التخصص يقابل الوظيفة.. نظام جديد للتعليم الفني في مصر

تسارع الحكومة المصرية إلى نسف منظومة التعليم الفني بشكل جذري، واستحداث أخرى يرتبط خريجوها بسوق الشغل، وقررت وزارة التربية والتعليم في هذا الشأن استلهام أفكار من التجارب الأجنبية، ومحاولة اختيار الأفضل والأنسب للمدارس الفنية لإصلاح مسار الاقتصاد والقضاء على البطالة.
الثلاثاء 2017/11/21
قطع مع الأساليب القديمة في الإنتاج

القاهرة - قررت الحكومة المصرية أن يلتحق مليونا طالب وطالبة في ألفي مدرسة فنية بمختلف التخصصات (الصناعي والزراعي والتجاري والفندقي) وفق المنظومة الجديدة، ابتداء من العام الدراسي المقبل. ويجري تحديث المناهج الدراسية وإلغاء بعض التخصصات التي لم تعد تفيد سوق العمل، ومواكبة التنمية الاقتصادية مع تغيير شكل وطريقة الامتحانات وطرق التقييم كليّا.

وتحظى خطة نسف النظام الحالي في التعليم الفني بدعم رسمي لأنه يتضمن مناهج قديمة وتخصصات تجاوزها الزمن، في ظل توجه الحكومة نحو الاهتمام بالشق التنموي والاقتصادي ورغبتها في إصلاح التعليم الفني كي ينتج خريجين على درجة من الكفاءة تتناسب مع التطورات والطموحات.

وأدخلت وزارة التربية والتعليم مستثمرين ورجال صناعة وشركات كبرى لوضع المناهج الجديدة باعتبار أنهم أقدر على معرفة احتياجات سوق العمل، بحيث تكون المناهج والتخصصات مواكبة لمتطلبات السوق، ويصبح كل تخصص جديد يساوي فرصة عمل جديدة.

وتعتمد المنظومة الجديدة للتعليم الفني على ثلاثة مسارات؛ الأول تغيير النظرة المجتمعية لطالب المدارس الفنية، ويُنظر إليه على أنه درجة ثانية أو محدود الكفاءة، لأن هذه النوعية من المدارس لا تقبل سوى الطلاب الحاصلين على درجات متدنية في الشهادة الإعدادية في حين يلتحق أصحاب الدرجات المرتفعة بمدارس الثانوية العامة.

وقال طارق شوقي وزير التربية والتعليم لـ”العرب” إن “المجموع وحده لن يكون المعيار الوحيد للالتحاق بالمدارس الفنية، وسوف تكون هناك اختبارات مؤهلة وقياس مهارات للمتقدمين، حتى يصبح التعليم الفني الاختيار الرئيسي للطلاب، ما من شأنه تغيير نظرتهم والمجتمع بأثره لطبيعة الطالب الفني”، مضيفا أنه “لا بديل عن نسف المنظومة الحاليّة واستحداث أخرى، وليست لدينا رفاهية الوقت للتأخر في ذلك”.

أحمد الجيوشي: الوزارة ترمي لأن يكون طالب التعليم الفني مؤهلا للالتحاق بوظيفة تخصصه

ويقوم المسار الثاني على تغيير المناهج الدراسية لتكون مواكبة لسوق العمل، ووضع نظام جديد للامتحانات قائم على تخصيص 70 بالمئة من الدرجات للاختبارات العملية، و30 بالمئة للاختبارات التحريرية، واستحداث طريقة للتقييم تعتمد على قياس المهارات الفنية التي اكتسبها الطالب طوال فترة دراسته.

وعن هذا المسار أوضح أحمد الجيوشي نائب وزير التعليم لشؤون التعليم الفني لـ”العرب”، أن طالب المدارس الفنية سوف يؤدي اختبارات أسبوعية لقياس المهارات التي تحصل عليها على أن يتم عقد امتحانات في أربع مناسبات في العام الواحد، بمعنى أنه سوف يمتحن 12 مرة في سنوات التعليم الفني الثلاث.

وأكد أن الوزارة ترمي إلى أن يكون طالب التعليم الفني مؤهلا بشكل كاف للالتحاق بالوظيفة التي تخصص فيها بالمدرسة، وسوف يعقب اختبار الطالب بالمدرسة، اختباره مرة أخرى من جهة مستقلة متخصصة في التعليم الفني واحتياجات السوق، لقياس المهارات الفنية والعلمية التي اكتسبها ثم تمنحه شهادة صلاحية وترخيص مزاولة مهنة.

وأشار إلى أن ترخيص مزاولة المهنة سيكون البوابة الوحيدة أمام طالب المدارس الفنية للالتحاق بسوق العمل، لأنه (الترخيص) يعني أن لديه خبرة كافية بالوظيفة ولن يكون صاحب العمل أو المصنع بحاجة إلى تدريبه أو وضعه تحت الاختبار لفترة.

ومن مساوئ النظام المعمول به حاليّا، إهمال الجانب العملي في التقييم، والاعتماد على الحفظ والتلقين في الحصول على المجاميع ونيل الشهادة، فضلا عن مرور زمن طويل على هذه المناهج، وبعضها لم يتغير منذ 30 سنة، كما أنه لا يتسنى لأكثر الطلاب الالتحاق بكليات جامعية، وتقتصر تلك الميزة على خريجي تخصصات معينة، مثل الكهرباء والكمبيوتر.

ووفق كلام الجيوشي، بدءا من تطبيق المنظومة الجديدة، سيكون متاحا لأي طالب لديه مهارات فنية وعلمية، أن يلتحق بالكليات التكنولوجية التي يتم إدراجها بالجامعات المصرية المختلفة، على غرار المتبع في ألمانيا واليابان، فضلا عن إنشاء جامعة تكنولوجية تحتضن مختلف التخصصات الفنية، ويحصل الطالب على درجة الماجستير والدكتوراه في تخصصه.

ويعتمد المسار الثالث في النظام الفني الجديد على إنشاء مدارس متخصصة تخدم المشروعات التنموية والاقتصادية في نطاق جغرافي محدد، بمعنى أن تكون هناك مدرسة كاملة متخصصة في صناعة الأثاث، إذا كان اقتصاد المحافظة يعتمد على هذه الصناعة، وهو ما حدث في محافظة دمياط والتي يعمل أكثر سكانها في مهنة الأثاث وتجارة الأخشاب.

وأوضح نائب الوزير لشؤون التعليم الفني أن “هذا التوجه الجديد يخدم التنمية والاقتصاد بشكل مباشر ويقلص البطالة بين خريجي المدارس الفنية، فالطالب يتخصص في المهنة التي تحتاجها محافظته أو المشروعات الاقتصادية القائمة بها”.

وزارة التربية والتعليم تتعامل مع فتح التخصصات الفنية الجديدة بطريقة "ما يطلبه المستثمرون"

وهناك مدارس جديدة متخصصة في الأعمال البحرية والشحن والتفريغ وخدمات المواني (اللوجستيات) بالمحافظات المطلة على البحر المتوسط، مثل الإسكندرية، ومدرسة أخرى تسمى الضبعة النووية لتخدم على المشروع النووي السلمي المصري بمحافظة مرسى طروح، ومجرى قناة السويس في كل من بوسعيد والإسماعيلية، فضلا عن مدرسة متخصصة في النقل والسكك الحديدية بالقاهرة، وأخرى للطاقة الجديدة والمتجددة في محافظة البحر الأحمر لخدمة المشروعات الاستثمارية في مجال الطاقة الشمسية.

وتتعامل وزارة التربية والتعليم مع فتح التخصصات الفنية الجديدة بطريقة “ما يطلبه المستثمرون”، إذ أبدت في أكثر من لقاء مع أصحاب الصناعات والاستثمار، استعدادها لإضافة تخصصات يطلبها هؤلاء شريطة أن تكون ذات جدوى، وهو ما حدث مؤخرا بالاستجابة لإدخال تخصص سلاسل المتاجر الكبرى “السوبر ماركت” لأول مرة باعتباره من الاقتصادات الضخمة في السوق المصرية.

ومن المقرر أن يكون من بين أولويات إصلاح منظومة إصلاح التعليم الفني، قيام طلاب المدارس الفنية بتدبير جميع احتياجات المدارس المصرية بمختلف المراحل، كل حسب محافظته، من مقاعد للطلاب ومكاتب خشبية وأوراق وطباعة كتب وتوفير الطاقة الكهربائية، بعيدا عن التدابير الحكومية.

وسوف يكون ذلك من خلال المصانع والورش التي تمتلكها هذه المدارس والأخرى التي يجري إنشاؤها ومتخصصة في تدوير الأخشاب والطاقة الشمسية وماكينات فرم الأوراق والكتب القديمة وإنتاج الجديدة، ويصبح التعليم الفني المصنّع لاحتياجات المدارس المصرية كافة.

ورأى طارق نور الخبير التربوي، أن ربط التعليم الفني باحتياجات سوق العمل يقضي على عشوائية التعلم الموجودة في هذه المدارس ويغلق أكبر ثغرة للبطالة في مصر، مؤكدا أن نجاح المنظومة الجديدة يتوقف على استمرارها دون ارتباطها بوجود من وضعوها في مناصبهم، بحيث تكون مرتبطة بالخطة الاستراتيجية للدولة وليس وزارة التعليم فقط.

وأضاف لـ”العرب” أنه لا نتائج حقيقية دون مشاركة المعلمين في كل خطوات تطبيق النظام الجديد، لأنهم المعادلة الأهم والأصعب، وبالتالي لا بد من تدريبهم على المناهج الحديثة وطرق التدريس المتطورة والمعايير الجديدة في تقييم الطلاب، وهذه مهمة ثقيلة لأنهم يقدرون بمليوني معلم، ويتطلب أن يكون مسار تأهيلهم موازيا لباقي المسارات الأخرى قبل التطبيق الفعلي للنظام الجديد.

17