التاريخ المنسي للهجرة والمهاجرين

على وقع تزايد الهجمات العنصرية التي استهدفت مساجد ومراكز إيواء، وارتفاع عدد ضحايا محاولات عبور المانش، نظمت مدينة لندن معرضا تعيد من خلاله سرد التاريخ المنسي للهجرة ودور المهاجرين في بناء بريطانيا.
المعرض لا يتحدث عن الجيل الثاني والثالث والرابع من المهاجرين، بل عن عشرة ملايين مهاجر يشكلون 17 في المئة من السكان ولدوا خارج بريطانيا وساهموا في ازدهارها.
أستطيع القول أنّي كنت شاهدا على حقبة لعب خلالها المهاجرون دورا لا يستهان به في النقلة التي شهدتها لندن بداية ثمانينيات القرن الماضي.
كانت لندن في الستينات والسبعينات مدينة توحي بالكآبة، تنتشر فيها ورش الخياطة ومحلات البقالة، لم يكن السائح يجد فيها ما يتناوله من طعام سوى أطباق الكاري والفيش أند شيبس (السمك والبطاطا المقلية)، إلى جانب الإفطار الذي يعرف بالإنجلش بريكفست (الفطور الإنجليزي).
أذكر الرعب والدهشة اللذين كانا يرتسمان على ملامح أصدقاء أقول لهم أنني أعمل في منطقة تقع بين بريكستون وكلابام كومن.. في ذلك الوقت كانت المنطقة تعرف بشيء واحد، الجريمة والعنف.
كان هناك من يقول لا أسكن هناك ولو بالمجان. اليوم تعتبر المنطقة واحدة من أهم المناطق التي يقطنها شباب ميسور. أسعار السكن فيها سواء للشراء أو للإيجار، لا يستطيع دفعها سوى الأثرياء.. فكيف حصل ذلك؟
إنهم المهاجرون، هم من انتقل بكلابام كومن وبريكستون من منطقة يتلافى سائقو التاكسي الدخول إليها، إلى منطقة يُحسد من يسكنها اليوم.
في هذه المنطقة، كما في مناطق أخرى عديدة في لندن، خطا المستثمرون المغامرون من المهاجرين الخطوة الأولى التي غيرت وجه المدينة.
في كلابام بدأ كل شيء مع مصري مهاجر تعلم صناعة البيتزا في إيطاليا، ليحط الرحال في لندن ويفتتح أول مطعم ليس فقط متميز بإعداد البيتزا في أفران الحطب، بل بالتصميم، وحتى باختيار الاسم.
“إيكو” الصدى، هذا هو اسم المطعم الذي سيغير فيما بعد وجه كلابام. تجربة ناجحة ردد صداها آخرون، وسرعان ما امتلأت المنطقة التي لم يكن سكانها يعرفون سوى الفيش أند شيبس والدجاج المقلي، إلى منطقة تحفل بعشرات المطاعم من مختلف الجنسيات.
اليوم، في كل منطقة من مناطق لندن توجد جالية من أبناء المهاجرين يعود إليها الفضل في تطوير المنطقة.
وبعد أن كانت لندن محط سخرية من قبل الفرنسيين الذين أطلقوا على الإنجليز لقب شعب البقالين، خطفت لندن الأضواء من عاصمة الأنوار، وتهافت عليها مشاهير العالم وأثرياؤه للإقامة فيها.
ما كان للندن أن تخطو تلك الخطوة لولا المهاجرين، من صينيين وعرب وهنود وأفارقة وأتراك ويابانيين.. لندن اليوم مدينة كل الجنسيات والأعراق، وهي مدينة بما وصلت إليه للمهاجرين.
معرض “كل قصصنا” من خلال سبعة آلاف شهادة و200 صورة وبمشاركة نحو خمسين فنانا، يحاول إنصاف المهاجرين.. الطعام الذي يأكله البريطانيون والملابس التي يرتدونها والمظهر الجذاب للندن وغيرها من المدن البريطانية ما كان لها أن تكون على ما هي عليه لولا المهاجرين.
هذه رسالة المعرض.. هل ينجح في إيصالها للشارع البريطاني بعد أن فشل في إيصالها السياسيون؟ أم أن عالم اليوم لا مكان فيه للمهاجرين؟