البشير.. من محكمة سودانية إلى مشهد في قفص الاتهام بلاهاي

تسليم البشير إلى المحكمة الدولية يخلص الحكومة من الضغوط الشعبية وأفضل للسودان سياسيا وأمنيا.
الخميس 2021/08/12
البشير صار من الماضي

الخرطوم – قرر السودان تسليم الرئيس المعزول عمر حسن البشير واثنين من مساعديه إلى المحكمة الجنائية الدولية في خطوة تهدف إلى القطيعة مع حقبة حكم الإسلاميين بكل تبعاتها والبدء بحقبة جديدة بلا عقد.

وقالت أوساط سياسية سودانية إن الانتقال من صورة البشير في محكمة سودانية إلى مشهد في قفص الاتهام في لاهاي سيعني تحرر السودان من الماضي ومن الضغوط المحلية والإقليمية بشأن محاكمة البشير، كما يفتح له طريق العودة إلى المجتمع الدولي والحصول على الدعم للخروج من الأزمات التي خلفها النظام السابق.

وأشارت هذه الأوساط إلى أن “إحالة القضية إلى الجنائية الدولية ستعني بالنسبة إلى بقايا النظام الأسبق ومنظومة الحركة الإسلامية أن البشير صار من الماضي، وأن مصيره خرج من بين أيديهم وبات معلقا بيد محكمة حبالها طويلة وقد تستمر المحاكمة لسنوات، ومن ثمة فلا طريق أمامهم سوى الاندماج في المجتمع والقبول بالتغيير الذي حصل”.

عثمان والي: السلطة أثبتت بالدليل أن لديها رغبة في تنفيذ العدالة

وتستشهد الأوساط بتحقيق محكمة الجنايات في حرب يوغسلافيا التي بدأت عام 1991 وانتهت عام 2001، وأخذت المحكمة الوقت الكافي لدراسة سجلات المتورطين فيها، وأصدرت في يونيو الماضي فقط حكما باتّا بالسجن مدى الحياة ضد راتكو ملاديتش المعروف بـ”جزار البوسنة”.

ويلوّح أنصار النظام السابق في السودان بالعودة إلى الشارع مع كل أزمة صغيرة تعيشها البلاد لإظهار أنهم قوة محددة في المستقبل، وقد يجدون في محاكمة البشير على الأراضي السودانية فرصة لتحرك أقوى وأوسع، وهو ما يجعل تسليم البشير إلى المحكمة الدولية أفضل للسودان أمنيا وسياسيا.

ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية “سونا” عن وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي قولها بعد لقائها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم أسد خان الذي يزور السودان “قرّر مجلس الوزراء تسليم المطلوبين إلى الجنائية الدولية”.

وأكدت الوزيرة على تعاون بلادها مع المحكمة “لتحقيق العدالة لضحايا حرب دارفور”. ويوجد البشير حاليا في سجن كوبر بالعاصمة السودانية. وقد عزل وأوقف في أبريل 2019 إثر حركة احتجاج شعبية واسعة ضده.

وصادق مجلس الوزراء السوداني الأسبوع الماضي على قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، في ما اعتبر خطوة جديدة في اتجاه محاكمة البشير أمام الهيئة القضائية الدولية في لاهاي.

وقال أمين التنمية والإعمار بحركة جيش تحرير السودان –  جناح مني أركو مناوي عثمان والي إن الحكومة تخلصت من الضغوط الشعبية التي حاصرتها طيلة الفترة الماضية ونادت بضرورة تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية، وهو ما ستكون له آثار إيجابية على مستوى دعم ثقة ضحايا دارفور في الحكومة، والآن أثبتت السلطة بالدليل الواضح أن لديها رغبة في تنفيذ العدالة على كافة المتورطين في جرائم حرب.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “أنصار النظام البائد الذين حاولوا عرقلة سير العملية الانتقالية تلقوا هزيمة سياسية جديدة بإعلان تسليمه، ومتوقع أن يقوموا بردود فعل على مستوى التشكيك في وطنية القائمين على إدارة شؤون البلاد، لكن لن يكون لتحركاتهم أثر على الأرض”.

وأوضح أن هناك أشخاصا داخل السلطة الانتقالية لم يرحّبوا بقرار التسليم لكنهم في النهاية خضعوا لرغبة الأغلبية بعد أن ثبت بالدليل أن المحاكم المحلية غير جادة في معاقبة البشير ولا تصلح لإجراء محاكمات على جرائم الحرب داخلها.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في العام 2009 مذكرة توقيف في حق البشير الذي اتهمته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال النزاع المسلح في دارفور الذي اندلع في 2003 وقتل خلاله أكثر من 300 ألف شخص.

Thumbnail

كما أصدرت مذكرتي توقيف في حق اثنين من مساعديه وهما وزير الدفاع السابق عبدالرحيم محمد حسين وحاكم ولاية جنوب كردفان السابق أحمد هارون المحبوسين في سجن كوبر أيضا.

وطالب هارون مطلع مايو الماضي بإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية عقب مثوله أمام لجنة تحقيق حكومية.

وأوضح خبير القانون الدولي علاء عرابي أن المحاكمات الجنائية دائما ما تأخذ حيزاً من الوقت لضمان صدور أحكام عادلة ويتطلب الأمر سماع أقوال عدد كبير من الشهود وأدلة الإثبات ومعاينة مسرح الجريمة، لكن في النهاية سوف يكون هناك حكم باتّ ونهائي واجب النفاذ.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن توقيع السودان على اتفاق روما جعل هناك التزاما دوليا من جانبه تجاه المجتمع الدولي بضرورة تسليم البشير، وأن السودان سيتخلص من الضغوط السياسية بقرار التسليم.

علاء عرابي: السودان يتخلص من الضغوط السياسية بقرار التسليم

ووصل المدعي العام الجديد للمحكمة الجنائية الدولية كريم أسد خان الذي تولى منصبه في يونيو إلى السودان الاثنين برفقة عدد من مستشاريه ومسؤولين في المحكمة الدولية في زيارة تمتد حتى اليوم الخميس.

وأكد النائب العام السوداني مبارك محمود لدى لقائه المدعي العام الدولي الثلاثاء استعداد بلاده للتعاون “المطلق مع المحكمة الجنائية الدولية في كل القضايا لاسيما قضية ضحايا حرب دارفور وتحقيق العدالة لهم”.

وفي مايو الماضي زارت المدعية السابقة للمحكمة فاتو بنسودا دارفور وكانت أرفع مسؤول في المحكمة يزور الإقليم منذ إحالة مجلس الأمن الدولي ملف دارفور إلى المحكمة في عام 2005.

وعقدت بنسودا اجتماعا مع ممثلين لأسر الضحايا الذين يعيشون في مخيمات حول مدينة الفاشر، وقد رفعوا يومها لافتات تطالب بالعدالة للضحايا وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية.

واندلع القتال في دارفور عام 2003 عندما حمل متمردون أفارقة السلاح ضد نظام البشير. واستعانت الخرطوم آنذاك بميليشيا الجنجويد التي كانت تجند مقاتلين من القبائل الرحل في المنطقة.

وأعلنت المحكمة الدولية في يوليو أن زعيما لميليشيا الجنجويد هو علي محمد علي عبدالرحمن المعروف باسمه الحركي علي كوشيب سيكون أول متهم يخضع للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية خلال النزاع المسلح في دارفور. وكان كوشيب سلم نفسه إلى المحكمة العام الماضي.

ودعت بنسودا خلال زيارة إلى الخرطوم الحكومة السودانية الانتقالية إلى تسليم أحمد هارون إلى القضاء الدولي لكي يحاكم مع كوشيب.

وكان مجلس السيادة الانتقالي، أعلى سلطة حاليا في السودان والمكوّن من مدنيين وعسكريين مع مهمة إدارة الفترة الانتقالية في البلاد، وعد بعد تسلمه الحكم في فبراير 2020، بمثول البشير امام المحكمة الجنائية الدولية. ويحاكم البشير أمام محكمة سودانية بتهمة القيام بانقلاب عسكري على النظام في يونيو 1989.

1