البودكاست ضالة الصحافيين للتميز والوصول إلى أكبر عدد من الجمهور

البودكاست يمنح الصحافي المصري فرصة الحديث عن قضايا لا يستطيع تناولها في الصحف والتلفزيون.
الثلاثاء 2024/06/11
البودكاست سيكون سائدا في المستقبل

يتجه صحافيون مصريون بشكل متزايد إلى صناعة المدونات الصوتية “بودكاست” التي تحقق لهم أهم ما يطمحون إليه وهو التميز والانتشار مع الميل نحو تقديم محتوى متخصص في الرياضة والفن والثقافة لما تحققه من عوامل جذب للجمهور على منصات التواصل الاجتماعي، وتواكب اتجاهات المؤسسات الصحفية.

القاهرة - وجد العديد من الصحافيين في مصر ضالتهم في محتويات يقدمونها عبر منصات رقمية مختلفة لتكون بديلا مناسبا عن الحركة الضيقة المتاحة أمامهم في وسائل الإعلام التقليدية، ما أفرز تجارب عديدة في مجال البودكاست سلطت الضوء على مجالات متخصصة وتقديم أعمال عميقة تغيب أحيانا عن الصحافة المكتوبة.

ومثلما كانت القنوات التي دشنها بعض الصحافيين على موقع “يوتيوب” عاملا مهما في الخروج من مأزق تراجع الإعلام التقليدي، فبرامج البودكاست باتت تطورا تقنيا وإعلاميا يتماشى مع اتجاهات الجمهور في مصر والعالم العربي.

وتبدو أكثر توافقا مع الخلفيات المعرفية للصحافيين التي تمكنهم من صناعة محتوى له قيمة معرفية جيدة، عكس قنوات “يوتيوب” التي زادت المنافسة فيها، ودخلها هواة.

مصطفى حمدي: "ورا مصنع الأغاني" استطاع أن يصبح ماركة معروفة
مصطفى حمدي: "ورا مصنع الأغاني" استطاع أن يصبح ماركة معروفة

ولدى البعض من الصحافيين منصات يمكن من خلالها الوصول إلى الجمهور في ظل استقطاب المنصات الرقمية الإذاعية مثل “أنغامي” و”سبوتيفاي” لمثل هذا المحتوى، ما يفضي إلى مخاطبة الجمهور عن قرب، وتحقيق عوائد مادية، إذ يتم تصوير المحتوى بما يسهل تسويقه كمحتوى مصور ومسموع أيضا.

وهناك قناعة لدى العديد من العاملين في مجال الإعلام العربي بأن البودكاست منح الصحافيين حرية لعرض وجهة نظرهم لم تكن موجودة من قبل، وبعض الأفراد الذين أقدموا على اتخاذ الخطوة بمفردهم أو كانت تجاربهم تحت مظلة مؤسسات إعلامية صارت لديهم قدرة على تقديم ما يدور في أذهانهم من قضايا بها قدر كبير من الحرية، وإن كانت المخاوف تسود بين من يريدون تقديم محتوى سياسي.

وتشير تجارب مصرية إلى الغوص في تفاصيل قضايا سياسية وأمنية معقدة مثلما الحال بالنسبة لبودكاست “أحراز” ويقدمه الصحافي أحمد رجب ويظهر على شكل تحقيق.

وزاد الميل نحو تقديم محتوى متخصص في الرياضة والفن والثقافة لما تحققه من عوامل جذب للجمهور على منصات التواصل الاجتماعي، وتواكب اتجاهات المؤسسات الصحافية التي ترتاح كثيرا لإنتاج هذا النوع من البرامج.

وقال الصحافي والناقد الفني مصطفى حمدي، وهو مقدم بودكاست “ورا (خلف) مصنع الأغاني” إن فكرة الحلقات جاءت نتيجة لرؤية وضعها الناقد الموسيقي أمجد جمال، بعد حوالي أربع سنوات من تدشين تجربة خاصة أخرى عبر يوتيوب توقفت بسبب ارتفاع التكلفة وتسلط الضوء على تحليل الأغاني من وجهة نظر موسيقية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “‘منصة دقائق’ الإخبارية متنوعة وليست هادفة إلى الربح، كان لها اتجاه لتقديم بودكاست يركز على الأغاني وتطورها، وقدمنا حلقة تجريبية منذ عام حققت أكثر من 50 ألف مشاهدة، وكان القرار باستثمار المعلومات والخبرات في هذا المجال لمواصلة تقديم بودكاست تنتجه المنصة الإخبارية، لكن فكرته مملوكة لي والمنتج أمجد جمال”.

وأشار إلى أن الاتجاه إلى البودكاست جاء نتيجة قناعة بأن المحتوى المصور أو المسموع رقميا سيكون سائدا في المستقبل بالنسبة لصحافيين لهم خبرات مهمة في المجال الإعلامي، لكن يتم توجهيه نحو المحتوى المقروء الذي تراجع الاهتمام به، والكثير من ناشري المحتوى على المنصات الرقمية لا يملكون قدرات يستطيع من خلالها الصحافيون التعبير عن القضايا التي يناقشونها، واسم البودكاست يعبر عن أهدافه، وأبرزها تسليط الضوء على ما وراء صناعة الأغنية وتحليلها فنيا.

وبعد مرور عام على تقديم بودكاست “ورا مصنع الأغاني”، يرى حمدي أن لديه جمهورا واسعا واستطاع أن يصبح ماركة معروفة، ويطمح ليكون المحتوى على رأس المحتويات التي تقدم تحليلا نقديا وموسيقيا للأغاني في الشرق الأوسط، وانتشار بودكاست على منصات صوتية عدة، مثل “أنغامي” و”سبوتيفاي” يجعله يحقق معدلات مشاهدة مرتفعة.

ويشارك حمدي في بودكاست فني آخر يقدمه الصحافيان مصطفى الكيلاني ورامي المتولي بعنوان “أسئلة مشروعة” ويقدم تحليلات فنية معمقة للأعمال السينمائية والدرامية والتوقف عند القضايا التي تشغل أذهان الجمهور، مثل التطرق إلى مشكلة الخيال والتاريخ في تقديم الأعمال الدرامية بعد جدل أثاره مسلسل “الحشاشين” أخيرا.

وأكد الناقد الفني مصطفى الكيلاني في تصريح لـ”العرب” أنه تأخر كثيرا في الخروج إلى عالم المنصات الرقمية، وفكرة البودكاست موجودة منذ فترة وتشجع عقب وجود نماذج حققت نجاحا في قضايا فنية مهمة، واتجه لشراء أدوات التصوير والإضاءة والاتفاق على مكان تصوير الحلقات دون أن يشكل ذلك تكلفة مادية ضخمة، فالتصوير يتم عبر الموبايل، مع الاستعانة بفريق عمل يتولى مسألة التصوير والإخراج.

والكيلاني مقتنع بأن البودكاست يمنح الصحافي فرصة للحديث عن قضايا قد يصعب التعبير عنها في الصحف والقنوات التلفزيونية، كما يراها، وهناك فرصة لطرح قضية بعينها وإبداء وجهة النظر فيها من خلال آراء مختلفة أو متقاربة، وتحديد فكرة الحلقات نتاج عصف ذهني عبر التواصل المستمر واللقاءات التي تسهل التوافق حول القضية الرئيسية.

ورفض الصحافي المصري أن يحكم على تجربته الوليدة قبل مرور عام عليها، وأنه مازال في فترة التجريب التي يتلقى خلالها ردود أفعال الجمهور، وأهدافه من الحلقات التي يقدمها أسبوعيا مالية وتنويرية، وتوصيل رسالة إعلامية تتماشى مع طبيعة جمهور المنصات الرقمية.

الاتجاه إلى البودكاست جاء نتيجة قناعة بأن المحتوى المصور أو المسموع رقميا سيكون سائدا في المستقبل بالنسبة لصحافيين لهم خبرات مهمة في المجال الإعلامي

ويتخذ البعض من الصحافيين من شركة “صوت”، وهي شركة وسائط صوتية رقمية قدمت منذ إطلاقها عام 2016 أكثر من 30 برنامجا والآلاف من الحلقات التي استقطبت الملايين من المستمعين، نموذجا يمكن الاحتذاء به لتحقيق نجاحات مماثلة، على أن تكون ناطقة بالعربية، دون الوصول إلى درجات العمق والتنوع التي حققتها الشركة بالأفكار التي تقدمها في مجالات إنسانية تشكل عاملا مشتركا في الهموم العربية.

وتواجه تجارب البودكاست التي يقدمها صحافيون في مصر مشكلة القدرة على صياغة محتوى مسموع، إذ إن الكتابة للأذن تختلف عن الصحافة المقروءة، وبعض المعلومات تحتاج إلى تدقيق على نحو أكبر، مع ضرورة التفرقة بين المحتوى المصور القريب لقنوات يوتيوب وبين محتوى تعريفه يرتبط بكونه حلقات من الملفات الصوتية الرقمية، يمكن الاستماع إليها أو تنزيلها أو الاشتراك بها.

وأشار الصحافي الرياضي بجريدة الوطن المصرية (خاصة) محمد الصايغ لـ”العرب” إلى أن البودكاست يضيف الكثير على مستوى تطوير مهارات الصحافيين وتوظيف ما يمتلكونه من معلومات، وهو نافذة مهمة للوصول إلى أكبر عدد من الجمهور خلال فترة وجيزة إذا ما استطاع المحتوى جذب متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، وتبقى هناك ردود أفعال مستمرة على ما يتم تقديمه بما يسهم في الارتقاء بالتجربة.

وأوضح الصايغ، ويقدم بودكاست “دبل باص” مع زميلته شروق حسونة، أن اختيار مذيعي الحلقات بحاجة إلى التدقيق ليكونوا قادرين على الغوص في تفاصيل قضايا مختلفة، حسب تخصص المحتوى، مع أهمية التحدث بلغة يفهمها الجمهور المهتم بالأحداث الرياضية على مواقع التواصل، إذا كانت الحلقات تناقش ملفات رياضية.

وذكر لـ”العرب” أن الصحيفة تتولى مهمة إنتاج الحلقات ويتفرغ وزميلته شروق لإعداد الحلقة وتقديمها، ويصعب القول إن أي صحافي يمكنه تقديم هذا النوع من المحتوى، لأنه بحاجة إلى قدرات ترتبط بالحضور الذهني والثقافة الواسعة والقدرة على الإلقاء والحضور على الشاشة، وهي عوامل تسهم في تقديم حلقات تجذب الجمهور.

5