التسليم بديمومة العلاقة الزوجية واستمرارها خطأ يقع فيه الشريكان

يشير خبراء علم الاجتماع إلى أن الزواج مثله مثل أي قرار يحتاج إلى دراسة معمّقة، ما يعني أن التسليم بديمومته خطأ يقع فيه الزوجان خصوصا إذا كانا حديثي العهد بالزواج. ويؤكد الخبراء على ضرورة عدم تجاهل بعض التفاصيل الهامة التي من شأنها أن تُنجح العلاقة الزوجية مثل التواصل والثقة والتقبل وخصوصا عدم رفع سقف التوقعات عاليا.
تونس – يؤكد مستشارو العلاقات الأسرية أن الزواج ليس أمرًا سهلًا، بمعنى أنّه ليس شيئًا فطريًّا وليس بالضرورة أن يكون ناجحًا، بل مثله مثل أيّ قرار يتّخذ في حياة الإنسان يحتاج إلى دراسة معمقة تراعي كلّ العوامل التي من شأنها أن تجعل الزواج ناجحًا وينعم بالديمومة والاستقرار.
ويشير الخبراء إلى أن اعتبار استمرارية الزواج من المسلمات خطأ يرتكبه الشريكان، ذلك أن تجاهل التفاصيل المهمة قد يفسد صفوة حياة الشريكين ويدفعهما إلى وضع حد لعلاقتهما.
كما أنّ ديمومة الزواج لا تعني بالضرورة أنّ الزواج ناجح، وهذا أيضًا لا يعني أنّ كلّ الزيجات المستمرّة فاشلة.
ويرى الخبراء أن فشل العلاقة الزوجيّة وانتهاءها يعودان إلى عدة أسباب، أهمّها سوء العشرة الزوجيّة الناجم عن سوء اختيار الشريكيْن لبعضهما البعض، ما يؤدّي إلى صعوبة فَهم إحداهما الآخر وعيش حياة مستقرّة وصالحة لإنجاب الأبناء وتربيتهم.
ويشير المختصون في علم النفس إلى أن عدم التواصل عامل من العوامل التي تعجل بنهاية العلاقة الزوجية، ويرون أن التواصل لا يعني تبادل الحديث فقط بل هو محاولة لفهم الأزواج بعضهم البعض. فمعظم الأزواج يتحدثون لكنهم لا يتواصلون. وتشبه هذه العلاقة قنبلة على وشك الانفجار.
وبالنسبة إلى الكثيرين أيضا يمثل الزواج الخطوة الأولى نحو حياة هانئة، لكن ليس هذا حال الجميع؛ فعندما يتزوج حبيبان تصبح لديهما توقعات من بعضهما البعض ومن العلاقة بينهما. وفي بعض الأحيان لا تكون التوقعات متبادلة.
وتوجد عدة أسس من الاحترام يحق لكل من الطرفين الحصول عليها في علاقته العاطفية، وتُشكّل التوقعات أساسا لتحقيق النجاح على المدى الطويل، وقد يؤدي غيابها إلى حتمية فشل مستقبل الزوجين معا.
وعندما يدخل الشريكان في علاقات طويلة الأمد قد يحتفظان في أذهانهما بقائمة من الأشياء التي يرغبان في الحصول عليها وتبادلها بينهما. وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن بعض المبادرات مهمة بشكل خاص لتعزيز الرضا عن العلاقة، وترتبط ارتباطا وثيقا بنجاح علاقة الأزواج على المدى الطويل. وبصفة عامة يمكن اعتبارها “دستور حقوق العلاقة”.
وتؤكد الاستشارية الأسرية عتيقة نابتي أن ارتفاع سقف التوقعات بين الزوجين هو سبب المشاكل الزوجية. وتقول “أغلب المشكلات التي تحدث في العام الأول من الزواج ناتجة عن الجهل بالثقافة الزوجية والخصوصية بين الزوجين وتدخل الأهل من الطرفين وارتفاع سقف التوقعات لدى الزوجين”.
وتضيف أن “الزوجة تعتقد أنها ستعيش مع فارس الأحلام، والزوج يعتقد أنه سيعيش مع المرأة التي رسمها في خياله. ومع جهل الطرف الأول بطباع الطرف الآخر وعدم التعود على تحمل المسؤولية وتداخل الأدوار، والجهل أيضا بالثقافة الجنسية والحمل والإنجاب والتغيرات الهرمونية التي تحدث للمرأة والتي تسبب لها القلق، تتفاقم المشاكل بينهما”.
ويقول إيلي فينكل، أستاذ علم النفس الاجتماعي ومدير مختبر العلاقات والدوافع في جامعة نورث وسترن، “إن التوقعات ضرورية، وإذا لم تكن تتوقع أمورا جيدة فمن المرجح أنك لن تحصل عليها، يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا في ما يتعلق بالأمور الضرورية لإنجاح الزواج، وعلينا أن نركز عليها، ونترك الأمور الأخرى”. لكن لا ينبغي أن ننحي هذا الهدف جانبا عند مواجهة الزوجين أي نزاع، لأن لكل شريك الحق في عدم الاتفاق، وفي أن يكون غير مثالي.
ويرى استشاريو العلاقات الأسرية أنه في الحياة الزوجية قد تتدخل عوامل تؤدي إلى إنجاح الزواج واستقرار الحياة الأسرية أو تؤثر هذه العوامل بطريقة عكسية فينتج عنها الفشل واضطراب الحياة الزوجية.
ويشير هؤلاء إلى أن تشابه الخلفية الثقافية أو اختلافها، والتي يحملها كل من الزوج أو الزوجة وينقلانها إلى الحياة الزوجية، قد يؤديان إلى التوافق والتجانس أو إلى الصراع والخلافات. وكذلك يمكن أن يؤدي نمو الميول والقيم إلى تقوية الروابط والوحدة من خلال الاهتمامات المشتركة وإشباع الميول، أو قد تتجه العلاقة نحو الاختلافات والصراع. كما أن الأنشطة الأسرية، بما تتضمنه من أعمال منزلية وتربية الأطفال وهوايات أسرية وحالات من المرض وتكوين صداقات، يمكن أن يشترك فيها الزوجان أو قد يهرب أحد الزوجين إلى أنواع من النشاط خارج دائرة الأسرة، كما يحدث في بعض الزيجات.
ويشبه الخبراء الحبّ بأنّه خزّان وَقُود، فعندما تتمّ تعبئته بعد مرور فترة من الزمن سينفد وتجب إعادة تعبئته من جديد بشكل دوريّ. ويعد فهم احتياجات الطرف الآخر أمرا مهما لإنجاح العلاقة الزوجية. فإذا فهم الشريكان احتياجات بعضِهما البعض قَلّت المشاكل التي يُمكن أنْ تُؤدّي إلى الطلاق، فالفَهم يُؤدّي إلى الهدوء والسكينة التي بدورها تمنح الشراكة الزوجيّة استقرارا.
كما أن المُصارحة أساس الحياة الزوجية الناجحة. ويشير خبراء علم الاجتماع إلى أنه لا يُوجد زواج دون ثقة ولا تُوجد ثقة دون مصارحة.
وقد أطلق علماء الاجتماع مصطلح “الطلاق المبطّن”، ويعني أنه إذا لم تكن هناك مصارحة بين الأزواج بشكل مستمرّ وإذا لم يتم الحديث عمّا يُريده الشريك من شريكه الآخر فهذا شبه زواج ومجرّد شكل اجتماعيّ، لأنّ الطلاق هنا طلاق فكريّ وعاطفيّ بسبب غياب التواصل الصريح بين الشريكيْن.
ويقول خبراء العلاقات الزوجيّة بأنّه ينبغي على الشريكيْن وضع خطّة حول المال وكيفيّة الصرف لتفادي المشاكل وحتّى تكون الزوجة في الصورة، وذلك في إطار التفاهم المادّي.
كما أن حُسن التواصل مهم لاستدامة الزواج، وهذا يعني ألا يتحدّث الشريك بأُسلوب يفهمه هو بل التحدّث بأسلوب يفهمه الطرف الآخر؛ لأنّه إذا لم يحصل ذلك ستحدُث فجوة تحول دون فَهم الشريكيْن لبعضهما البعض، وهو ما يؤدي بالتأكيد إلى نشوب الخلافات. ومِن أسرار نجاح الزواج وبلوغه مستوى الزواج السعيد أن يصل الشريكانِ إلى مرحلة يتقبّلان فيها عيوب بعضهما البعض.