية، التي تُعد من أكثر الفئات هشاشة وتعرضا للتهميش والاستغلال.

وركز بيان المنظمة الديمقراطية للعاملات والعمال المنزليين، الذي حمل عنوان “نحو اعتراف فعلي بحقوق العاملات والعمال المنزليين: من التشريع إلى التطبيق”، على الوضع في المغرب، إذ رغم ما اعتُبر تقدمًا تشريعيًا مهمًا، لا تزال التحديات الجوهرية قائمة، في مقدمتها ضعف التطبيق واستمرار خروقات فاضحة تمس كرامة وحقوق العاملات المنزليات في ظل غياب آليات فعالة للتفتيش والمراقبة داخل المنازل.

كما رصدت المنظمة في بيانها، الذي وصلت إلى جريدة “العرب” نسخة منه، ضعف التزام أرباب العمل بالتصريح بالعاملات والعاملين المنزليين لدى صناديق الضمان الاجتماعي، واستمرار تشغيل القاصرات لاسيما في بعض المدن والبوادي، رغم المنع القانوني، فضلًا عن العوائق القانونية والهيكلية التي تعرقل التنظيم النقابي داخل هذا القطاع بسبب طبيعته المنغلقة والفردية.

رغم ما اعتُبر تقدما تشريعيا، لا تزال التحديات قائمة، في مقدمتها ضعف تطبيق القوانين وغياب حقوق العاملات

وركزت مرافعات الجمعيات والنقابات المعنية بالعمالة المنزلية على مطالب ضرورية؛ منها عقد عمل مكتوب قانونيا، وأجر لائق لحياة كريمة، وتصريح في الضمان الاجتماعي، ومدة عمل قانونية، وصحة وسلامة مهنيتان، والحق في الراحة والعطل والرخص والإجازة، ومنع العمل الجبري والإلزامي وتشغيل الأطفال، وحق التعبير والتنظيم النقابي، وضمان حقوق مماثلة للعمالة المنزلية المهاجرة في المغرب.

وأكدت أمينة توبالي، الباحثة في قضايا المرأة بكلية الحقوق أكدال في الرباط، أنه رغم تقدم التشريعات القانونية المتعلقة بحقوق المرأة في المغرب إلا أن غالبية العاملين في القطاعات غير المهيكلة من النساء اللواتي يشتغلن في ظروف اجتماعية صعبة وخارج القانون أحيانا ومن أهمهن العاملات المنزليات، حيث أنه رغم إصدار القانون المنظّم لعمل العاملات والعمال المنزليين منذ 2018، إلا أن هذا القانون ظل “حبراً على ورق” ولم يتم تنفيذ بنوده، في ظل غياب آليات فعالة لتطبيقه مع استمرار المس بحقوق وكرامة العاملات المنزليات.

وقالت توبالي، في تصريح لـ”العرب”، “رغم أن المغرب صادق على الاتفاقية الدولية رقم 189 الصادرة عن منظمة العمل الدولية، للتفتيش والمراقبة داخل المنازل، إلا أن أرباب العمل لا يلتزمون بالتصريح لدى صناديق الضمان الاجتماعي أو إنشاء عقود مع العاملات والعاملين المنزليين إلا فئة قليلة مع استمرار ظاهرة تشغيل القاصرات خاصة القادمات من القرى والأرياف.”

وأضافت أنه رغم المنع القانوني لا يزال هناك استغلال لوضعيتهن الاجتماعية، بالرغم من الجهود المبذولة لمحاربة الظاهرة، موضحة أن الأسرة القروية الفقيرة تعول على بناتها القاصرات في مساعدتها على مواجهة عبء مصاريف الحياة، بحيث نجدهن ينقطعن عن الدراسة بحثا عن العمل في المنازل، دون شرط ولا قيد وبأبخس الأجور في غياب حماية اجتماعية أو أي تأمين صحي.

وأكدت فاطمة الراجي، الكاتبة العامة للمنظمة الديمقراطية للعاملات والعمال المنزليين، أن “العمل المنزلي ليس مجرد خدمة، بل مهنة أساسية تساهم في الاقتصاد الوطني وتستحق كامل الاعتراف والكرامة، ودعت الحكومة والشركاء الاجتماعيين إلى تحمل مسؤولياتهم لوضع حدّ للاستغلال، وتحقيق شروط العمل اللائق لكل عامل وعاملة منزلييْن في المغرب.”

وكانت الحكومة قد تفاعلت مع مطالب نقابية بإدراج فئة العاملات والعمال المنزليين ضمن الفئات التي يجيز لها القانون التنظيمي ممارسة الحق في الإضراب والقيام بهذا الشكل الاحتجاجي؛ لكن نقابيين أثاروا آنذاك”إشكالية صعوبة التطبيق، لانعدام الانتماء النقابي لغالبية المعنيين، والخوف من فقدان العمل.”

وفي حالة ثبوت عدم انخراط المشغل أو عدم تسجيل العاملات أو العمال المنزليين الذين يشتغلون لديه في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بناء على شكاية توصل بها صندوق الضمان الاجتماعي في الموضوع، مشفوعة بعقد عمل أو بمحضر لمفتشية الشغل موقع بين المشغل والعاملة أو العامل المنزليين، وفي حالة إجراء محاولة التصالح أو بناء على حكم قضائي يثبت العلاقة الشغلية، يوجه الصندوق إلى المشغل المعني إنذارا بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، وذلك من أجل تقديم ملف وتسجيل عاملاته أو عماله المنزليين، وإذا لم يقم المشغل بالإجراء في أجل شهر يباشر الصندوق تلقائيا عملية انخراط المشغل وتسجيل العاملات والعمال المنزليين.

رغم أن المغرب صادق على الاتفاقية الدولية رقم 189 الصادرة عن منظمة العمل الدولية للتفتيش والمراقبة داخل المنازل إلا أن أرباب العمل لا يلتزمون بالتصريح لدى صناديق الضمان الاجتماعي

ودعت النقابة المعنية بالعمالة المنزلية إلى تفعيل القانون المذكور، عبر حملات توعية مكثفة للعاملات وأصحاب العمل، وتعزيز التفتيش العمالي وعقوبات رادعة للمخالفين، مطالبة بـشمولية الضمان الاجتماعي وتبسيط إجراءات الانضمام وتقديم حوافز للمُشغّلين. كما نادت بـحماية العاملات المهاجرات: ضمان هجرة آمنة وتسهيل حصولهن على وضع قانوني، وتمثيل العاملات في الحوار الاجتماعي، وإشراكهن في صياغة السياسات المتعلقة بحقوقهن.

وطالبت المنظمة، من خلال بيانها، باتخاذ حزمة من الإجراءات المستعجلة، على رأسها تفعيل صارم للقانون 19 – 12، من خلال حملات توعية وتفتيش ميداني وعقوبات للمخالفين، مع توسيع التغطية بالضمان الاجتماعي وتبسيط مساطر الانخراط وتقديم تحفيزات لأرباب العمل، إضافة إلى حماية العاملات المهاجرات قانونيًا وإنسانيًا، وضمان حقوقهن في الإقامة والعمل الآمن، إلى جانب إشراك العاملات والعمال المنزليين في الحوار الاجتماعي وصياغة السياسات الوطنية ذات الصلة.

ويشكل القانون 19 – 12 خطوة هامة في مسار تعزيز الحقوق والحماية الاجتماعية لهذه الفئة من العمال، إذ يهدف إلى تنظيم علاقة عمال وعاملات المنازل بمشغليهم درءا لأي استغلال أو حيف قد يطال هذه الفئة، حيث أقر حق العاملات والعمال المنزليين في الاستفادة من عطلة سنوية مؤدى عنها، وأيضا من راحة مؤدى عنها خلال الأعياد الدينية والوطنية، كما تمنح للعاملات والعمال المنزليين رخص تغيب لأسباب عائلية، وحدد مدة العمل في الأشغال المنزلية في 48 ساعة موزعة على أيام الأسبوع، إلا أنه حدد مدة عمل العمال المنزليين المتراوحة أعمارهم بين 16 و18 سنة في 40 ساعة أسبوعيا.

وأكدت أمينة توبالي أنه أمام صمت القطاعات الحكومية المعنية والوسطاء من النقابات العمالية والفرق البرلمانية ومؤسسات الضمان الاجتماعي، ستزداد وضعية هؤلاء العاملات سوءا واستغلالا، وعليه لا بد من تدخل كل هؤلاء المعنيين من أجل إيجاد صيغة توافقية لتفعيل التشريعات واحترامها وتشديد العقوبات على المخلين بها، لأجل تحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية لجميع العاملين والعاملات على حد السواء.

15