البشر، وليس البرمجيات، خط الدفاع الأول في مواجهة الأخبار الزائفة

تعمل الأخبار الزائفة بشتي أنواعها على تآكل الثقة بمصداقية الأخبار والصحافيين وإضعاف دور الصحافة في كشف الحقائق في المجتمعات، ويلعب توظيف الذكاء الصناعي دورا كبيرا في ذلك، حيث أوجد تحديات أخلاقية ومهنية كبيرة، ومن أبرزها عدم جودة البيانات وصحتها، والتزييف العميق للمحتوى الإخباري، وتحيز البيانات، وانتهاك خصوصية الأفراد، والتعدي على حرية التعبير وإزالة المحتوى.
هذه الإشكاليات شكلت محور كتاب “الذكاء الاصطناعي في مواجهة الأخبار الزائفة” الصادر عن دار العربي للباحثة د. نوره عبدالهادي الدسوقي، والتي أكدت أن العالم يشهد ارتفاعا غير مسبوق في سرعة انتشار الأخبار الزائفة وهو ما دفع بعض المؤسسات والدول إلى اتخاذ عدد من الإجراءات بغية الحد من انتشار تلك الأخبار والتصدي لها.
وقالت الدسوقي إن الأخبار الزائفة وجدت منذ فترات زمنية سابقة، لكن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتشكيلها عنصرا مهما في التزود بالمعلومات والحصول على الأخبار أصبح اكتشاف الأخبار الزائفة محل جدل كبير في المجتمع خاصة في ظل بيئة رقمية تمتاز بالذكاء والمرونة الكبيرة والسرعة الفائقة في نقل المعلومات، حيث شكل هذا الموضوع خاصة في الآونة الأخيرة نقاشات محتدمة في كيفيات الكشف عنها وإيجاد آليات مواجهتها، إلا أن عددًا من المؤسسات الإعلامية يقع بشكل يومي في فخ الأخبار الزائفة، وذلك لأسباب مرتبطة أولا بالتطور السريع لتكنولوجيات الإعلام والاتصال وسرعة تدفق المعلومات عبر وسائل الإعلام الجديدة، وكذلك التنافس بين المؤسسات الإعلامية على السبق الصحفي، ما يوقع الكثير منها ومن الصحافيين في الفخ، إلى جانب غياب مبادرات جادة كالمنصات أو المواقع المتخصصة للتحري من مصداقية المعلومات المتداولة.
وترى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت إحدى أهم الأدوات في الإعلام الجديد بالنظر إلى ما تقوم به من دور متعدد الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلا أنها تظل في الوقت نفسه حاملة ومروجة لأحد أكبر مصادر التهديد للأمن الوطني للدول في ظل لجوء البعض لتوظيفها بشكل سيء لنشر الأخبار الزائفة، والتي تؤدى إلى العديد من المخاطر، وتهدم الثقة بين الجمهور والوسائل الإعلامية، وبذلك أصبح الجمهور غير قادر على تحديد مصداقية هذه الأخبار.
ونتيجة لذلك ظهرت مواقع متخصصة لمراجعة حقيقة الأخبار والتحقق من الخبر، ويخضع اكتشاف مثل هذه الأخبار أو تصديقها لعوامل مختلفة منها وقت الأزمات ومدى استعداد المتلقي لتقبلها وتناقلها، خاصة إذا كانت مصاغة بشكل جيد وتلعب على أوتار نفسية مؤثرة وتحمل جزءا من الحقيقة فتكون لها فرصة لخداع المستقبل لتصديق الأكاذيب، في ظل ما يعانيه المجتمع من نقص المعلومات وصعوبة الوصول إلى المصادر التي تمتلكها.
لذلك فإن كبرى شركات المحتوى في العالم مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب تستعمل تلك البرمجيات كإحدى وسائل مجابهة الأخبار الزائفة لكن مازال خط الدفاع الأول هو البشر.
وأكدت الدسوقي أن الإعلام يعاني في الفترة الأخيرة العديد من الانتهاكات الأخلاقية والمهنية ويقع الجمهور ضحية أخطاء جسيمة وممارسات غير مهنية تفتقر إلى القواعد الأخلاقية وخاصة في ظل عدم وجود رادع قوي ينظم العمل الإعلامي في المنصات الرقمية للإعلام الجديد ويحدد أسس ممارسته وأساليبه. ومن ثم تزايدت مراجعة الأخلاقيات المهنية للتأكد من التزام القائمين بالاتصال بمعايير الدقة وتحري صحة المعلومات، وزادت مسؤولياتهم لضبط أدائهم عبر المنصات الرقمية والالتزام بالمعايير والقيم المهنية والأخلاقية.
وأضافت أن الأخبار الزائفة والمفبركة لها قدرتها على صناعة واقع زائف يصدقه الشباب ويتفاعلون معه وينساقون وراءه باعتباره حقيقة واقعة، خاصة مع الانتشار الكبير للمنصات الرقمية والتي أصبحت حالياً المصدر الرئيسي للأخبار للكثيرين، وأغلبهم شباب، ما أسهم في تصاعد أزمة الأخبار الزائفة وما ينجم عنها من أخطار كبرى.
ولفتت إلى أن هناك فرقا بين مصطلحي “الأخبار الزائفة ” و”الشائعات “، فالأخبار الزائفة تتسم بسمتين أساسيتين الأولى: احتواء الخبر على معلومات كاذبة، والثانية: الخبر الكاذب يتم صنعه بنية غير سليمة من أجل تضليل الجمهور، أما الشائعات فلا تتبع نتيجة وقوع أحداث بعينها. ويقصد بالأخبار الزائفة الكذب أو بعد التحقق منها أنها كاذبة والتي يمكن أن تضلل القارئ، وخاصة أن لها متطلبات سياسية ولها انتشار واسع المدى على المواقع التواصلية بصفة خاصة، وتحمل عناوين مثيرة أو التي يحتمل أن يساء فهمها عن الحقيقة.
الأخبار الزائفة باتت تمثل خطراً حقيقياً على الأمن القومي سواء الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي فمن ناحية الأمن القومي الاقتصادي بالنيل من الثقة المالية للدولة
وتابعت الدسوقي أن معدل انتشار الأخبار الزائفة يتزايد وقت الأزمات والأحداث الهامة في المتجمع، نظراً لصعوبة تقصي الحقيقة من قبل المواطن في مثل تلك الفترات، وتعمل المنصات الرقمية على تسهيل انتشار تلك الأخبار الزائفة، حيث أنه في وقت الأزمات تمر فترات طويلة حتى تتكشف أسباب كارثة ما وعواقبها، ومن هنا تتهيأ بيئة خصبة لانتشار الأخبار الزائفة لأن المواطنين لا يحصلون على الحقائق التي يرغبون فيها، ومن هنا يعمل المواطن على ملء هذا الفراغ المجرد من المعلومات المؤكدة ويبدأ في اختلاق الأخبار الزائفة، ونتيجة لسرعة انتشار تلك الأخبار في عصر المنصات الرقمية فإن تأثيراتها المدمرة تتزايد بالمجتمع.
وأكدت أن الأخبار الزائفة من أخطر الأساليب المستخدمة وأفتكها في التأثير على الأمن والجماهير، ذلك لأنها تندس بطريقة أشبه ما تكون بالسحر وسط الجماهير، ولأنه من الصعب أيضا معرفة مصدرها، وفي بعض الأحيان تتسبب الأخبار الزائفة في المظاهرات والشغب في البلد وخصوصا عندما تتعلق ببعض الفئات والطوائف وحدوث بلبلة في الرأي العام ونقص الثقة بالحكومة ولها تأثير عام على صانعي القرار.
وقالت الدسوقي إنه إذا نظرنا إلى الحالة العربية وتأثيرات الأخبار الزائفة عبر وسائل الإعلام التقليدية والرقمية وجدنا حالات التزييف المتكررة ضد الحكومات والأنظمة القائمة، هي التي تستخدمها الجماعات المختلفة في شن الهجوم على تلك الحكومات والأنظمة، كما باتت الأخبار الزائفة آفة تهدد بقاء الحكومات المتعاقبة واستقرارها؛ لاسيما مع سهولة انتشارها عبر وسائط الإعلام المتعددة والمتطورة.
وخلصت إلى أن الأخبار الزائفة باتت تمثل خطراً حقيقياً على الأمن القومي سواء الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي فمن ناحية الأمن القومي الاقتصادي بالنيل من الثقة المالية للدولة على الرغم ممّا تبذله الدولة من مشروعات قومية عملاقة، وهكذا فإن الأخبار الزائفة من شأنها الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، فضلاً عن الأضرار بالمركز الاقتصادي للدولة.