التداعيات الأوكرانية: تركيا وإسرائيل تقلبان فكرة التعاون المشترك

تشير مأدبة عشاء أخيرة في واشنطن إلى أن زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ المرتقبة إلى تركيا، يمكن أن تكون أكثر من وضع حد للعلاقات المتوترة بين الحليفين السابقين.
وحضر العشاء سفراء إسرائيل وتركيا وأوزبكستان وكازاخستان في واشنطن، واستضافه مبعوث أذربيجان. وهدف إلى إيجاد طريق لتعاون اقتصادي وأمني أوثق بين إسرائيل وتركيا، التي لها علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية.
ولا تكمن أهمية العشاء في حقيقة أنه نُظّم قبل زيارة هرتسوغ فقط، فقد التقى السفراء بينما تهدد الأزمة الأوكرانية بإجبار تركيا على الاختيار بين الناتو وروسيا.
كما حاولت تركيا وأذربيجان ودول آسيا الوسطى قبل ثلاثة أشهر بث روح جديدة في مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية.
وتبقى تركيا عضوا في حلف شمال الأطلسي بينما تربطها علاقات وثيقة بروسيا التي باعت لها نظاما مضادا للصواريخ. لكن تركيا دعمت أوكرانيا، وشددت التعاون العسكري مع الدولة المحاصرة الواقعة في أوروبا الشرقية، وأدانت الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم في 2014.
وزار أردوغان كييف في وقت سابق من هذا الشهر، لكنه رأى عرضه للتوسط في النزاع الأوكراني مع روسيا مرفوضا في موسكو.
وقال الرئيس التركي منذ ذلك الحين إنه يود استئناف المحادثات مع إسرائيل بشأن نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، حيث قد تتعرض إمدادات الغاز في أوروبا للخطر إذا فرض الغرب عقوبات على روسيا، ردا على عملية عسكرية روسية محتملة في أوكرانيا. كما قد توقف العقوبات مبيعات الغاز الروسي إلى أوروبا.
من شأن التعاون التركي – الإسرائيلي في مجال الغاز أن يعزز محاولة أردوغان لوضع تركيا كمركز للطاقة البديلة لأوروبا
ويمكن أن تؤثر العقوبات على ترك ستريم أيضا، وهو خط أنابيب غاز يمر من روسيا تحت البحر الأسود إلى تركيا، حيث يضخ الغاز إلى أوروبا.
ومن شأن التعاون التركي – الإسرائيلي في مجال الغاز أن يعزز محاولة أردوغان لوضع تركيا كمركز للطاقة البديلة لأوروبا. وقالت أذربيجان إنها مستعدة لتزويد أوروبا بالغاز الطارئ الذي سيتدفق عبر تركيا، إذا عطلت الأزمة الأوكرانية الشحنات الروسية.
وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تؤكد الزيارة بعدُ، يبدو هرتسوغ مستعدا لأن يصبح أول رئيس دولة إسرائيلي يزور تركيا منذ 15 عاما. وكان مايكل، شقيق هرتسوغ، هو السفير الإسرائيلي في واشنطن الذي حضر العشاء.
وانهارت العلاقات بين إسرائيل وتركيا بعد أن قتل كوماندوس إسرائيلي 10 نشطاء أتراك عام 2010 على متن سفينة، كانت جزءا من قافلة بحرية تحاول اختراق الحصار الإسرائيلي المصري على غزة.
وفي الشهر الماضي، كانت مكالمة هاتفية بين يائير لبيد ومولود جاويش أوغلو أول محادثة مؤكدة بين وزيري خارجية البلدين منذ 13 عاما.
وأدى الاعتقال في نوفمبر بتهمة التجسس والإفراج عن زوجين سائحين إسرائيليين لالتقاط صور لقصر طولمة باغجة في إسطنبول، أحد المعالم السياحية الرئيسية في المدينة، إلى الدعوة ومهدت الطريق لتقارب إسرائيلي – تركي.
وكان القصر على ضفاف البوسفور مقرا إداريا للسلاطين العثمانيين في القرن التاسع عشر، ومكانا لوفاة مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك في 1938.
وكان إطلاق سراح الزوجين سبب أول مكالمة هاتفية بين أردوغان وكبار القادة الإسرائيليين منذ تسع سنوات، حيث اتصل هرتسوغ ورئيس الوزراء نفتالي بينيت بالرئيس التركي بشكل منفصل لشكره.
وخدم إطلاق سراح الزوجين الإسرائيليين والتواصل مع أردوغان أغراضا متعددة، حيث لم يكن الرئيس التركي يريد أن يخيف الحادث السائحين الذين هو بأمس الحاجة إليهم في وقت أزمة اقتصادية حادة.
كما أتاح الحادث لأردوغان فرصة لخطوة في إتجاه إسرائيل وتقليص الميزة الجيوسياسية لدولة الإمارات العربية المتحدة في الحفاظ على علاقات وثيقة مع الدولة العبرية. ومن وجهة نظر أردوغان، أدت الأزمة الأوكرانية إلى زيادة فائدة تحسين العلاقات مع إسرائيل.
ووصل أردوغان هذا الأسبوع إلى الإمارات العربية المتحدة في زيارة تستغرق يومين كجزء من عملية التوازن الإقليمي، التي تحاول فيها دول الشرق الأوسط المختلفة ضمان عدم خروج خلافاتها والصراعات الإقليمية المتعددة عن السيطرة.

وأعلن ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان أن هذه الزيارة هي الأولى لأردوغان منذ ما يقرب من عقد من الزمان، باعتبارها بداية “مرحلة جديدة مزدهرة” من التعاون مع تركيا، حيث تعدّ الإمارات العربية المتحدة الشريك التجاري الأول لتركيا في الخليج.
كما ذكرت صحيفة صباح اليومية التركية المؤيدة للحكومة في الأيام الأخيرة، أن المخابرات التركية أحبطت في الخريف الماضي محاولة لاغتيال رجل الأعمال التركي الإسرائيلي يائير جيلر.
ويشك بعض المحللين في أن توقيت الكشف كان يهدف إلى مواجهة الدعوات الإسرائيلية لتركيا لوقف دعمها لحركة حماس الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة، في إطار التقارب مع إسرائيل.
وقالت الصحيفة إن عددا من المشتبه بهم المرتبطين بإيران اعتقلوا. وأشار مسؤولون أتراك إلى أن محاولة الاغتيال جاءت ردا على مقتل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في 2020 على يد عملاء إسرائيليين.
ويعدّ إصلاح العلاقات مع إسرائيل وإقامة شراكة محتملة في القوقاز وآسيا الوسطى بالنسبة لأردوغان مثل السير على حبل مشدود، حيث يتعين عليه أن يوازن بين تحسين العلاقات مع دول مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي ينظر إليها منتقدوها على أنها تخلت عن الدفاع عن القضايا الإسلامية، بما في ذلك محنة الفلسطينيين، مع تقديم نفسه على أنه الزعيم المسلم الذي يهتم بأتباع الديانة.
ونتيجة لذلك، أوضح جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، الأسبوع الماضي أن “أي خطوة نتخذها مع إسرائيل بخصوص علاقاتنا، وأي تطبيع، لن تكون على حساب القضية الفلسطينية، مثل بعض الدول الأخرى”.
وفي نفس الوقت تقريبا، وجهت تركيا الاتهامات إلى 16 شخصا اعتقلوا الخريف الماضي بتهمة الانتماء إلى شبكة تجسس إسرائيلية. ونفت مصادر استخباراتية إسرائيلية وجود مثل هذه الشبكة.
وقال كبير مراسلي الشرق الأوسط ومحلل شؤون المنطقة بصحيفة “جيروزاليم بوست” سيث فرانتزمان “إن اتهامات أنقرة بـ’التجسس’ والتهديدات الظاهرة بطلب مقابل أرفع لإخلاء سبيل المحتجز، تظهر أنها كانت تستخدم دبلوماسية الرهائن التي تشمل سياحا أبرياء. هكذا تصرفت حماس المدعومة من الحزب الحاكم في أنقرة… ذلك أن الأنظمة العادية لا تحتجز الأبرياء”.