التجارة بالعمولة تهدد نمو الصادرات الزراعية المصرية

تتبع بعض الشركات المصرية أساليب عشوائية في تصدير المنتجات الزراعية بشكل يكاد يفقدها القدرة على الوصول إلى بعض الأسواق الخارجية، ويضعف ميزتها التنافسية التي اكتسبتها بعد جائحة كورونا وفتحت آفاقا أمام صادرات الحاصلات الزراعية مع تصاعد الطلب على الموالح والفواكه.
القاهرة – حذر المجلس التصديري للحاصلات الزراعية في مصر الشركات المحلية المصدرة من التعامل بآلية البيع بالعمولة وضرورة البيع بسعر مُلزم عبر إبرام عقود واضحة مع المستوردين، بعد أن تلقى تقريرا من جهاز التمثيل التجاري المصري يفيد بتضرر الصادرات والمصدرين من جراء هذا النظام.
وتلجأ معظم الشركات الصغيرة والمتوسطة لتلك الآلية لعدم احترافها التصدير لما يحتاجه من إمكانيات مالية وإجرائية كبيرة لا تتوفر لديها ولا تسعى للتطوير للاستحواذ على حصة تصديرية، بجانب عدم بناء قاعدة كبيرة من العملاء وكبار التجار في الخارج.
ولذلك تراهن هذه الشركات على فرق العملة الناتج عن التصدير في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، حيث تتخذ التصدير أداة لتحقيق منافعها.
والبيع بالعمولة المعروف محليا بـ”الأمانة” عبارة عن نظام سمسرة يتم من خلاله اتفاق شركات وديا دون أسانيد قانونية أو مالية مع تجار في الخارج، على تصدير المنتجات الزراعية لها لبيعها دون تحديد سعر، مقابل الحصول على عمولة ثم تحويل المستحقات المالية بعد بيع تلك المنتجات.
وتضع هذه الآلية الشركات تحت رحمة السماسرة في الخارج، إذ لا توجد رقابة على هؤلاء، وقد يتعرض مصريون من خلالها للاحتيال ولا يستطيعون رد حقوقهم بسبب استسهال الشركات لهذا النظام بلا اهتمام بالعائد على الاقتصاد.
ويتسبب رواج الأداة المتبعة بين أوساط الشركات في إلحاق الضرر البالغ بسمعة تنافسية المنتج المصري، ما يستوجب على وزارة التجارة والصناعة باعتبارها الرقيب على المجالس التصديرية، وضع قوانين وقواعد صارمة تجرم التصدير بالعمولة.
وتسعى الحكومة إلى خلق جيل جديد واعِ من المصدرين، في إطار خطة تستهدف بلوغ الصادرات 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتشرع حاليا في تدشين “أكاديمة التصدير” بهدف تدريب المُصدرين وتقديم الخدمات الاستشارية لهم، تفاديًا للوقوع في أخطاء قانونية أو فنية عند ممارسة التصدير، ورفع قدراتهم لفتح أسواق جديدة.
واكتسبت المنتجات الزراعية المحلية ثقة كبيرة عالميا لاسيما مع تفشي الوباء، حيث ارتفع الطلب على الموالح والحمضيات، ما عزز من تصدر مصر أسواق العالم في تصدير البرتقال والزراعات الغنية بفيتامين سي لعامين متتاليين.
وسجل إجمالي الصادرات الطازجة في أول 9 أشهر من 2021 نحو 4.8 مليون طن بزيادة قدرها 602.9 ألف طن بمقارنة سنوية. وضمت قائمة أهم الصادرات وهي الموالح والبطاطس والبصل والفراولة والرمان والبطاطا والفاصوليا والبنجر والجوافة والفلفل والمانغو، والثوم والعنب والبطيخ.
وقال أحمد العطار رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي لـ”العرب” إن دور إدارته “فني بحت، إذ يتم فحص الصادرات الغذائية سواء أكانت بالعمولة أم لا لتطبيق قواعد الجودة وكل الاشتراطات الفنية على الشحنة قبل تصديرها للخارج”.
ويظهر الأثر السلبي الناتج عن التصدير بالعمولة من الناحيتين الاقتصادية والتجارية، لأن الكميات الكبيرة التي يتم شحنها تدفع التاجر أو السمسار إلى بيع المنتجات بأسعار متدنية، ما يُضعف تنافسية المنتج المصري ويُخفض الإيرادات الناتجة عن التصدير.
وسجلت قيمة الصادرات الزراعية 2.2 مليار دولار في أقل من عام، كما ارتفعت القدرات التنافسية للمنتجات المحلية بعد رفع الحظر عنها من قبل دول الخليج، ورفع القيود والفحوصات الإضافية التي وضعتها دول الاتحاد الأوروبي عقب تصدير أول شحنة من الموالح لليابان في نوفمبر الماضي والمعروف عنها تحديد اشتراطات فنية معقدة لقبول أي سلعة غذائية.
ويؤكد العطار أن غالبية الدول التي تتعامل معها الشركات المصرية بالعمولة عند التصدير، هي البلدان العربية، ونادرا ما يتم استخدام تلك الآلية مع دول الاتحاد الأوروبي.
ووفق المجلس التصديري استحوذت الدول العربية على نحو 33 في المئة من قيمة صادرات الزراعية المصرية منذ يناير وحتى أكتوبر الماضيين بقيمة إجمالية تبلغ نحو 730 مليون دولار.
ولا تقتصر المخاطر التي تتعرض لها صادرات المنتجات الزراعية على التصدير بالعمولة فقط، بل توجد أخرى تتعلق بالتغيرات المناخية تؤثر على جودة المنتجات التي تصدر طبقًا لاتفاقات قانونية.
ويمكن أن يتسبب تغير درجات الحرارة في تلف أجزاء من الشحنات ما يُلحق الضرر بالمصدرين لذلك ينبغي اتخاذ خطوات استباقية لتقليل الفاقد والتالف من السلع والذي ينشأ عن الظواهر الطبيعية.
وتعد الأصناف منخفضة الجودة والأنواع الرديئة غير المطابقة للمواصفات، أبرز ما يهدد الصادرات الغذائية، بجانب التصدير بالعمولة الذي يؤدي إلى بيع المنتجات بأسعار رخيصة تبدو كأنها معيبة، إذ يريد السمسار التخلص منها في أسرع وقت وبأي سعر.
وأكد شريف البلتاجي وكيل المجلس التصديري أن التصدير بالعمولة ظاهرة تفشت بين شركات تصدير المنتجات الغذائية خلال الفترة الأخيرة، وهي آلية بها مخاطرة شديدة على المصدرين، بينما التصدير الشرعي الذي يتم وفقًا للقوانين يضمن الحماية لحقوق الشركات.
وقال لـ”العرب” إن “تلك الظاهرة تنتشر بصورة أكبر في تعاملات المصريين مع البلدان العربية، لكن معظم التعاملات مع الدول الأوروبية تتم بين شركات مصدرة وأسواق الجملة عبر اتفاق موسمي أو أسبوعي يلتزم به الطرفان”.
ويؤدي التصدير بهذه الصورة إلى تفكيك المنظومة الزراعية تدريجيا، لأن الشركات المصدرة تضغط على المزارعين لشراء المحاصيل بأسعار زهيدة وكميات وفيرة، ومن ثم زيادة المعروض في البلدان المستوردة، وبالتالي تراجع أسعار السلعة خارجيًا، ما يكبد المزارعين خسائر فادحة والتفكير في الخروج من المنظومة.
وتترتب على تلك الظاهرة تأثيرات مجتمعية سيئة، حيث ينتج عن النهم الشديد في شراء المنتجات الزراعية حرمان المستهلك المصري من الحصول على السلعة بسعر مقبول، بعد أن يقل المعروض منها بالسوق المحلية مع زيادة الطلب، فينشأ التضخم في أسعار السلع.
وأشار محسن البلتاجي رئيس جمعية تنمية وتطوير المحاصيل الزراعية إلى أن تلك التعاملات لا تخضع لأي رقابة من الجهات المعنية بالتصدير أو بالزراعة، وأنه في حال الحديث من جانب المسؤولين بشأنها تتعالى أصوات أصحاب المصالح وهم كُثر بأن الحكومة تحارب التصدير.
ولفت إلى أن التعامل بذلك النظام يحدث أيضًا مع سماسرة في بلدان الصين وروسيا وهولندا. وقال لـ”العرب” إن “بعض الشركات المحلية التى تتعامل بتلك الآلية ترسل شحنات أكثر مما يطلبه السمسار بالخارج، وتتولد مشاكل تتعلق بالبيع بأسعار متدنية وضياع حقوق المصدرين، ويتحجج السمسار بأنه لم يستطع بيع الشحنات التي تزيد عن طلبه”.