التراث الفني المسروق

الخميس 2016/03/24

أثارت لوحة للفنان كاظم حيدر، والتي بيعت مؤخرا في قاعة كريستيز في دبي بمبلغ 445 ألف دولار، لغطا في الوسط الفني العراقي، لا سيما أن اللوحة المباعة هي من مقتنيات مركز الفنون الرئيسي في بغداد، وكانت معروضة فيه قبل عام 2003، وهذا يعني أنها تعرضت للسرقة بعد الاحتلال الأميركي للعراق شأنها شأن العشرات والمئات من اللوحات واللقى الأثرية التي سرقها لصوص كبار وصغار وتم تسويقها إلى خارج العراق ضمن صفقات مشبوهة تتكشف يوما بعد يوم.

دار المأمون للترجمة في وزارة الثقافة كانت قد أصدرت مجلدا ضخما بعنوان “التراث الثقافي المفقود- الأعمال الفنية المسروقة من المتحف الوطني للفن الحديث”، وبالرغم من الأخطاء الوفيرة التي سادت هذا المجلد، فإنه يُعدّ مرجعا مهما لمجمل السرقات الكبرى التي حلّت بالفن العراقي وبآثار وتركات رواده ومبدعيه، كشاكر حسن آل سعيد ورافع الناصري وعطا صبري وسهيل الهنداوي وخليل الورد وسعاد سليم وجواد سليم وخالد الجادر وحافظ الدروبي وجميل حمودي وخالد الرحال وعبدالقادر الرسام وفائق حسن وآخرين لا حصر لهم طالت السرقات أعمالهم الريادية في حداثتها الفنية التشكيلية وتوزعت بين عواصم العالم وصالات العرض للبيع والشراء.

لا يمكن وصف التراث الفني والمتحفي العراقي المسروق بأنه “غنائم حرب” كما درجت العادة في الحروب القديمة وكما حدث في أواخر القرن الثامن عشر حينما قامت القوات البريطانية باحتلال “بنين” الأفريقية وغنمت كل القصر الملكي الأثري بموجوداته الثمينة لتغطية النفقات العسكرية، أو كما فعل هتلر أو نابليون في مصر، فهذه حالات حرب قامت بها دول ولم يتدخل فيها طارئون ولصوص وهلافيت الاتجار غير المشروع، ومع أن زمن نابليون الاستعماري شهد مثل هؤلاء اللصوص إلا أنهم لصوص أذكياء كانوا ضمن الحملة العسكرية مع نابليون وملأوا متحف اللوفر بالكنوز المصرية التي لا تقدر بثمن.

وما حصل في العراق حالة شاذة حينما تعرض التراث الإنساني والحضاري فيه إلى استباحة شاملة من قبل الأميركان أولا ومن ثم أتاحوا المجال لسياسيين مجرمين وعصابات محلية نهبت الصغير والكبير من مركز الفنون والمتحف العراقي وهرّبوها إلى خارج العراق في أسواق دولية تتعاطى التهريب الفني وتنشط في ظروف الاحتلال للدول ما دامت لا ضوابط ولا أخلاقيات ولا قوانين تصون الملكيات الفكرية والفنية خلافا لما عرفناه من قوانين لحماية التراث الثقافي الوطني والقومي للأمم والدول خاصة بروتوكولات اتفاقية لاهاي في مادته التاسعة التي تقضي بحماية الممتلكات الثقافية في الأراضي المحتلة واتفاقية اليونسكو حول التجارة غير المشروعة وغيرها من الاتفاقيات والقوانين الدولية التي ضُربت عرض الحائط بتغطية من جيش الاحتلال الأميركي كما كشفت الكثير من الوقائع والمسروقات المسرّبة وصالات المقتنيات الفنية المتعددة في دول الخليج ولندن وغيرها من العواصم.

أحمد الجلبي السياسي متعدد الوجوه حينما رحل ترك وراءه ملفات فساد في هذا الخصوص ودوره المشبوه في سرقة الآثار العراقية وأبرزها التوراة العبرية الأصلية التي سلمها إلى إسرائيل كما أوضحت مشاهد تلفزيونية مهمة عن هذه الصفقة المشبوهة وغيرها، مما يمكن لنا أن نسجله عن هذا السياسي أو غيره ممن باعوا تراث العراق الأثري والفني أو سهّلوا تسريبه وسرقته في شهور الاحتلال الأولى يوم كانت البلاد فوضى عارمة بإمرة الحاكم الأميركي بول بريمر.

لوحة كاظم حيدر الثمينة التي فتحت التساؤلات في صفقة البيع التي تولاها شخص مجهول هو سارق بلا شك ولص دولي لا بد من مقاضاته ومتابعته عبر الإنتروبول، وإن كانت الحكومة العراقية بشتى مسمياتها الحزبية الدينية والعلمانية عاجزة عن فعل ذلك بسبب انغماسها في الفساد الكلي، فإن منظمات فنية وإنسانية تهتم بتراث الشعوب قادرة على أن تكون هي الحكومات البديلة من أجل إنسانية الفن في كل مكان.

كاتب من العراق

14