التدخلات الخارجية تفاقم الأزمة الليبية وتطرح ضرورة التعامل معها بموقف وطني موحد

فتحت أزمة المصرف المركزي الليبي والتهديد بغلق المنشآت النفطية، واللذين خلفا تجاذبات سياسية بين حكومتي غرب ليبيا وشرقها، الباب أمام التدخلات الخارجية، وسط دعوات إلى ضرورة حلحلة الأزمة عبر بلورة موقف ليبي موحد بين مختلف مكونات المشهد، فضلا عن إجلاء المرتزقة.
طرابلس - عاد ملف التدخلات الخارجية ليفرض نفسه بقوة على المشهد الليبي في ظل الأزمة المتفاقمة وأحدث فصولها المتعلق بالمصرف المركزي وغلق منشئات النفط.
وتشهد طرابلس وبنغازي تحركات على نطاق واسع للبحث عن مخرج من المأزق المستجد، فيما تشير أوساط داخلية إلى ضرورة الاستفادة من التطورات الحالية للمناداة بضرورة إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة من مختلف مناطق البلاد، وذلك لضمان القطع مع حالة الاستقطاب الحاد والتجاذبات المستمرة نتيجة صراع النفوذ بين القوى المتداخلة في الشأن الداخلي للبلد العربي الثري في شمال أفريقيا.
وأكدت لجنتا الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والدولة رفضهما القاطع لأيّ تواجد عسكري أجنبي على الأراضي الليبية، وطالبتا بإجراءات عاجلة لإبعاد كافة المرتزقة والمقاتلين الأجانب.
وحمّلت اللجنتان مسؤولية تنفيذ بنود اتفاقية وقف إطلاق النار المتعلقة بإخراج المرتزقة إلى اللجنة العسكرية المُشتركة “5+5″، مشددتين على ضرورة الكشف عن مواقعهم وأسباب تواجدهم، ووضع آلياتٍ واضحة لإبعادهم عن البلاد.
ونددتا بالاعتداء الحاصل على مصرف ليبيا المركزيّ وتغيير إدارته بالقوة، معتبرتين ذلك تهديدا للأمن القوميّ وكيان الدولة، وطالبتا بضرورة “فصلِ العمل الأمني عن العسكري”، وشددتا على أن تتولى وزارة الداخلية الالتزام التام بالتشريعات الليبية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وضرورة مراجعة كافة القوانين المنظمة للقطاع الأمنيّ.
لجنة 5+5 أعلنت خلال اجتماعها في سرت أنها تعمل ضمن إطار محدد يتعلق بوقف إطلاق النار في ليبيا
ودعا البيان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى إطلاق حوار بين مجلسي النواب والدولة، بهدف توحيد السلطة التنفيذية والمناصب السيادية، تمهيداً لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وأعلنت السفارة الأميركية في ليبيا عن لقاء جمع قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا “أفريكوم” الجنرال مايكل لانغلي رفقة القائم بأعمال السفارة جيمي برنت مع خليفة حفتر في بنغازي، لمناقشة التزام الولايات المتحدة بتعزيز شراكتها مع الليبيين من جميع أنحاء البلاد.
وشدد الجنرال لانغلي خلال اللقاء على أهمية الحفاظ على استقرار ليبيا وخفض التصعيد في ظل “التوترات الحالية”، ودعا جميع الأطراف الليبية إلى المشاركة بشكل بناء في حوار بدعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والمجتمع الدولي.
وأكد برنت أهمية هذه الزيارة، مشيرا إلى أنه سيقوم رفقة الجنرال لانغلي بلقاء “قادة الدفاع والأمن” في الغرب والشرق لبحث كيف يمكن للولايات المتحدة أن تسهم في توحيد القوات العسكرية الليبية وتأمين سيادة البلاد.
من جانبه، قال المكتب الإعلامي لقوات حفتر إن الأخير رحب بزيارة الوفد الأميركي، مؤكدًا أهمية تعزيز التنسيق والتعاون المشترك في مكافحة الإرهاب والتطرف.
وأوضح المكتب الإعلامي أن “الاجتماع تناول أهمية تطوير الشراكة بين البلدين بما يخدم الأهداف والمصالح المشتركة، وتبادل الخبرات في المجالات العسكرية والأمنية”.
كما كان لرئيسة بعثة للأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني خوري لقاء مع السفير الروسي لدى ليبيا أيدار أغانين، بحثا خلاله المستجدات الراهنة في ليبيا والعملية السياسية وركزا على الأزمات الجديدة التي نشأت أثناء هذا الشهر.
وبحسب محللين محليين، فإن تلك الاجتماعات جاءت في إطار البحث عن نقاط توافق بين الأطراف الدولية المؤثرة في الملف الليبي بما ينعكس إيجابا على أزمة مصرف ليبيا المركزي وغلق المنشئات النفطية، ويساعد على إقناع الفرقاء بضرورة الاجتماع حول طاولة واحدة.
وكانت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 أعلنت الأحد الماضي خلال اجتماعها في مدينة سرت “أنها تعمل ضمن إطار محدد يتعلق بوقف إطلاق النار ومراقبة تنفيذه وأنها لم تكلف بتوحيد المؤسسة العسكرية ولا تملك الصلاحيات الكافية والإمكانات اللازمة لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية أو تنظيم وضم المجموعات المسلحة وأن ذلك من صلاحيات الأجسام التنفيذية بالدولة”.
كما أكدت اللجنة “التزامها التام بتفعيل مقرها في سرت والعمل من خلاله وحصر اجتماعاتها في مقرها في سرت بشكل دائم إلى حين انتهاء مهمتها المكلفة بها”، مشيرة إلى أنها “تدارست حالة الانقسام السياسي وتأثيره على تنفيذ باقي بنود وقف إطلاق النار وكذلك على حالة الأمن القومي للدولة بشكل عام”، منوهة بأنها “ستعلن موقفها من ذلك لليبيين في الأيام القليلة المقبلة”.
ورأى نائب رئيس المجلس الانتقالي السابق، عبد الحفيظ غوقة، أن “تفاقم الأوضاع العسكرية والأمنية، سببه عدم التزام الدول بإخراج قواتها من ليبيا، وفق مخرجات برلين”، وقال إن “اتفاق برلين نص على ضرورة خروج كل القوات الأجنبية من ليبيا، لكن للأسف التدخلات الخارجية لا تريد التوقف” لافتا إلى أن “الاتفاق منذ وقت توقيعه عام 2020 نص على تنفيذ مهمة خروج القوات الأجنبية، وإعادة إدماج الجماعات المسلحة في 3 أشهر”.
وأوضح غوقة أنه “لو كان المجتمع الدولي ضغط لتنفيذ ذلك لكُنا في وضع مختلف تمامًا”، مبرزا أن “الدول التي حضرت في برلين في يناير 2020 ويوليو 2021 والتزمت بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، لم تلتزم ولم تُخرج قواتها من ليبيا”، ملاحظا أن “هذه الدول لم تساعد بتوحيد المؤسسة العسكرية، وهذا ما أدى لتفاقم الأوضاع الأمنية والعسكرية بالبلاد”.
وفي الأثناء، تتجه خوري لإطلاق مبادرة سياسية جديدة بهدف العمل على حلحلة الأزمة المتفاقمة في البلاد وجمع الفرقاء تحت مظلة حوار وطني شامل سيجمع في مرحلة أولى بين أعضاء مجلسي النواب والدولة.
ورجحت مصادر مطلعة أن يتم الإعلان عن المبادرة الجديدة في منتصف سبتمبر القادم، بعد أن تكون خوري قد أنهت سلسلة مشاوراتها مع الفرقاء الداخليين ودول الجوار والقوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف الليبي.
وأكدت المصادر أن المبادرة الجديدة سترتكز على جملة من الملفات المهمة ومن بينها المصالحة الوطنية وفق المخرجات التي ستنبثق عن مؤتمر أديس أبابا الذي سينعقد برعاية الاتحاد الأفريقي في أكتوبر القادم، وتثبيت قرار وقف إطلاق النار الصادر في أكتوبر 2020 ، وتوحيد المؤسسة العسكرية، واتخاذ موقف حاسم وعملي من موضوع القوات الأجنبية والمرتزقة بما يفسح المجال أمام تنظيم انتخابات تعددية وديمقراطية سواء بالنسبة للاستحقاق الرئاسي أو التشريعي.
وفي أحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن، قالت خوري أن المضي قدما في عملية سياسية ناجحة سيتطلب جهودا صادقة من جانب القادة والجهات السياسية والأمنية الفاعلة، ويستوجب مشاركة طيف أوسع من الليبيين، ومقاربة منسقة لدعم المحادثات الليبية من قبل المجتمع الدولي، مؤكدة أن دعم المجتمع الدولي للجهود التي تقودها ليبيا أمر لا غنى عنه. كما وعدت بمواصلة العمل لتحقيق هذا الأمر من خلال إشراك أعضاء المجتمع الدبلوماسي في ليبيا، وتنسيق المواقف معهم، وفي العواصم الخارجية استعدادا لإطلاق المسار الموازي من المحادثات السياسية.
المراقبون يؤكدون على أن أول خطوة في اتجاه حل الأزمة الليبية لابد أن تمر عبر اتخاذ موقف وطني موحد من التدخلات الأجنبية حتى لا يستمر إخضاع البلاد لإكراهات الصراع الجيوسياسي
ويرى مراقبون، أن القائمة بأعمال رئيس البعثة الأمية تسعى لتجنب الوقوع في المطبات التي كان قد وقع فيها سلفها عبدالله باتيلي الذي طرح في نوفمبر 2023 مبادرة قوبلت بالرفض من مختلف الأطراف السياسية، وأدت إلى الإطاحة به في أبريل 2024 بعد 18 شهرا من توليه منصبه.
ورد المراقبون فشل مبادرة باتيلي إلى عجزه عن جمع الشخصيات الأساسية في المشهد الليبي حول طاولة واحدة، وهي رؤساء المجلس الرئاسي ومجلس النواب ومجلس الدولة وحكومة الوحدة الوطنية والقائد العام للجيش الوطني.
ويؤكد المراقبون، على أن أول خطوة في اتجاه حل الأزمة الليبية لابد أن تمر من اتخاذ موقف وطني موحد من التدخلات الأجنبية حتى لا يستمر إخضاع البلاد لإكراهات الصراع الجيوسياسي في المنطقة والعالم.
وبحسب محللين متابعين للشأن الليبي، فإن الدبلوماسية الأميركية المخضرمة من أصول عربية، التي تقود البعثة الأممية تراهن على دعم مباشر من دول الجوار ومن الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي يساعدها على إقناع مختلف الفرقاء الليبيين بضرورة تجاوز مرحلة الانقسام التي اعرفها البلاد منذ العام 2014 وحالة الفوضى التي لا تزال تفرض نمطها على المشهد العام منذ العام 2011 ، بما يؤدي إلى بناء دولة للقانون والمؤسسات وتكريس النظام التعددي الديمقراطي في البلد الثري الواقع في شمال أفريقيا، على أن يتم العمل على تحقيق توافق ليبي – ليبي بخصوص التدخلات الخارجية المتفاقمة منذ العام 2011.
وكانت خوري عقدت عددا من الاجتماعات التشاورية في العواصم الإقليمية، وقالت إن من التقتهم، أعربوا لها عن التزامهم بدعم البعثة الأممية في إعدادها لأسس إطلاق هذه المحادثات السياسية الموسعة.
وإلى جانب عقد محادثات سياسية بشأن تشكيل حكومة موحدة وإجراء الانتخابات بما يتماشى مع القوانين الليبية الحالية، ستواصل البعثة الأممية تفعيل مجموعات العمل الاقتصادية والأمنية وتلك المعنية بالقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان.