التراث الشعبي الهندي في ضيافة أوبرا دمشق

إقليم البنجاب يستلهم الفنون الشعبية للحفاظ على هويته.
الخميس 2022/02/03
الفن الهندي طقوس حياتية

التراث الشعبي ليس مجموعة من الأغاني والمقطوعات الموسيقية والرسومات وغيرها من التفاصيل، بل هو حافظة حضارية تجمع طيفا واسعا من خصوصية أمة ما، فتقدمها بشكلها المميز وصورتها المحببة في العالم وبين الأمم. وليس أفضل من الفنون في تناول التراث الخاص بكل شعب أو أمة ونقله إلى الآخر. ومن خلال هذه النظرة الحضارية للتراث أقيم حفل فني تراثي قدم مجموعة من الفقرات الفنية الهندية أمام جمهور دمشقي متعطش لفن الأمم الأخرى.

بمناسبة مرور خمسة وسبعين عاما على استقلال الهند عن الاحتلال البريطاني، أقام المجلس الهندي للعلاقات الثقافية في سفارة جمهورية الهند بدمشق بالتعاون مع وزارة الثقافة السورية حفلا فنيا لفرقة بولا بانتشي في دار الأسد للثقافة والفنون (أوبرا دمشق) مساء يوم الحادي والثلاثين من يناير الفائت، قدمت فيه فرقة بهانغرا الدولية “بهولا بانتشي” مجموعة من الأغاني التراثية والمعزوفات الموسيقية من إقليم البنجاب في الهند.

وقدمت الفرقة أطيافا من التراث الشعبي في فنون الرقص والغناء والموسيقى، بما يحمله من مضامين شعبية تحاكي طبيعة وتفاصيل الحياة اليومية في الزراعة والحصاد وتحضير الطعام وبعض المناشط الاجتماعية في مهرجانات الرقص والزواج وقصص الحب التي تجمع الشباب والصبايا.

تراث وحياة

قالت لبانة مشوّح وزيرة الثقافة السورية التي حضرت الحفل في كلمة لها في مستهله إن “العلاقة بين الهند وسوريا كانت على الدوام متينة وقد ساهمت هذه العلاقة الخاصة في نقل المعارف والتراث إلى كل العالم”. كذلك لفتت إلى الدور الذي قامت به الحضارة العربية في نقل الحضارة الهندية وتأثيرها فيه، متمنية “تفعيل ذلك التلاقي الحضاري بين الجانبين لما فيه الخير لهما”.

أما سفير جمهورية الهند ماهيندر سينغ كاينال فقال “إن الهند بما تمثله من مساحة حضارية كبرى تنصهر فيها الكثير من المعتقدات والأفكار والفلسفات، تعد شكلا استثنائيا من أشكال الحياة، فيها عاش الاختلاف جنبا إلى جنب وقدمت للعالم حالة حضارية غنية”.

ولم تقدم الفرقة عروضا فنية معاصرة تعتمد لغة الحداثة، بل ذهبت لتقديم لوحات وأغان تمثل نسيج الحياة اليومية، فظهرت مواسم الزراعة والحصاد وبعض المحافل الاجتماعية كالمهرجانات الاجتماعية وحفلات الزواج وزيارات الأهل والأصدقاء وغيرها.

ومن الرّقصات التي قدمت في الحفل “مالواي غيدا” وهي رقصة شعبية مخصصة للذكور وفيها مزيج من الشعر والغناء وتتميز بالحيوية والنشاط. كذلك قدمت رقصة “جيندوا” وهي مخصصة لحالات الاحتفالات والمهرجانات وكذلك أيام الحصاد، وتتميز هذه الرقصة بمشاركة الجميع حيث يدعو الراقصون غير الراقصين إليها، كذلك يرقص فيها الأزواج مع بعضهم البعض بشكل رشيق وسريع.

ولعل الرقصة الأشهر التي قدمت في الحفل هي “بهانغرا” وهي مزيج من الرقص والغناء وجدت منذ مئات السنين، وكانت تقدم في أيام الحصاد والربيع وهي متابعة في كل العالم من خلال رشاقتها وأسلوبها المميز وانتشارها لاستخدامها في مقاطع سينمائية في بوليوود. كذلك قدمت مجموعة من المعزوفات التي استخدمت فيها الآلات الإيقاعية والنفخية الشعبية. وفي رقصة “لوك بوليان”، طلب بعض أعضاء الفرقة من الجمهور المشاركة في الرقص فاندفع عدد من الجمهور لكي يشاركوا الفرقة الفنية الهندية أجواء الرقص في جو فني نادر.

رقصات تتميز بالحيوية والنشاط

ويعرف العالم الموسيقى في البنجاب من خلال موسيقى وغناء الأفلام الهندية التي تشيع في العالم، وهو الأمر الذي أرادت الفرقة الوصول إليه من خلال ما قدمته في الحفل. ويقول مدرب الفرقة بارفندر سينغ باتشي “الموسيقى في إقليم البنجاب مليئة بالعاطفة والحيوية والجمال، وتتراوح ما بين الموسيقى الشعبية والصوفية إلى الكلاسيكية، وهي معروفة في كل العالم من خلال سينما بوليوود التي نقلت الكثير من هذه الموسيقى الشعبية إلى السينما. هذه الموسيقى الشعبية توجد في حفلات الزفاف والمهرجانات والمناسبات العائلية المختلفة، بل حتى في أوقات الحصاد، حيث يجتمع الناس ليعملوا ويغنوا معا”.

 ويتابع في الحديث عن الآلات الموسيقية التي تستخدم في البنجاب، قائلا “الآلات الموسيقية في البنجاب ترتبط بالتراث والثقافة المحلية، وخلال القرن الماضي استخدم أهالي البنجاب ما يزيد عن خمسين آلة موسيقية لا تزال معظمها مستخدمة، فهنالك آلة ‘الدهول’ التي تحظى بشعبية كبرى في الإقليم، ولها مكانة أساسية في الحفلات الاجتماعية كالزفاف”.

فنان آخر تحدث عن تقاليد الرقص قائلا “يمثل الرقص مادة تراثية هامة في تاريخ الهند بشكل عام، وفي البنجاب خاصة، إذ يمثل فن الرقص أحد أشكال الفن الشعبي الذي تطور خلال قرون طويلة من العمل الإنساني. وبعد الاستقلال سعت الدولة لبناء هوية وطنية ترتبط بشكل قوي بالتراث، وهذا ما أدى إلى استعادة العديد من اللوحات الراقصة التي كادت تندثر، ومن هنا تطور فن ‘البانجرا’ الذي هو أهم أنواع الرقص في البنجاب وفيه صورة الهوية الهندية، كما وجدت رقصات موازية منها ‘سامي’ و’لودي’ و’دانداس’ وغيرها”.

تاريخ وحضور

الرقص مادة تراثية هامة في تاريخ الهند

لا ينظر شعب البنجاب إلى موضوع الفنون الشعبية على أنها ترف حياتي يقضون من خلاله وقتا مميزا فحسب، بل هي صورة نابضة بالحياة توثق تاريخهم وتميزهم في تاريخ المنطقة والعالم. ويقول مشارك في الفرقة “الفنون الشعبية تساعد في الحفاظ على الهوية، والمجتمع في البنجاب يحتفي بالإنسان منذ ولادته وحتى وفاته في العديد من الطقوس الحياتية الفنية وغيرها، وفي كل ذلك هنالك موسيقى وغناء ورقص، فمثلا هنالك أغان في الزفاف وأخرى عن وجود أطفال وكذلك عند الوفاة. في البنجاب مثلا يستمر حفل الزفاف لعدة أيام، ولكل منها تقاليدها في الموسيقى والغناء والرقص، نحن ما زلنا إلى الآن نعلم أطفالنا كل هذه الطقوس الفنية حفاظا منا على الخصوصية الحضارية التي تميزنا”.

ويتابع “الفنون الشعبية هي مكان نحفظ فيه الثقافة المحلية التي تتضمن المعتقدات وطريقة التفكير والعادات وغيرها، وهي التي تشكل المزاج العام لشعبنا، وتحتوي على العديد من التمظهرات منها ما يبدأ بمناشدة الله في السماوات مرورا ببعض الحالات الاجتماعية الضيقة التي تتعلق بمشاريع حياتية بسيطة مثل السفر والشفاء من المرض وغيره”.

الموسيقى في إقليم البنجاب مليئة بالعاطفة والحيوية وتتراوح ما بين الموسيقى الشعبية والصوفية إلى الكلاسيكية

ويمثل إقليم البنجاب جانبا هاما من تاريخ الهند الطويل، وفيه عصارة تاريخ الأمة الهندية بكل أطيافها الحضارية بدءا بالفكر إلى الفنون والتراث وحتى السياسة والاقتصاد، فتاريخ البنجاب هو جزء أساس من تاريخ وادي السند منها حضارة هارابا التي وجدت ما بين عامي 2500 إلى 1800 قبل الميلاد. وهي بذلك من أقدم الحضارات التي عرفتها هذه الأرض الغنية بالخيرات والإبداع.

ودخلت أعراق بشرية كثيرة الإقليم وعاشت فيه، منهم الآريون الذين دخلوه عام 1200 قبل الميلاد تقريبا وكان البنجاب جزءا من الإمبراطورية الفارسية التي انتهى عهدها بها عام 486 قبل الميلاد، كذلك احتله جيش الإسكندر وكان جزءا من مملكته. ثم وجدت فيه الديانة المسيحية ثم الإسلامية في القرن الثامن الميلادي. وفي عام 1849 احتل البريطانيون الهند ومنها البنجاب وكافح شعبها حتى نال الاستقلال عام 1947. وبعد الاستقلال وبسبب موقعه الجغرافي الذي يقع بين دولتي الهند وباكستان في العصر الراهن، قسم الإقليم إلى بنجاب شرقي تابع للهند ويسكنه الهندوس وغالبيتهم من السيخ وآخر غربي تابع لباكستان وتسكنه غالبية إسلامية مع وجود أقليات.

13