البرلمان التركي مجرّد من سلطاته

قالت متروبول، وهي واحدة من عدد قليل من الشركات التي تجري استطلاعات الرأي المستقلة والخاصة الموثوق بها في تركيا، إن أرقام تأييد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تشير إلى ارتفاع شعبية الرئيس، بنسبة 7.3 بالمئة لتصل إلى 53.1 بالمئة. والأكثر دلالة هو تراجع مستوى الرفض بنسبة 11.1 بالمئة إلى 38.2 بالمئة.
تشير الأرقام إلى أن الجماهير جلبت مفهوم التحول الراديكالي إلى حكم الرجل الواحد. ومثله مثل الأمثلة العديدة في تاريخ صعود الحكم الاستبدادي، فإن قصر نظر الجماهير يمكن أن يمنع الفهم الصحيح للتحولات البنائية السياسية.
وكتب جنكيز أكتار لموقع أحوال تركية يقول “تآزرَ الإسلام السياسي مع جماهيره من خلال ولادة جديدة للإسلام السني التركي والميول الاستبدادية المدفونة في الأعماق”.
وألقى مقال أكتار الضوء على نقطة مهمة وهي “علينا أن نولي اهتماما خاصا بهذه الجماهير الهائلة التي لا يمكن أبدا تجاهلها والتي تغذي نفسها من المعرفة غير المباشرة عن الإسلام السني لتتحول إلى سلفية تتسم بفقد الذاكرة وروح الانتقام،”.
ومن الضروري أن نضع نصب أعيننا العدد الكبير من الأتراك العلمانيين، وبعضهم من المسلمين حضاريا وجميعهم من القوميين المنفتحين، ومن الضروري تذكّر أن تركيا قامت بتسييس الجالية الكردية بشدة. ويحتل نواب الأتراك العلمانيون والأكراد قرابة ثلث مقاعد البرلمان التركي. ونصيبهم من التصويت أعلى قليلا. فماذا يفعل نواب حزب الشعب الجمهوري الكمالي العلماني، ونواب حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد؟
وربما يكون هذا هو السؤال الأكبر عن مستقبل تركيا؛ هل هناك أي مكابح ديمقراطية، أي شيء من شأنه أن يُبطئ من تعزيز أردوغان لحكمه الاستبدادي؟
والحقيقة المرّة هي أن البرلمان لم يعد بيده فعل أي شيء تقريبا. فقد تحوّلت جميع السلطات التنفيذية بالكامل بعد الانتخابات لتصبح في يد الرئيس وحده. وأصدر أردوغان مراسيم من اليوم الأول. وبالإضافة إلى البداية المدوية، يبدو أن أردوغان عازم على إظهار إصراره على تخطي السلطة التشريعية والسيطرة على كل شكل من أشكال الحياة العامة عن طريق إصدار المراسيم واحدا تلو الآخر. ويحث هذا الجزء الأكثر استراتيجية من المعارضة، حزب الشعوب الديمقراطي، على التراجع عن صمته الملحوظ. وتلعثم حزب الشعب الجمهوري في رده مع استعادته للسلوك الفوضوي الملحوظ.
وأثنى إلهان كيسيجي، وهو أحد رموز حزب الشعب الجمهوري، على نتيجة الانتخابات. وقام بزيارة أردوغان في قصره المَهيب، ثم رسم صورة وردية بعد ذلك، كما لو كان كل شيء يسير على طبيعته. وتوقعت رموز رائدة أخرى في حزب الشعب الجمهوري مثل أردوغان طبرق وهْما أن البرلمان سيكون قوة مؤثرة حتى على الرغم من أنه حاليًا ما هو إلا قاعة اجتماعات خاوية إنه مجرد من سلطات مساءلة السلطة التنفيذية.
ويمكن القول إن البرلمان الذي أصبح دون سلطات هو أقوى علامة على أن تركيا أكملت تحوّلها إلى جمهورية من جمهوريات آسيا الوسطى. وتعني حتمية المنطق الاستبدادي أن جيوب المعارضة الباقية سيتم الاستحواذ عليها هي الأخرى. ولا يبدو أن حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي قد استسلما تماما. فهناك اجتماعات تُعقد خلف الأبواب المغلقة في كل من أنقرة وإسطنبول لمناقشة ما سيتم فعله. ويعني نظام المراسيم أن فرصة المعارضة لكي تكون فعالة في السلطة التشريعية منعدمة تقريبا. فالمعارضة لا يمكنها حتى المطالبة بتصويت على الثقة.
وفي ظل هذه الشروط، يرى البعض، أن كل ما تستطيع المعارضة فعله هو المماطلة السياسية. هذا كل ما تستطيع المعارضة القيام به ما لم تتحول المعارضة إلى مقاومة ضخمة ويستقيل قرابة 200 نائب من نواب البرلمان من الحزبين، ما يؤدي إلى اندلاع أزمة. وعلى الرغم من ذلك، ربما يأملون في أن تتسبب المعارضة الحقيقية لأردوغان -والاقتصاد المتدهور- في حدوث خسائر مع مرور الوقت.