التأهيل للكليات العسكرية ظاهرة لافتة للانتباه

أكاديميات مصرية مختلفة تشهد رواجا في موسم الصيف باستخدام دعاية مضللة.
الأحد 2023/08/06
إقبال كبير على أكاديميات التأهيل العسكري

تقبل العديد من الأسر المصرية رغم ظروفها المعيشية الصعبة على تأهيل أبنائها للكليات العسكرية برسوم تدريب وتأهيل تصل إلى نحو عشرة آلاف جنيه للطالب الواحد. وتتعمد أغلب الأكاديميات المؤهلة التضليل لتستقطب أكبر عدد ممكن من الطلاب، فتدعي استخدام أسماء ضباط سابقين من قطاعات أمنية مختلفة وأنه بإمكانهم التوسط للطالب ومساعدته على القبول بكليات الشرطة، رغم أن هذه الكليات لم تعد تعترف بالوساطات.

القاهرة - أصبح انتشار الأكاديميات المتخصصة في التأهيل العسكري في مصر ظاهرة لافتة للانتباه، حيث تستثمر شغف الكثير من الحاصلين على شهادة البكالوريا (البكالوريا) للالتحاق بالكليات العسكرية لتحقيق مكاسب مالية، وصارت موجودة على نطاق واسع أمام إقبال أسر عديدة عليها لتأهيل أبنائها الراغبين في التقدم للالتحاق بالسلك العسكري.

ولا تكاد تخلو مدينة مصرية من أكاديميات التأهيل التي تلعب على وتر تسهيل إجراءات القبول بالكليات العسكرية دون أن تحدد شكل المساعدة التي يمكن أن تقدمها للطالب طوال فترة الاختبارات المؤهلة للقبول، لكنها توحي لكثيرين بأنها تمتلك خلطة سحرية تعزز قبول المتقدمين للالتحاق، حتى أصبح الشغل الشاغل في الصيف تخصيص جزء من إنفاق الأسرة على هذه الكيانات لتدريب الشباب.

وتسوق كل أكاديمية لنفسها بطريقتها الخاصة، وهناك كيانات تستعين بمتخصصين في الدعاية والإعلان لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الطلاب الراغبين في التقدم إلى الكليات العسكرية التي تجمع مبالغ مالية كبيرة خلال أسابيع قليلة، وتصل رسوم تدريب وتأهيل الطالب الواحد نحو عشرة آلاف جنيه (حوالي 300 دولار)، وهو رقم ضخم مقارنة بالظروف المعيشية الصعبة لأسر عدة.

وكتبت إحدى الأكاديميات عبر حسابها الرسمي على فيسبوك لإغراء الطلاب “نعمل على تأهيل الشباب على المهارات العسكرية وسرعة القبول بالكليات العسكرية.. سوف يتم تأهيلك على جميع الاختبارات الخاصة بتحقيق حلمك.. يتميز برنامجنا بتقديم تدريب مكثف يشمل مجموعة متنوعة من المهارات العسكرية.. ستعيش حياة عسكرية كما يجب أن تكون تحت إشراف مدربين من ضباط سابقين، قوات خاصة وقوات أمن وصاعقة”.

الوسطاء يمتنعون

فاروق المقرحي: عدة أكاديميات تبيع الوهم وتتاجر بسمعة وقيمة ومزايا العمل الأمني في أذهان المجتمع
فاروق المقرحي: عدة أكاديميات تبيع الوهم وتتاجر بسمعة وقيمة ومزايا العمل الأمني في أذهان المجتمع

تتعمد الجهات العاملة في التأهيل العسكري استخدام أسماء ضباط سابقين من قطاعات أمنية مختلفة تدّعي أنهم يعملون لديها وبإمكانهم التوسط للطالب ومساعدته على القبول في كليات الشرطة والحربية والجوية والدفاع الجوي والفنية العسكرية، مع أن الجيش لم يعد يعترف بالوساطات والعلاقات والنفوذ المالي والعائلي بقدر ما يعنيه البحث عن طلاب يصلحون لأن يكونوا مقاتلين وعلى درجة عالية من الكفاءة.

وظل القبول في بعض الكليات العسكرية محاطا بالشبهات والتدخلات من جانب بعض المسؤولين الكبار، لكن هذا الوضع تغير وأصبحت اختبارات القبول تتم وفقا لإجراءات لا تسمح بأي ثغرة، في حين أن هناك قناعات مجتمعية راسخة بأن القبول بالكليات العسكرية يتم من خلال أشخاص لهم حظوة مع تأهيل في أكاديمية شهيرة.

وأكد اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية سابقا لـ”العرب” أن “أي كيان تدريبي يقدم نفسه على أنه يساعد الشباب على القبول بالكليات العسكرية يبيع الوهم ويتاجر بسمعة وقيمة ومزايا العمل الأمني في أذهان المجتمع، والمشكلة أن هناك رواسب ترتبط بالواسطة وهذا يصعب حدوثه حاليا، بالتالي فالموضوع مرتبط بوعي المجتمع”.

وتوهم بعض الأكاديميات الملتحقين بها بأنها قادرة على زيادة طول الطالب ليكون متسقا مع شروط الكلية العسكرية، مع أن ذلك قد يكون مستحيلا، وإقناع الناس بأنها تمتلك من الأدوات ما يساعدها على معالجة مشكلات طبية في جسد المتقدم لديها، مثل عيوب القوام ومعالجة النحافة والسمنة وخشونة المفاصل، مع أن الاختبارات الطبية في الكليات العسكرية صارمة وتمثل الجزء الرئيسي للقبول والرفض.

وما يلفت الانتباه هو وجود كيانات تُجري اختبارات للطلاب بطريقة تجعلهم يشعرون بأنهم قُبلوا في الكلية العسكرية، وباتوا ضباطا، من حيث إلزامهم بحلق الشعر، والخضوع لكشف طبي كامل وقياسات بدنية، واختبار اللياقة عبر من تصفهم بالأطباء والضباط العسكريين القدماء ليكون الطالب على مقربة من مراحل القبول التي سيخضع لها.

صالة رياضية

كل أكاديمية تسوق لنفسها بطريقتها الخاصة، وهناك من تستعين بمتخصصين لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الطلاب

صُدم الطالب أحمد رمضان الذي كان يتدرب في إحدى الأكاديميات بالقاهرة، منذ شهور، بأنها لا يمكن أن تساعده في وساطة القبول بالكلية العسكرية، مع أنه تم إبلاغه في بادئ الأمر بأن الأكاديمية لها قاعدة علاقات قوية يمكن أن تعزز من قبول المنتمين لديها في أي كلية، وهو ما أغراه بأن يشترك بها لشعوره بأن التحاقه بالسلك العسكري مضمون بنسبة كبيرة، لأن الأكاديمية شهيرة ولها جماهيرية.

وقال الطالب لـ”العرب”، “فوجئت بأن الأكاديمية أقرب إلى ناد صحي، أو صالة رياضية ليس أكثر” رغم أنه دفع مبالغ مالية كبيرة، ما جعله يشعر بتعرضه وآخرين لخديعة كبرى من خلال استثمار هوس الشباب بالالتحاق بالكليات العسكرية، لجني أرباح مالية من خريجي الثانوية العامة، وتم إبلاغ الجميع بأن دور الأكاديمية انتهى عند التدريبات ولا يمكنها أن تساعد أحدا بعد تقديم أوراقه للكلية.

وأصبح شغف البعض من الشباب المصريين بدخول كلية عسكرية ظاهرة مجتمعية بامتياز، ويكفي العبور مصادفة من الطرق المؤدية إلى الكلية الحربية أو أكاديمية الشرطة في القاهرة لاكتشاف حجم الإقبال عليها ممن أتموا الثانوية العامة، وتقدموا بأوراقهم إلى كليات عسكرية أملا في القبول ونيل لقب ضابط جيش أو شرطة.

ويزداد عدد المتقدمين إلى الكليات العسكرية كل عام لشعور الكثير من الشباب بأن مجرد الدراسة في الكليات التابعة للجيش أو أكاديمية الشرطة يعني جلوسهم على قمة التميز بعد أن نجحوا في تجاوز اختبارات شاقة وشروط يتم تصنيف المتقدمين من خلالها.

ولا يقتصر هذا الشعور على الطلاب خريجي البكالوريا ممن لا تتجاوز أعمارهم 18 عاما، إنما يمتد إلى قطاعات أخرى من الشباب الذين تخرجوا في كليات الحقوق والطب والتجارة والإعلام والمهندسين وغيرها، ويتقدم الآلاف منهم للالتحاق بأقسام الضباط المتخصصين ويحصل هؤلاء على لقب “ضابط متخصص” بعد التخرج.

وتضع الكليات العسكرية معايير صارمة لانتقاء الشباب ذات سمات شخصية واجتماعية وصحية وجسدية، باعتبار أن المقبولين بهذه الكليات سوف يقودون المؤسسات الأمنية قبل أن يكونوا مقاتلين ومسؤولين داخل السلك العسكري.

مراحل متدرجة للقبول

معايير صارمة لانتقاء الشباب
معايير صارمة لانتقاء الشباب

تمر اختبارات القبول بسبع مراحل، أولاها القُدرات، وهو امتحان مكتوب لقياس مستوى ثقافة الطالب ومعلوماته العامة، ويعتبر الطالب مرفوضا إذا رسب فيه ولا يستكمل باقي الاختبارات المؤهلة، وإذا نجح يدخل إلى مرحلة اختبار المقاس والقوام من خلال لجنة طبية متخصصة وبعدها يخضع للكشف النفسي ثم الرياضي والسمات الشخصية والميول المعنية والقدرات العقلية، والهيئة (المظهر العام)، وأخيرا الفحص الطبي المتقدم، حيث يخضع الطالب لكشف جسدي بالغ الدقة.

وأصبحت المؤسسة الأمنية أكثر مرونة في التحري عن الطلاب المتقدمين لديها، ولم تعد مثل الماضي حيث يمكن أن تستبعد طالبا لمجرد أن أحد أقاربه من الدرجة الثالثة أو الرابعة عليه محاذير أمنية، ما ضاعف من أعداد المتقدمين، حيث تهتم الجهة العسكرية بأن يكون لديها مقاتل قوي، بغض النظر عن خلفياته الاجتماعية غير المخلة.

وكانت المؤسسة الأمنية تتشدد في إجراءات التدقيق والتحري عن كل المتقدمين، ويصل الأمر إلى البحث في خلفيات عائلاتهم وانتماءات أعضائها السياسية والفكرية والدينية لإبعاد أصحاب التوجهات المتشددة عن الجيش والشرطة، ما يفسر التحريات الدقيقة التي تتم على المتقدمين، وأمام زوال خطر الإرهاب تنامت مساحة المرونة.

وأوضح المقرحي أن كثرة الإقبال على التقدم إلى الكليات العسكرية رسالة مطمئنة بأن كل محاولات الجماعات المتطرفة لتشويه صورة البزة العسكرية باءت بالفشل، ولا يمكن اختزال تهافت الشباب بمزايا مالية أو وظيفية، بقدر ما يرتبط الأمر بارتفاع منسوب الوطنية لدى الشباب الذين حاولت جهات عديدة العبث بعقولهم وتحطيم آمالهم وضرب علاقتهم بمؤسسات الدولة.

Thumbnail

وهناك شباب لا يتخيلون إمكانية رفضهم في اختبارات القبول بالكليات العسكرية، ويرون أن استبعادهم يعني تدمير أحلامهم ليكون كل منهم ضابط جيش أو شرطة، وتختلف أهدافهم حسب نظرتهم إلى طبيعة العمل الأمني والمزايا التي يتحصل عليها أي من المنتمين إلى هذه المنظومة العسكرية.

وبينهم محمود صابر والذي حصل قبل أيام على 95 في المئة بالثانوية العامة، ومجموعه يؤهله للالتحاق بأيّ من كليات النخبة، لكنه قرر خوض اختبارات الكلية الحربية، كونه شغوفا بالعمل ضابطا، لأنه في نظر المجتمع بطل طوال الوقت، ويحصل على مكانة اجتماعية مرموقة، إضافة إلى التقدير النفسي.

وقال لـ”العرب” إن تهافت الشباب على الالتحاق بالكليات العسكرية في مصر أصبح واضحا أنه أكثر من أي وقت مضى، وتختلف دوافع التقديم حسب طموحات الشاب والأسرة، فهناك من يريد وجاهة اجتماعية، وآخرون يبحثون عن تقديم أنفسهم كأبطال، وثمة فئة تعتبر الوظيفة مرموقة وآمنة لهم ولأولادهم مستقبلا “لكن عن نفسي، يستهويني لقب ضابط مقاتل، بغض النظر عن المزايا”.

وينتمي الشاب إلى أسرة ريفية بسيطة، فوالده يعمل إداريا بمدرسة حكومية، ووالدته ربة منزل، وليس لديه أقارب يعملون في الجيش، لكنه على قناعة بأن قواعد القبول بالكليات العسكرية تغيرت، ويعرف بعضا من الشباب في البيئات السكنية المجاورة قُبلوا دون أن يكون لديهم نفوذ مالي أو عائلي، ما ساعده على التقديم دون خضوع لتدريبات مؤهلة في أي أكاديمية، فهو لا يمتلك الوفرة المالية.

مبررات عملية للتقدم

تدريبات مكثفة
تدريبات مكثفة

فسّر اللواء المقرحي هذه الحالة بأن غالبية الشباب يرون أن مبررات التقدم إلى أي كلية عسكرية لا تقتصر على المزايا المالية وبناء قاعدة علاقات داخل الجهاز الحكومي، فهناك من يدرك أنه قد يتعرض للموت في أي لحظة ويرغب في أن يصبح بطلا، لأن العمل في السلك العسكري يفتقر إلى الرفاهيات، وإذا كانت هناك امتيازات، فذلك لأن التضحيات لا تقدر بثمن.

ويصعب فصل إدمان الكثير من الشباب على الالتحاق بالكليات العسكرية عن نظرة المجتمع إلى ضابط الجيش والشرطة، حيث تزايد التقدير عقب ثورة 30 يونيو 2013 وسقوط حكم الإخوان، وتصاعد العمليات الإرهابية وتعامل الناس مع رجال الأمن على أنهم أسهموا بدور كبير في إنقاذ البلاد.

15