التشبث بثوابت الدولة المدنية في تونس يطيح مشروع قانون الزكاة

مقترح حزب النهضة يواجه رفضا واسعا داخل البرلمان لمخالفته للدولة المدنية وما سيحدثه من تمييز بين المواطنين التونسيين من المسلمين وغير المسلمين.
الثلاثاء 2019/12/10
معارضة قوية في انتظار النهضة

لم تنجح حركة النهضة التونسية في تمرير مقترح قانون لإنشاء صندوق زكاة حيث لم يحظ بالأغلبية المطلوبة ووقع إسقاطه برفضه من غالبية الأحزاب إثر التصويت عليه، لشكوك العائلة الحداثية خاصة في استهداف مقترح ذي صبغة إسلامية لمدنية الدولة، ما يعكس حجم المعارضة القوية التي ستكون في مواجهة مشاريع وسياسات النهضة.

تونس – فشلت حركة النهضة الإسلامية في تمرير مقترح قانون لإنشاء “صندوق زكاة” في أول اختبار لها في جلسات التصويت بالبرلمان مع بداية عهدته الجديدة عقب الانتخابات التشريعية التي فاز بها الحزب في أكتوبر الماضي.

وتقدمت حركة النهضة بالمقترح في مشروع قانون المالية التكميلي لعام 2020 على أن يتم جمع موارده المالية من زكاة الأفراد وهبات المؤسسات والتبرعات الدينية والاجتماعية.

وتقول الحركة إن مداخيل الصندوق كان من المقرر أن يتم استخدامها لتمويل حاجيات الفقراء والأيتام والعاطلين عن العمل والطلبة ومحدودي الدخل.

وأشار رئيس كتلة حركة النهضة نورالدين البحيري في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن “هذا الصندوق سيوجه لدعم الطلبة والمعطلين عن العمل والعائلات المعوزة.

ولدى التصويت عليه لم يحظ المقترح سوى بموافقة 74 نائبا من بين الحاضرين في الجلسة العامة التي عقدت الثلاثاء، بينما رفضه 93 نائبا فيما امتنع 17 نائبا عن التصويت.

باسل ترجمان: صندوق الزكاة يعكس رؤى فكرية وعقائدية للنهضة
باسل ترجمان: صندوق الزكاة يعكس رؤى فكرية وعقائدية للنهضة

وكان مقترح النهضة قد فجر جدلا واسعا بين الأحزاب التونسية التي انقسمت بين مؤيد ورافض له، كما أثار تساؤلات الرأي العام عن أهدافه ومدى أهميته في الوقت الذي ينتظر فيه الشارع إصلاحات اقتصادية واجتماعية حقيقية.

وفيما دافعت حركة النهضة وكتلة ائتلاف الكرامة (محافظ) على فكرة إحداث صندوق الزكاة، رفضته الأحزاب المنتمية إلى العائلة الديمقراطية، وعزا المراقبون ذلك لشكوك هذه العائلة في استهدافه مدنية الدولة ومحاولة الأحزاب المحافظة تغيير نمط المجتمع التونسي الذي يغلب عليه الطابع الحداثي عبر فرض مقترحات ذات صبغة إسلامية.

وقالت النائب عن الحزب الدستوري الحر عبير موسي أن “مقترح إحداث صندوق الزكاة مخالف للدولة المدنية وسيحدث تمييزا بين المواطنين التونسيين المسلمين وغير المسلمين”.

ويقر الفصل الثاني من الدستور التونسي بمدنية الدولة التي تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون.

واعتبرت موسي أن “هذا المقترح يندرج في إطار إرادة ممنهجة لبعض التنظيمات المعادية للدولة المدنية”.

 من جهته أقر رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف (محافظ) الذي دعم هذا المشروع، أن الأحزاب أسقطته “لمجرد ارتباطه الديني ولأن في تسميته كلمة: الزكاة”، ودافع عنه بالقول “هذا الصندوق سيمكن من دعم شرائح لم تتمكن الدولة من دعمها”.

ويعكس الجدل داخل البرلمان، حجم انقساماته الأيديولوجية والاختلافات الفكرية للأحزاب، وهذا التباين يعود إلى الواجهة مع كل مناقشة مشروع جديد، ومن شأنه أن يعطل أشغال البرلمان.

وعلى الرغم من تحالفهما داخل البرلمان والذي أثمر عن تنصيب رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي رئيسا له، رفض حزب قلب تونس مقترح إحداث صندوق الزكاة بشدة.

وأكد رئيس كتلة قلب تونس حاتم المليكي أن “نواب حزبه صوتوا ضد هذا الاقتراح”.

واعتبر أن “هناك غموضا يحوم حوله خاصة في ظل وجود خلط بين الوازعين الديني والمدني في تركيبة الهيئة الوطنية التي ستحدث بمقتضي هذا الفصل”.

فشل النهضة في تمرير مشروع صندوق الزكاة أول اختبار لها في جلسات التصويت في البرلمان، وينبئ بأن فترة قيادتها للبرلمان كما الحكومة المعنية بتشكيلها لن تكون سهلة

من جهته أكد نائب كتلة الحزب الدستوري الحر مجدي بوذينة التي صوتت ضده، أن هذا المقترح “سيدفع بتونس إلى دولة موازية”، مذكّرا بأن “أغلب التونسيين يؤدون الزكاة بصفة مباشرة”.

 ورأى بوذينة أن التونسي “ليس في حاجة إلى واسطة لأداء زكاته”.

ويشرح مراقبون سبب رفض غالبية الأحزاب التونسية لهذا المقترح، بعيدا عن الحسابات السياسية، وبوجهة نظر اقتصادية وأخرى تتعلق بصورة الصناديق الخيرية العالقة في ذاكرة التونسيين، والتي ظهرت في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي وكانت صناديق خيرية لكن مزيفة وواجهة أخرى للنظام.

وأوضح الإعلامي والمحلل السياسي باسل ترجمان لـ”العرب” أنه “ما زالت ذاكرة الشعب التونسي تحمل الكثير عمّا انجر عن صندوق 26 – 26 والذي كانت بدايته لها سمو الهدف بمساعدة الفقراء والمساكين لتنتهي ببناء القصور وهذا التخوف من الانحراف عن الهدف سيرافق إنشاء ما يسمى بصندوق الزكاة”.

ويشكك تونسيون في أمانة الصناديق الخيرية قيامها فعلا بمساعدة الفقراء، أو مجرد غطاء للتلاعب بأموال المواطن واستغلاله.

معارضة قوية في مواجهة مشاريع وسياسات النهضة
معارضة قوية في مواجهة مشاريع وسياسات النهضة

ويتساءل الشارع التونسي عن دوافع النهضة في إحداث هذا الصندوق، أمام شكوك في رغبة الحركة في تسجيل مكاسب سياسية عن طريق مغازلة الفقراء، لمساعيها الحفاظ على رصيدها الشعبي الذي أظهرت الانتخابات الأخيرة مدى تراجعه.

ويقول ترجمان “صندوق الزكاة الذي تريد حركة النهضة إنشاءه يطرح الكثير من التساؤلات أولا حول الإصرار على تمريره رغم أن البرلمان الجديد لديه المئات من القضايا الأهم وماذا تريد منه في ظل أن دفع الزكاة قد ارتبط في العقل المجتمعي التونسي بالفعل المباشر والمساعدة الأقرب”.

ويتابع “هذا يضع الكثير من الشكوك في نوايا الحركة من وراء ذلك، فهذه الصناديق التي تبدأ بالنوايا الحسنة لا يثق فيها الناس لأنها ستكون ضبابيه لا يعرف أحد حقيقة مداخيلها او آليات التصرف فيها ولكنها تعكس رؤى فكرية وعقائدية للنهضة تظهر أن لها مشروعا يهدف إلى تغيير وجه المجتمع”.

وخلص متسائلا “هل سيكون إلغاء الأوقاف (الأحباس) الخطوة الثانية بعد هذا الصندوق وما فوائد ذلك على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وهل ستساهم مثل هكذا قرارات في تحسين وضعية الاقتصاد التونسي أم ستشجع فقط على المزيد من الانغلاق الفكري وتغيير شمل المجتمع”.

بدورهم، شكك خبراء اقتصاد في فائدة الصندوق على المستوى الاقتصادي.

93 نائبا رفض المقترح
93 نائبا رفضوا المقترح

وقال وزير المالية الأسبق، حسين الديماسي في تصريحات لوسائل إعلام محلية إن “صندوق الزكاة الذي دعت حركة النهضة إلى إحداثه، ليست له جدوى اقتصادية”.

وأوضح الديماسي أنه “إذا أرادت الدولة إعطاء بعض من أموال الأغنياء للفقراء فبإمكانها سن قانون عادي يفي بالغرض”.

واعتبر أن تقديم هذا المقترح ليس حبا في العدالة الاجتماعية بل توجد وراءه غاية سياسية بالأساس.

 ويعد فشل النهضة في تمرير مشروع صندوق الزكاة أول اختبار لها في جلسات التصويت في البرلمان، وينبئ بأن فترة قيادتها للبرلمان كما الحكومة المعنية بتشكيلها لن تكون سهلة.

وفازت حركة النهضة بأغلبية طفيفة في الانتخابات التشريعية بحصولها على 52 مقعدا من بين 217، ويقود مرشحها المستقل رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي مفاوضات صعبة لتشكيل حكومة جديدة قادرة على نيل ثقة البرلمان بالأغلبية المطلقة.

4