الترويج للذات عبر الإنترنت: أقصر طريق للشهرة والثروة

"الترويج للذات" لم يعد يقتصر على رجال الأعمال والمشاهير حيث مهدت وسائل التواصل الطريق للأشخاص العاديين لتسويق أنفسهم كعلامات تجارية.
الاثنين 2019/02/25
نقل مباشر لكل تفاصيل الحياة اليومية

الحسابات الإلكترونية لم تعد تشكل فقط امتدادا لهوية أصحابها وحياتهم الشخصية، بل تحولت إلى أداة استراتيجية لتحقيق الانتشار العالمي وجني الأرباح، ويتلاعب بها السياسيون لتبييض سيرهم الذاتية وتسويق أنفسهم للجماهير.

“في المستقبل سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشهورين شهرة عالمية في خلال 15 دقيقة فقط” مقولة شهيرة للرسام الأميركي الراحل آندي وورهول تنبأ فيها خلال الستينات من القرن الماضي بقناة إعلامية جديدة ستحمل تغييرات جذرية في حياة البشرية، وقد صدقت نبوءته، وتجسدت فعليا على أرض الواقع في عصرنا الحالي، بظهور شبكة الإنترنت التي جعلت باب الشهرة مفتوحا على مصراعيه، وكلما زادت الشهرة تحولت بعض النقرات على لوحات الأجهزة الذكية إلى إيرادات مالية.

وفي جميع أنحاء العالم، يوجد الملايين من الأشخاص المتلهفين للثروة ولديهم استعداد لنشر أي محتوى حتى وإن كان مضرا أو مضللا في مقابل جني المزيد من الأموال.

ورغم أنه يوجد البعض من الأشخاص الذين يمكن أن يتخلوا عن وظائفهم لأن سياسات الشركات التي يعملون لديها تتعارض مع المبادئ الأخلاقية التي يؤمنون بها، ولكن بريق المال المغري، هو أيضا دافع أساسي للحصول عليه بأي طريقة، أما مسألة “ترك بصمة” أو “إحداث تغيير في المجتمع”، فقد أصبحت في معظمها مجرد عبارات رنانة، وخاصة في ظل عدم توفر الكثير من الخيارات أمام العاطلين عن العمل وأصحاب الشهادات للمفاضلة ما بينها.

إم إم إم ميتشيل: كلما زاد عدد المتابعين، انفتحت لك أبواب كثيرة، وهذا يحفزني أكثر لزيادة عدد المتابعين
إم إم إم ميتشيل: كلما زاد عدد المتابعين، انفتحت لك أبواب كثيرة، وهذا يحفزني أكثر لزيادة عدد المتابعين

وفي السنوات الأخيرة انتبه بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى أهمية “الترويج للذات” عبر مواقع الإنترنت كاستراتيجية تسويقية للأفكار والمهارات، ويبدو أن أغلب من اتبع هذا الأسلوب تيسرت له فرص العمل والارتقاء في السلم الوظيفي وجني الأرباح، وكل ذلك عبر تأثيره الإلكتروني على المستخدمين، الذين أصبح يتحكم فيهم بكبسة زر، ويجني من ورائهم أموالا أكثر بكثير مما تقدمه أي وظيفة قانونية.

في الماضي كان “الترويج للذات” يقتصر على رجال الأعمال والمشاهير، ويتطلب منهم ذلك دفع مبالغ مالية كبيرة لتسجيل هوياتهم الشخصية على الإنترنت، غير أن وسائل التواصل الاجتماعي غيرت الكثير من المفاهيم، بعد أن مهدت الطريق للأشخاص العاديين لتسويق أنفسهم كعلامات تجارية على فضاءاتها، وخاصة الذين لديهم القدرة على خلق انطباع جيد لدى الجماهير، بما ينشرونه من محتويات وأفكار ومنشورات على تويتر وفيسبوك، فضلا عن صور على تطبيق إنستغرام، ومقاطع فيديو على موقع يوتيوب، فأصبحوا بالتالي خيارا جذابا للشركات التي تريد بث إعلانات لها لجذب أكبر عدد من المستهلكين.

وتعود فكرة إنشاء علامة تجارية شخصية إلى عقود ماضية، إلا أن المجلة الأميركية “فاست كومباني”، المتخصصة في التكنولوجيا والأعمال والتصميم، نشرت في عام 1997 مقالا بعنوان “علامة تجارية تدعى أنت” عمّمت فيها هذا المفهوم.

ويشبه الترويج للذات الاستراتيجية الدعائية التي تعتمدها شركات التسويق، عبر توجهها إلى الجمهور الذي تعلم من خلال نمط تصفحه للإنترنت، أنه يهتم بمضامينها.

وأمام وجود حوالي ثلاثة مليارات شخص حول عالم مواقع التواصل الاجتماعي، أي ما يعادل 40 بالمئة من سكان العالم، ليس من المستغرب أن تضع الشركات والمؤسسات التجارية، الأشخاص المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي في الحسبان، فأصبح هناك قطاعاً اقتصاديا متنام، بدأ في جني أرباحه من التفاعل الاجتماعي.

هدى قطان: هدفنا أن نكون مصدر إلهام لمن يتابعنا على منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة وخصوصا إنستغرام
هدى قطان: هدفنا أن نكون مصدر إلهام لمن يتابعنا على منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة وخصوصا إنستغرام

وشهدت المبالغ المالية لقيمة الإعلانات على إنستغرام ارتفاعا بشكل كبير مقارنة بعام 2017، إذ تم تقدير أعلى المكاسب لأشهر “المؤثرين” على موقع التواصل الاجتماعي الشهير بنحو 550 ألف دولار أميركي في حين قدرت في عام 2018 بنحو مليون دولار.

ويعد عارض الأزياء وخبير المكياج الأميركي جيفري ستار، واحدا من أكثر الشخصيات المؤثرة في مجال مستحضرات التجميل.

وتشير تقديرات مجلة “فوربس″ التي تقدر قيمة الشركات والعلامات التجارية حول العالم عبر تقدير عوائدها السنوية، إلى أن جيفري ستار قد تمكن من تحقيق مكاسب بلغت حوالي 14.5 مليون جنيه إسترليني عام 2018 من موقع يوتيوب، وهو واحد من أعلى نجوم وسائل التواصل الاجتماعي أجرا في العالم.

وكان جيفري ستار قد انضم إلى يوتيوب عام 2006 بعد أن أصبح الشخص الأكثر متابعة على موقع “ماي سبيس″. وبدأ في نشر مقاطع فيديو بشأن وضع مستحضرات التجميل، وسرعان ما أصبح شخصية مشهورة بفضل مظهره الفريد.

ولا تتوقف المكاسب على الشخصيات المؤثرة التي تملك ملايين المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يستفيد أيضا من يطلق عليه اسم “المؤثر الأصغر”.

وغالبا ما تحقق الشخصيات الأقل تأثيراً نسبة تفاعل عالية عندما يتعلق الأمر بمراجعة المنتج والتوصيات، بينما يتمتع المشاهير بالقدرة على تحقيق انتشار أكبر وتفاعل أوسع استناداً إلى قاعدة معجبيهم.

وتمكن خبير المكياج البريطاني “إم إم إم ميتشيل” بعد ظهوره في فيديو لجيفري ستار، من حصد 100 ألف متابع على إنستغرام في يوم وليلة.

ولدى ميتشيل حاليا 800 ألف متابع، كما منحته مئات العلامات التجارية مستحضراتها لاستخدامها في إحدى مشاركاته على وسائل التواصل. ويقول معلقا على هذا الأمر “كلما زاد عدد المتابعين، انفتحت لك أبواب كثيرة، وهذا يحفزني أكثر لزيادة عدد المتابعين، وأبذل قصارى جهودي لأحظى بثقتهم”.

كايلي جينر: كل ما تفعله كايلي جينر لكسب كل هذه الأموال والشهرة هو استخدام جمهورها على وسائل التواصل الاجتماعي
كايلي جينر: كل ما تفعله كايلي جينر لكسب كل هذه الأموال والشهرة هو استخدام جمهورها على وسائل التواصل الاجتماعي

وعبر متحمسون كثر عن تفاؤلهم بأن تلعب وسائل التواصل الاجتماعي والتدوين المرئي -كوسيلة للتعبير عن الأفكار والآراء- دورا كبيرا في توفير فرص عمل مهمة للعاطلين وانتشال المهمشين والمعدمين في مجتمعاتهم من بوتقة الفقر.

إلا أن هذه الحماسة لم تخل من الجدل المتصاعد، بسبب العديد من الإعلانات التي يروج لها المستخدمون على مواقع التواصل والتي تحفل في معظمها بالدعاية “غير المسؤولة” – كما يصفها الأكاديميون – مستخدمة رسائل إيجابية للتحفيز على شراء منتجات ضارة والترويج للأخبار المضللة.

وكان تأثير بعض المعلومات السياسية المضللة كبيرا للغاية، إذ انتشرت على موقعي فيسبوك وتويتر حسابات وهمية لإعادة نشر التغريدات السياسية بسرعة، على سبيل المثال، أو لنشر أخبار كاذبة باستمرار بهدف الترويج لآراء وأهداف سياسية معينة وحملات دعائية منظمة.

ورغم الإجراءات الجديدة التي اتخذتها بعض الحكومات ومالكو المنصات الاجتماعية، لتضييق الخناق على تجار الأخبار المزيفة، ولكن مازال هنالك جانب آخر غير مرئي لصناعة الأخبار المزيفة، تديرها شبكات من مجموعات مغلقة تضم ما يتراوح بين بضع مئات إلى عدة آلاف من الأعضاء، لديهم القدرة والذكاء للالتفاف على أي محتوى ونشره من أجل كسب المال.

ويرى الباحث القانوني الأميركي كاس سانستين أن هذا الفضاء الواسع قد ساعد على تجاوز عوائق اجتماعية وجغرافية كثيرة بين البشر، وأسس لنظرة أكثر توازنا للعالم، إلا أنه حذر من أن يؤدي أيضا إلى خلق حواجز كبيرة، تجعل البعض يصطفون في خنادق تجمعهم بمن لهم نفس آرائهم فقط، وتفصلهم عن المخالفين لهم في وجهات النظر.

12