البرلمان المصري يقطع مع مهادنة الحكومة

أداء النواب خلال الفصل التشريعي الأول لم يحظ برضاء قطاع كبير من المواطنين.
الخميس 2021/10/21
مساع لاسترجاع الدور الرقابي

القاهرة – بدأ البرلمان المصري يتخلى تدريجيا عن مهادنته للحكومة ويستعد لاسترجاع دوره الرقابي الذي غاب عنه منذ تشكيله الجديد مطلع العام الجاري، ودشن انطلاقة قوية مع بدء دورته الثانية أخيرا وتقديم طلبات إحاطة لبعض الوزراء للمثول أمامه.

واستدعى البرلمان وزير الشباب والرياضة أشرف صبحي لمواجهته بمخالفات اتحاد كرة القدم، وشهدت اللجنة المختصة بالمناقشة خلافا بين الوزير ومعه رئيس اتحاد الكرة أحمد مجاهد وبعض النواب الذين أمهلوهما ثلاثة أيام تنتهي الخميس للرد على المخالفات قبل إحالتها إلى النيابة العامة واتخاذ خطوات أكبر على مستوى المساءلة البرلمانية.

حنان أبوسكين: المجلس يشهد تطورا على مستوى الممارسة الرقابية
حنان أبوسكين: المجلس يشهد تطورا على مستوى الممارسة الرقابية

ولم يحظ أداء النواب خلال الفصل التشريعي الأول برضاء قطاع كبير من المواطنين، وتعرض بعضهم لهجوم لاذع في دوائرهم وصل إلى عدم تمكنهم من لقاء ناخبيهم.

وبدا أن محاسبة وزارة الشباب والرياضة على صرف الملايين من الجنيهات في أوجه بعيدة عن مخصصاتها المحددة، بجانب متابعة تنفيذ قرض خارجي لوزارة الطيران المدني بلغ 300 مليون دولار والمطالبة بتقرير يكشف أوجه صرفها، ومناقشة أزمات التعليم، من ملامح التغير الحاصل في أداء البرلمان ورغبته في تطوير دوره.

ووجد مجلس النواب الذي يسيطر على أغلبيته حزب “مستقبل وطن” القريب من الحكومة نفسه في موقف حرج بعد أن تزايدت الأزمات على مستوى الزيادات في الأسعار والتعليم والصحة التي أثارت الرأي العام، وهو لا يستطيع الدخول في صدام مع الحكومة، لذلك قد يثبت أنه يساير المتغيرات الحاصلة في المجتمع ويتعامل معها.

ويشير اتجاه البرلمان نحو استدعاء وزراء ومناقشتهم حول أدائهم إلى أن التعديل الوزاري الذي جرى إرجاؤه أكثر من مرة ربما يتم تمريره قريبا، ما يتطلب إظهار الوجه الرقابي الذي يجد مبررات مناسبة لاستمرار وزراء بعينهم أو رحيلهم.

ويبدو التطور الأبرز الذي يشهده البرلمان في هذه الدورة في تفعيله لأداة الاستجواب التي ظلت غائبة طوال فترة انعقاد المجلس السابق ومنذ انطلاق هذا المجلس، وعدّ ذلك دلالة مهمة على تحول في أداء نواب البرلمان الذين كثفوا أنشطتهم مؤخراً لتبديل النظرة السلبية إلى المجلس بعد أن راهن الناس عليه لإحداث حراك سياسي ينشدونه.

وتقدمت النائبة سميرة الجزار عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي (معارض) باستجواب موجه إلى رئيس الحكومة مصطفى مدبولي ووزير السياحة والآثار خالد العناني بشأن شطب جبلاية (حديقة) الأسماك من تعداد الآثار بحي الزمالك في وسط القاهرة التي أنشأها الخديوي إسماعيل عام 1868.

وأكدت النائبة في تصريح خاص لـ”العرب” أن خطورة القضية لا تتمثل فقط في الاعتداء على موقع أثري مهم، لكنها ترتبط بالتعامل مع الأماكن التاريخية التي شهدت تعديات من جهات حكومية مختلفة، وهو ما تطلب التقدم باستجواب عاجل كان من نتائجه تراجع وزارة الآثار عن قرارها قبل استجواب الوزير من جانب البرلمان.

وأضافت الجزار أن كثرة طلبات الإطاحة والاستجوابات مع بدء الدورة الثانية ترجع إلى غياب البرلمان عن العمل لعدة أشهر للعطلة الصيفية، وتراكم بعض المشكلات التي تحتاج إلى تدخل من النواب، ووجود عدد من القضايا المؤجلة من دورة الانعقاد السابقة.

وينطوي تقدم نائبة من المعارضة باستجواب على إشارة بأن هناك رغبة في إتاحة مساحة عمل أكبر للأحزاب داخل البرلمان تماشيًا مع حراك أحدثته خطوات حكومية نحو تخصيص العام 2022 ليكون عاماً للمجتمع المدني، ما ينعكس على أوضاع الحريات العامة التي باتت محل انتقادات دولية وداخلية، وسيكون من المفيد ممارسة المعارضة لبعض الأنشطة السياسية داخل الأطر الشرعية.

البرلمان المصري دشن انطلاقة قوية بتقديم طلبات إحاطة لبعض الوزراء للمثول أمامه
البرلمان المصري دشن انطلاقة قوية بتقديم طلبات إحاطة لبعض الوزراء للمثول أمامه

ودفعت هذه المعطيات البرلمان إلى إدخال تعديلات على إجراءات إنشاء الهيئات البرلمانية للأحزاب، وأضحى من حق الحزب الذي لديه ثلاثة نواب تشكيل هيئته بعد أن كان الاشتراط في السابق عشرة نواب، ما يعزز دور الأحزاب التشريعي والرقابي ويسهم في تحسين الصورة التي بدت الحكومة مهيمنة عليها.

وأكدت أستاذة العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة حنان أبوسكين أن المجلس شهد تطوراً على مستوى الممارسة الرقابية، وهناك حرص من قبل عدد كبير من النواب على لعب دور همزة الوصل بين المواطنين والحكومة وتسريع وتيرة العمل وتصويبه من دون الدخول في صدامات مع أحد.

وأوضحت لـ”العرب” أن البرلمان تُلقى عليه أعباء سياسية ثقيلة لأن هناك رؤى حكومية تتعلق بتحسين البيئة السياسية، وهو يتحمل مسؤولية تنفيذ التشريعات المرتبطة بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بتوقيتاتها الزمنية المحددة لإحداث تغيير في الأجواء السياسية وما يترتب عليها من إدخال تعديلات على قوانين الحبس الاحتياطي وقوانين الحماية الاجتماعية والاقتصادية والتشريعات الخاصة بحرية الرأي والتعبير.

وتحدد البيئة المجتمعية المحيطة بالبرلمان طبيعة ممارساته، ويدفع وجود جملة من المشكلات التي طفت على السطح مؤخراً إلى القيام بتغيير حقيقي في آليات عمله.

ولم يشعر الرأي العام حتى الآن بالخطوات التي اتخذت بعد أن جرى منع بث جلسات البرلمان وأغلقت القناة المخصصة لمتابعة أخباره، إضافة إلى استمرار التضييق على ممارسات الإعلام تجاه كل ما يتعلق بالأمور السياسية داخل جدرانه، ما يتطلب حدوث تغيير في الآليات تؤكد أن ثمة تغييرا في التصورات والممارسات.

وتتخوف دوائر سياسية من أن تكون فاعلية الأداء مماثلة لما جاء في الدورة الأولى التي خفتت فيها المعلومات حول مستوى الأداء الرقابي بعد استدعاء غالبية وزراء الحكومة ولم يطلع المواطنون على نتائج ما جاء في الجلسات من مناقشات.

وتخشى هذه الدوائر أن ينصب التغير على الشكل ويُترك المضمون، فالتحركات داخل البرلمان ما لم تنعكس في هيئة تصرفات عملية حيال محاسبة الحكومة قد تقضي على الأمل الذي ظهر مع تفعيل آلية الاستجواب وطلبات الإحاطة في مجلس النواب.

2