التدخل الأميركي يهدد بتوتير علاقة البرلمان بالمحافظ الجديد لمصرف ليبيا المركزي

بات التدخل الأميركي على خط الأزمة المالية في ليبيا، يهدد بمزيد تعقيد العلاقة بين مجلس النواب الليبي بمحافظ المصرف المركزي الجديد ناجي عيسى وهو ما اعتبره البرلمان، أمر مستغرب ومستهجن ويعد خرقا للقوانين.
ودعا فوزي النويري النائب الأول لرئيس مجلس النواب، محافظ البنك المركزي إلى "إبقاء المصرف بعيدا عن تأثير السفارات"، مستهجنا تدخل السفارة الأميركية لدى طرابلس في الشأن المالي للبلاد.
وجاء موقف النويري الذي صدر عبر بيان رسمي نشره مجلس النواب بموقعه الإلكتروني الخميس، بالموازاة مع نشر مواقع إخبارية ليبية وتونسية خبرا عن انطلاق "اجتماع المجموعة المصغرة للحوار الاقتصادي الأميركي ـ الليبي برعاية من السفارة الأميركية لدى ليبيا لبحث ترتيبات مالية للدولة الليبية".
وبينما لم يصدر أي بيان رسمي بشأن انعقاد الاجتماع، قالت صحيفة 'فواصل' الليبية إنه انطلق في تونس مساء الخميس بحضور القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى ليبيا جيرمي برنت ونائب مساعد وزير الخزانة الأميركي إريك ماير والمحافظ الجديد لمصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى ورئيس لجنة المالية بمجلس النواب عمر تنتوش، إضافة إلى رئيس ديوان المحاسبة الليبي خالد شكشك ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة وممثلين عن حكومة الوحدة الوطنية والحكومة المكلفة من مجلس النواب وممثلين عن قوات شرق ليبيا التي يقودها المشير خليفة حفتر.
وأضاف النويري في بيانه "نستغرب ونستهجن من يتبنى ويرعى هذه اللقاءات المشبوهة التي يرفضها المنطق والعقل وقبلهما القانون المالي للدولة"، محذرا من "تصرفات المؤسسات والشخصيات المنخرطة في ذلك كالمصرف المركزي الذي هو بالأساس مؤسسة فنية تدير السياسة النقدية فقط وفق التشريعات المالية للدولة وليست مؤسسة سياسية".
وأكد النويري أن "الموازنة العامة للدولة والترتيبات المالية فيها شأن سيادي بحت وضمن النطاق المحفوظ لسلطانها ما لم تكن خاضعة لترتيبات خارجية بسبب مساعدات أو ملتزمة بقيود اقتراض"، معتبرا أن "تدخل سفارة الولايات المتحدة وإصرارها على فرض ترتيبات مالية على الليبيين أمر مستغرب ومستهجن ويعد خرقا للقوانين فضلا عن كونه إخلالا بمبدأ عدم التدخل المقر في كافة المواثيق الدولية الذي يعد أساس سيادة أي دولة".
وكان مجلس الأمن الدولي قد دعا إلى إعداد ميزانية جديدة لليبيا بما يعني إلغاء الميزانيتين اللتين صادق عليهما مجلس النواب في أبريل ويوليو الماضيين واللتين تعدان الأضخم في تاريخ البلاد ، فيما استغل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح زيارته إلى واشنطن للتنصل من أية علاقة تجمع مؤسسات شرق ليبيا مع روسيا.
وأعلن رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي ترحيبه بالبيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي. وقال إنه "جسد رؤيتنا الشاملة للحل السياسي القائم على الملكية الليبية والتوافق وإنجاز الاستحقاقات بمرجعية الاتفاق السياسي وخارطة الطريق" ، مضيفا "في كل مشاركاتنا السابقة بالمسار الاقتصادي المنبثق عن مؤتمر برلين تمسكنا بسيادتنا على مواردنا وبالملكية الوطنية لإدارة عوائد النفط عبر تشكيل لجنة ترتيبات مالية تؤسس لميزانية موحدة".
وتضمن بيان مجلس الأمن الدولي دعوة الأطراف الليبية إلى تنفيذ اتفاق المصرف المركزي كاملا وسريعا، مشددا على ضرورة اتخاذ الخطوات اللازمة نحو استكمال الترتيبات المالية وإعداد ميزانية موحدة.
وجاء في البيان أن أعضاء مجلس الأمن رحبوا بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الأطراف الليبية بشأن مصرف ليبيا المركزي وإقراره من قبل مجلس النواب ومجلس الدولة. ودعوا جميع الأطراف الليبية إلى تنفيذ الاتفاق بشكل كامل وسريع بما في ذلك تعيين مجلس إدارة. كما دعوا المؤسسات ذات الصلة إلى اتخاذ الخطوات اللازمة نحو استكمال الترتيبات المالية وإعداد ميزانية موحدة لضمان استقرار النظام المالي الليبي ومصلحة كافة الليبيين.
وكشف بيان مجلس الأمن ومسارعة الرئاسي للترحيب به، عن أحد أسباب الإطاحة بالمحافظ السابق للمصرف المركزي الصديق الكبير، وهو تفعيل ميزانية الدولة التي أثارت الكثير من الجدل في الأوساط الليبية وقوبلت برفض حكومة الوحدة الوطنية ومجلس الدولة الاستشاري .
وفي يوليو الماضي، صادق مجلس النواب الليبي بشكل رسمي على اعتماد مخصصات إضافية للميزانية المالية لعام 2024 التي بلغت قيمتها 88 مليار دينار ليبي (18.3 مليار دولار)، ليصل إجمالي الميزانية العامة للعام الجاري 179 مليار دينار، بفارق 90 مليار دينار عن ميزانية العام الماضي.
وقبل ذلك صادق المجلس في أبريل الماضي على مشروع موازنة عامة للبلاد للعام الجاري للحكومة الليبية المكلفة منه برئاسة أسامة حماد، بقيمة 90 مليار دينار ويعد التصويت الأخير بمنزلة اعتماد مخصصات إضافية.
وكان مجلس الدولة رفض إقرار الميزانية العامة واعتبرها تجاوزا وإجراءات منفردة تقود إلى مزيد من الانقسامات والهدر للموارد والمقدرات العامة، محذرا من خطورة هذا المآل وتداعياته، داعيا كل ذي مصلحة إلى الطعن في الخطوة بالمخالفة أمام القضاء المختص، وفق خطاب رسمي موجه للبرلمان.
وجاء بيان مجلس الأمن بعد الإحاطة التي تقدمت بها القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية في ليبيا ستيفاني خوري(لمجلس الأمن)، حيث أكدت أن استمرار الإجراءات أحادية الجانب لن يؤدي إلا إلى تقويض سيادة ليبيا وإغراق البلاد في المزيد من الأزمات وتشتيت الانتباه عن المهمة المطروحة ألا وهي تمهيد السبيل لحل سياسي شامل، حل يعالج قضايا مثل الانقسام الحالي داخل مؤسسات الدولة والحاجة إلى حكومة موحدة واستعادة الشرعية الديمقراطية عن طريق الانتخابات.
وأضافت أن الليبيين أوضحوا رغبتهم في إجراء عملية سياسية لمعالجة القضايا الأساسية بعيدة المدى وتشمل هذه القضايا طبيعة الدولة الليبية وبنيتها والتوزيع العادل للثروات على جميع الليبيين. وهذا يستلزم حوارا شاملا.
وتابعت أن الأحداث الأخيرة أظهرت أن تدابير بناء الثقة، مثل إنهاء الإجراءات أحادية الجانب أو تأمين ضمانات للوفاء بالالتزامات المتعهد بها، أكثر أهمية من أي وقت مضى للتقدم في إجراء عملية سياسية بناءة ، مشيرة إلى أن حل أزمة المصرف المركزي يعطي بارقة أمل في إحراز تقدم في عملية سياسية شاملة تيسرها الأمم المتحدة ويمكنها أن تضع البلاد على طريق الانتخابات العامة واستقرار طويل الأمد.
وتعمل البعثة بجد بهدف دفع هذه العملية إلى الأمام والتي يظل الدعم الدولي أمرا حاسما لإجرائها.
وأكد مندوب الولايات المتحدة بمجلس الأمن على ضرورة الدفع نحو تسوية سياسية في ليبيا تحدد خارطة طريق تقود إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة تفضي إلى حكومة خاضعة للمساءلة.
وقال في كلمته أمام المجلس "نشجع كل الأطراف على الاتفاق حول ميزانية موحدة لتمكين التوزيع المتساوي لعائدات النفط"، داعيا إلى تفادي اتخاذ التدابير أحادية الجانب للتخفيف من التصعيد في ليبيا، فالوضع الراهن غير مستقر ويزيد من الخلافات ويهدد سيادة البلاد.
كما شدد على ضرورة وضع حد للخلاف حول قيادة المصرف المركزي، لافتا إلى أن اتفاق المصرف المركزي خطوة أساسية للحد من التبعات السلبية لأزمته التي قوضت ثقة النظام المالي العالمي.
أما مندوبة بريطانيا لدى الأمم المتحدة باربرا ودورد، فرأت أن التدابير الأحادية التي اتخذتها الأطراف السياسية في ليبيا هددت استقرار البلاد أكثر من أي وقت مضى وهي تحتاج لتسوية طويلة الأمد.
وقالت "نواصل دعوة القادة إلى الانخراط في عملية سياسية بروح التوصل إلى توافق وحلول وسط"، لافتة إلى أن الشهرين الماضيين أظهرا هشاشة الوضع في ليبيا. كما رحبت باتفاق تعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي، داعية إلى ضرورة الاتفاق سريعا على مجلس إدارة المركزي بعيدا عن التجاذبات السياسية والعمل على إعادة بناء الشرعية والمصداقية للمصرف مع المؤسسات الدولية.
وأعربت عن قلقها من تقلص الفضاء المتاح للمجتمع المدني في ليبيا، في ظل المخاطر والأعمال الانتقامية ضد نشاطهم وانعدام حماية النساء وتقويض مشاركتهم في كل جوانب الحياة السياسية والاجتماعية.
ودعا مندوب روسيا لدى مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا، المجتمع الدولي أن يساعد كل الليبيين في التوصل إلى عملية سياسية تفضي إلى حكومة موحدة. وقال في كلمته أمام المجلس إن مستقبل ليبيا يستلزم إيجاد أرضية مشتركة لحل الأزمة في البلاد ويجب ألّا تكون ليبيا ساحة لتصفية الحسابات الدولية.
وشدد على ضرورة توحيد القوات المسلحة في كامل ربوع ليبيا، مؤكدا أن بلاده ستواصل تقديم الدعم الشامل للانسحاب المتوازن والتدريجي للمجموعات الأجنبية المسلحة من ليبيا.
وفي الأثناء، حاول رئيس مجلس النواب عقيلة صالح التقرب من صانع القرار الأميركي والتنصل من العلاقات مع موسكو. وقال إن الولايات المتحدة قادرة على مساعدة ليبيا لتجاوز الانقسام وأزمتها السياسية.
وأضاف في مقابلة أجراها مع قناة 'الحرة' على هامش زيارته إلى واشنطن، إن "ليبيا تعول على واشنطن لحل أزمة الانقسام في البلاد"، لافتا إلى أن الإدارة الأميركية تستطيع التأثير لإنهاء الأزمة، لأن "هناك تدخلا من بعض الدول وهو سبب التأخر في قضية الانتخابات"، متوقعا أن تنتهي الفوضى والانقسام بمجرد تشكيل حكومة موحدة "وهو ما نسعى إليه".
وأكد عقيلة صالح أن قانون انتخاب الرئيس موجود وقانون انتخاب البرلمان موجود عند المفوضية العليا للانتخابات "لكن نحتاج لسلطة تمهد وتجهز لهذه الانتخابات"، مضيفا أنه لا يمكن ذلك إلا بحكومة موحدة توفر المال وتوفر الأمن وكل العمل اللوجستي للمفوضية العليا للانتخابات.
واعتبر أن حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، فشلت في كل المهام التي جاءت من أجلها وبالتالي "لا توجد حكومة شرعية لا تنال ثقة البرلمان ولا يستطيع البرلمان أن يحاسبها إذا كان هناك فساد".
كما نفى صالح وجود أي قوات روسية في البلاد بموافقة رسمية من السلطات التي يمثلها، مشيرا إلى أن البلاد تعرف تواجد مجموعات عسكرية مختلفة بما فيها إيطالية وتركية. وقال إنه لا وجود لمعاهدة رسمية مع روسيا بشأن تواجد قوات عسكرية، مشيرا إلى أن الفوضى في البلاد سبب تواجد عدة تشكيلات عسكرية مختلفة ومخابرات أجنبية.