البرنامج الانتخابي لحزب سانشيز يتجاهل ضغوطات الجزائر وبوليساريو

خيبت أبرز الأحزاب الإسبانية، مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في البلاد، آمال جبهة بوليساريو وأنصارها، حيث تجاهلت برامجها الانتخابية “استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي”.
مدريد - يواصل حزب العمال الاشتراكي في إسبانيا، الذي يتزعمه بيدرو سانشيز النأي بنفسه عن جبهة بوليساريو، وهو ما يظهر من خلال برنامجه الانتخابي الذي تجاهل العلاقات مع الجزائر وبعض المطالب الرئيسية للجبهة الانفصالية.
وقدم الحزب العمالي الاشتراكي برئاسة بيدرو سانشيز، برنامجه الانتخابي للانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في الثالث والعشرين من يوليو الجاري.
ووصفت وثيقة الحزب العمالي سكان مخيمات تندوف في الجزائر بأنهم “سكان” وليسوا “شعبا صحراويا”، كما تدعي الجبهة في خطاباتها.
ومن شأن هذه النقطة في البرنامج أن تعزز عزلة بوليساريو مستقبلا، وذلك بعد أن تجاهل نص برنامج الحزب برئاسة بيدرو سانشيز تنظيم “استفتاء على تقرير المصير للشعب الصحراوي” أو تمديد ولاية المينورسو لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، رغم أن هذا المطلب، كان متواجدا في وثيقة حزب العمال الاشتراكي، التي نُشرت في سبتمبر 2019.
ويقول محمد لكريني، أستاذ القانون الدولي، إن “برنامج الحزب الاشتراكي الانتخابي يؤكد نهجه المستمر في عدم إيلاء الأهمية لجبهة بوليساريو وتجاهل كل محاولات التشويش التي قام بها موالون لبوليساريو داخل إسبانيا”، مشدّدا على “احترام المبادئ والقواعد التي تجمع الرباط ومدريد”.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن “الحزب الاشتراكي تجاهل ضغوطات الجزائر التي كانت تنتظر تغييرا في موقفه من قضية الصحراء”.
ومنذ إعلان إسبانيا عن موقفها الجديد بدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية لحل نزاع الصحراء، في مارس 2021، لم تتوقف الأحزاب المساندة للجبهة الانفصالية على انتقاداتها الشديدة لحزب سانشيز، متهمة إياه بالتخلي عما تسميه بـ”حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره”، مستغلة الحملة الانتخابية لزيادة الضغط على الحزب الاشتراكي لأجل مكاسب انتخابية.
وفي سياق استعداداته للاستحقاقات الانتخابية، يلتقي برنامج حزب الاشتراكيين مع البرنامج الانتخابي للحزب الشعبي برئاسة ألبرتو نونيز فيجو في تجاهل نقطة “استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي”، علما أن هذه النقطة كانت مدرجة في برنامج الحزب اليميني، في فترة خوسيه ماريا أزنار وماريانو راخوي.
ويفسّر محمد الطيار، الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية، تجاهل حزب العمال الإسباني لأطروحة الانفصاليين بـ”التزام الحزب الاشتراكي بخارطة طريق مع المغرب على أساس الوضوح والامتثال للاتفاقيات، مع نسفه كل آمال للجبهة الانفصالية في استعادة دعم هذا الحزب لأطروحة تقرير المصير”.
ولفت لـ”العرب” إلى أن “إسبانيا مقتنعة بموقفها من الصحراء المغربية، وتخليها عن بوليساريو أصابها في مقتل”.
وإلى جانب تجاهل حزب العمال الاشتراكي المطالب الرئيسية لجبهة بوليساريو، لم تلتفت الوثيقة الانتخابية إلى موضوع الجزائر تماما، وفي الجزء المخصص للعلاقات مع “الجيران”، لم يتم ذكر الجزائر، الداعم الأساسي لبوليساريو.
اقرأ أيضا:
وكانت العلاقات بين الجزائر ومدريد قد تدهورت بشكل ملحوظ بعد دعم سانشيز لخطة الحكم الذاتي لمغربية الصحراء، وتفاعلت الجزائر مع هذا الدعم لأول مرة، في مارس 2022، باستدعاء سفيرها في مدريد للتشاور، ثم بإصدار مرسوم، في يونيو من العام نفسه، بفرض عقوبات اقتصادية على الشركات الإسبانية التي تصدر إلى السوق الجزائرية.
وتراهن بوليساريو على البرامج الانتخابية لبعض الأحزاب لتعويض خسارة تغيير موقف الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني في العام 2022 بخصوص الصحراء المغربية، ولم يسم “تقرير المصير للشعب الصحراوي”، كما كان سابقا، ومنها تكتل سومار الإسباني الجديد برئاسة يولاندا دياز، الذي قالت قيادة الجبهة إنها مطمئنة إلى برنامجه الانتخابي المتمسّك بتعهّده الثابت بالدفاع عن استفتاء تقرير المصير حتى لو كان هذا المقترح قد تم استبعاده من قبل الأمم المتحدة.
ويرى مراقبون أن بوليساريو لا يمكنها الاعتماد على تصريحات يولاندا دياز، في ما يتعلق بموقفها الانتخابي من الصحراء المغربية، لأنه حسب هؤلاء قد تذهب في الاتجاه الذي سلكه حزب العمال، خصوصا بعد تعيينها للدبلوماسي أغوستين سانتوس في قائمة “سومار” لمدريد، والذي تعتبر مواقفه داعمة للمغرب.
وبخلاف بعض الأحزاب الإسبانية الأخرى، ذهب حزب “فوكس” اليميني الذي يقوده سانتياغو أبسكال، في اتجاه حزب العمال، بتجاهل مطالب بوليساريو في برنامجه الانتخابي الذي دخل به غمار الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها يوم الثالث والعشرين من يوليو الجاري.
بوليساريو لا يمكنها الاعتماد على تصريحات يولاندا دياز، في ما يتعلق بموقفها الانتخابي من الصحراء المغربية
وتأتي خطوة “فوكس”، المعروف بعدائه للمغرب، على عكس ما ذهبت إليه بقية الأحزاب الإسبانية التي تبنت ما يسمى بـ”مسؤولية إسبانيا تجاه الشعب الصحراوي”، وحظيت باهتمام أحزاب سومار والحزب الشعبي وحزب العمال الاشتراكي.
وكان الحزب الاشتراكي واضحا، عندما تجاهل برنامجه الانتخابي الحديث عن الأزمة التي نشبت بين إسبانيا والجزائر بسبب موقفها الداعم للمغرب، رغم تداعياتها السلبية على العلاقات بين البلدين والتعاون الثنائي.
وشدّد في المقابل على “مواطن القوة في العلاقات المغربية – الإسبانية في ملفات الهجرة والاقتصاد والتعاون الأمني”، مؤكدا أن “مواصلة التعاون وبناء العلاقات الفريدة بين الجانبين، أهم نقاط الحزب في سياسته الخارجية”.
ويرى متابعون أنه على عكس محاولات بوليساريو والجزائر للتقرب من أحزاب إسبانية للتأثير سلبا على العلاقات بين الرباط ومدريد، يعتزم حزب العمال الاشتراكي مواصلة تعزيز العلاقات مع المملكة المغربية، في إشارة واضحة إلى “استكمال خارطة الطريق الموقعة خلال القمة الثنائية بين البلدين، والحفاظ على الموقف الإسباني التاريخي من مخطط الحكم الذاتي بالصحراء المغربية”.
وتأتي الانتخابات العامة بإسبانيا المقررة في هذا الشهر، بعد التحول الجذري الذي تمّ في العلاقات الثنائية في مارس 2022 عندما حسمت رسالة من بيدرو سانشيز إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، في إنهاء الأزمة بين المغرب وإسبانيا، وذلك بعدما أعلن من خلالها دعمه لمقترح الحكم الذاتي المغربي، وهو ما دفع الجزائر إلى استدعاء سفيرها من مدريد، في حين أعلنت بوليساريو قطع علاقاتها مع إسبانيا.