التحالف المدني في السودان يلملم شتاته قبل تشكيل حكومة جديدة

تسارع القوى المدنية في السودان لإعادة ترتيب صفوفها، استباقا للمرحلة الثانية من الفترة الانتقالية التي ستشهد تشكيل حكومة جديدة ومجلس تشريعي يضم الحركات المسلحة التي وافقت على السلام.
الخرطوم – دخلت القوى الممثلة في تحالف الحرية والتغيير، الذي يشكل الحاضنة السياسية للحكومة السودانية، الخميس، في اجتماعات مغلقة لليوم الثاني على التوالي، لإعادة ترميم الشروخ التي أصابت جسد التحالف، وتسببت في انسحاب الحزب الشيوعي، وتجميد عضوية حزب الأمة القومي، في وقت تبحث فيه الجبهة الثورية التي وقعت اتفاق سلام مع السلطة الانتقالية عن شغل الفراغ الذي تركه خروج الحزبين.
وتأتي الترتيبات الجديدة في وقت يستعد فيه التحالف الحكومي للمشاركة في تشكيل سلطة تنفيذية بديلة لحكومة عبدالله حمدوك، والمتوقع إقالتها خلال أيام.
وأعلنت قوى الحرية والتغيير، الخميس، مد أجل تشكيل المجلس التشريعي حتى 31 ديسمبر المقبل، حيث ناقشت مسألة تكوينه في ضوء التطورات المتعلقة بملف السلام، ووضعت في الاعتبار التحفظات التي أبدتها الجبهة الثورية في هذا الشأن.
وتسعى قوى مدنية عدة بالمشاركة مع الحركات المسلحة، إلى إعادة توزيع الوزن السياسي للقوى المنخرطة في التحالف على وقع انسحابات سابقة وقوى فاعلة حديثة.
وشغلت الهموم الداخلية الكثير من القوى السياسية عن التركيز على بعض القضايا الخارجية، حيث التزمت غالبية المكونات الصمت حيال ما أعلنته روسيا عن تشكيل قوة بحرية لدعمها لوجيستيا في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر.
وكشف القيادي بتحالف قوى الحرية والتغيير نورالدين صلاح الدين، أن الاجتماعات الحالية تسير في اتجاه التشاور بشأن شكل الجهاز التنفيذي والوجهة السياسية للتحالف في ما يتعلق بالسياسات العامة، والتباحث مع القوى المنسحبة لمحاولة إعادتها مجددا وترتيب أوضاع التحالف.
وأضاف لـ”العرب”، أن المباحثات تسعى إلى صياغة تشكيل الكتل الرئيسية داخل التحالف، وتوزيع المهام والمناصب داخل المجلس المركزي له، ويشمل الأمر أيضا التوافق حول عدد مقاعد كل كتلة في المجلس التشريعي، وفقا للوزن النسبي، والثقل السياسي والجماهيري للقوى المنضوية تحت لواء الحرية والتغيير.
وتوصلت اجتماعات سابقة إلى اتفاق على أن تكون الحكومة مشكلة من 27 وزارة بدلا من 20 وزارة، وتبحث المناقشات الحالية مع حمدوك كيفية فصل بعض الوزارات وماهية الوزارات المستحدثة، وتلقي أسماء المرشحين من قبل الجبهة الثورية التي ستكون ممثلة بست وزارات، بينها وزارة سيادية لم يجر التوافق عليها.
ويتوقع مراقبون، أن يكون الثقل الأكبر للتحالف بيد قوى نداء السودان، وتضم في عضويتها الجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة وتنظيمات سياسية متعددة، على حساب ما يسمى بقوى الإجماع الوطني التي فقدت هياكلها داخل التحالف.
وتضم قوى الحرية والتغيير خمسة تكتلات رئيسية، هي: قوى الإجماع الوطني، وتحالف نداء السودان، والقوى الممثلة للمجتمع المدني، وتحالف المهنيين، وبعض الأحزاب المدنية التي وقعت على ميثاق التحالف بشكل منفصل.
وعقدت الجبهة الثورية، بمشاركة عدد من قادة الحرية والتغيير، مؤتمرا صحافيا الأربعاء، أكدت فيه أن مسألة تباين الرؤى حول القضايا السياسية والاقتصادية وقضية الحكم تتطلب مزيدا من المعالجات.
ودعا الهادي إدريس يحيى، رئيس الجبهة الثورية، قوى الحرية والتغيير، وكل قوى الثورة لحل الخلافات، والذهاب إلى مرحلة التأسيس الجديدة للمرحلة الانتقالية.
وتخشى دوائر سياسية محلية من تكوين تحالف معارض للظهير السياسي للحكومة، يتشكل من قوى الثورة أيضا، ويعني أن معارضة السلطة الانتقالية ستكون من معسكر الثورة، بما يصب في صالح فلول نظام عمر حسن البشير الذين ينتظرون الفرصة، ويكثفون من مشاوراتهم مع القوى المنسحبة للتنسيق والتعاون معها.
وعقد مجلس الصحوة الثوري، ويقوده موسى هلال زعيم ميليشيا الجنجويد في دارفور سابقا، والمعتقل حاليا، لقاء مغلقا بين قيادات بارزة به وأعضاء من الحزب الشيوعي توصل فيه الطرفان إلى التوقيع على مذكرة تفاهم والعمل المشترك في المناطق والأقاليم التي اندلعت فيها الحروب والنزاعات والصراعات، غير أن الحزب الشيوعي نفى حدوث اجتماعات مع قوى مناوئة للثورة.
وبصرف النظر عن حدوث اللقاء من عدمه، فقد بدأت المياه السياسية تتحرك من تحت أقدام بعض القوى والأحزاب، ما يصب في صالح مناوئيهم على المدى القريب.
وعقد أيضا حزب الأمة القومي اجتماعات عديدة مع حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه حسن الترابي، ولم تصل إلى مستوى التفاهمات أو التحالفات المباشرة، لكن استمرار ابتعاد الأمة عن التحالف الحكومي، ووضعه لشروط تعجيزية، ينذر بعدم استبعاد قيامه تشكيل تحالف، تحدث عنه الحزب في بعض وسائل الإعلام من دون أن يعلن تفاصيل القوى المنضوية داخله.
وضعت بعض الأحزاب الكبيرة نفسها في مأزق، لأن عودتها إلى التحالف الحكومي ستكون مختلفة عما كانت عليه بالسابق، فميزان القوى الذي تشكل بين الحزب الشيوعي من جانب، وحزب الأمة القومي على الجانب الآخر، لم يعد موجودا في ظل المكاسب التي حققتها الحركات المسلحة جراء التوقيع على اتفاق السلام الذي منحها وضعية سياسية وتنفيذية وإدارية مهمة على مستويات الحكم المختلفة.
وقد تكون فرص عودة حزب الأمة إلى الحرية والتغيير قائمة بدرجات أكبر، لأن الحزب جمد عضويته في هياكل التحالف ولم ينسحب بشكل نهائي، وما زال أعضاؤه يحضرون اجتماعات ترتيب المرحلة المقبلة، بينما انقلب الشيوعي على المؤسسات الانتقالية، وأعلن عدم اعترافه بالوثيقة الدستورية، وفضل العودة إلى نقطة الصفر.
وقال المحامي والناشط السياسي حاتم إلياس، إن التحالف الحكومي يواجه أزمات تؤثر على مستقبل وحدته، فوجود المعارضة المدنية والمسلحة لنظام البشير تحت هيكل سياسي واحد لن يكون سهلا، ورهان الحركات المسلحة دائما على القوة والسلاح، فيما تسير تكتيكات القوى المدنية باتجاه التفاهمات وتقديم التنازلات، واللجوء إلى الشارع إذا اقتضت الضرورة ذلك.
وأوضح في تصريح لـ”العرب”، أن الهوة بين الحركات المسلحة والقوى المدنية سوف تستمر في المستقبل، إذا لم تقدم الأولى تنازلات تسمح بتمرير عملية الانتقال الديمقراطي بسلاسة، ومن دون الدخول في صراعات جديدة.
ويتوقع متابعون، أن يكون التوافق كبيرا بين القوى المدنية التي تستشعر خطورة سحب البساط من تحت أقدامها، وقد يحاول البعض الآخر نسج وتمتين التحالفات مع الحركات المسلحة، لكنها في النهاية ربما تفقد جدواها باختلاف الأجندات السياسية، وتباين التركيبة الشعبية لكل من الطرفين.