البحيرة.. مركز لتفريخ الإرهاب بدلتا مصر خلف ستار الاستزراع الصحراوي

البحيرة (مصر) – وضع الأمن المصري أكثر من بؤرة إرهابية في محافظة البحيرة تحت المجهر وتزداد فيها الرقابة الأمنية إلى مستويات قياسية، بعدما كانت بعيدة لسنوات طويلة عن تصنيفها ضمن البؤر الإرهابية.
وضبطت وزارة الداخلية بؤرة إرهابية جديدة الخميس 24 أغسطس 2017 في صحراء وادي النطرون، وهو أحد الأحياء التابعة لمحافظة البحيرة يتميز بعمق صحاريه وابتعاده عن المناطق السكانية في الريف.
وقالت الوزارة في بيان لها إن قوات الأمن قتلت اثنين من الإرهابيين المسؤولين عن البؤرة الإرهابية الذين اتخذوا من إحدى المزارع مكانا لصناعة المتفجرات والأسلحة لاستخدامها في عمليات إرهابية بمحافظات دلتا مصر، وهي محافظات الغربية والبحيرة والإسكندرية ودمياط وكفرالشيخ.
وكان الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا) في محافظة البحيرة نجح في أبريل الماضي في ضبط مزرعة على مساحة ضخمة بصحراء المحافظة تبعد حوالي 50 كيلو مترا عن المناطق السكانية، وقالت الداخلية المصرية آنذاك إن الأسلحة والذخائر والمتفجرات التي ضبطت داخل ممرات أرضية أسفل المزرعة كانت كفيلة بارتكاب مجازر.
وبلغت حصيلة المزارع التي ضبطت في نطاق محافظة البحيرة وتصنّع بداخلها متفجرات وأسلحة منذ بداية العام الحالي نحو 5 مزارع تحتضن بؤرا إرهابية، ويقول الأمن المصري إنها كانت تعد لتفجير كنائس واستهداف قوات الجيش والشرطة في محافظات الدلتا.
وحسب مصادر أمنية مطلعة تحدثت مع “العرب” فإن المتهمين في امتلاك هذه المزارع التي تستخدم ستارا لتصنيع المتفجرات والأسلحة ينتمون لجماعة الإخوان، وهم ليسوا من سكان محافظة البحيرة وحدها بل من بعض المحافظات المجاورة لها أيضا. وأضافت المصادر أن هؤلاء الأشخاص يلجأون إلى الحيلة لشراء الأراضي بهدف استصلاحها وزراعتها على مساحات واسعة، ثم يحفرون ممرات وغرف تحت الأرض لاستخدامها كمخازن لصناعة الأسلحة والمتفجرات بمختلف أنوعها وتخزينها، ثم نقلها في ما بعد إلى المحافظات المجاورة لاستخدامها في عملياتهم الإرهابية.
الأمن المصري يضع أكثر من بؤرة إرهابية في محافظة البحيرة تحت المجهر ووزارة الداخلية تكثف الرقابة الأمنية فيها إلى مستويات قياسية.
ويستغل أصحاب هذه المزارع ابتعاد أماكن الاستزراع بالصحاري عن أعين رجال الأمن الذين يستقرون في المناطق الحضرية بمدن المحافظة ويبدأون في ممارسة نشاطهم باستقدام أدوات صناعة المتفجرات والأسلحة الآلية عبر الدروب والمناطق الصحراوية. نتيجة لذلك فإن جميع المزارع بمحافظة البحيرة، وتحديدا البعيدة عن المناطق السكانية، أصبحت تحت رقابة مشددة، وتجري حاليا مراجعة أوراق وملفات أصحابها للتأكد من خلو سجلاتهم.
ويخشى متخصصون في شؤون الجماعات الإسلامية من أن يكون تمدد الإرهاب والتطرف في محافظة البحيرة يمثل إعادة لإحياء الفكر الجهادي الذي انتشر في سبعينات القرن الماضي، ونتج عنه التخطيط لاغتيال الرئيس الراحل أنور السادات من خلال محمد عبدالسلام فرج، مهندس عملية الاغتيال والذي نشأ في حي الدلنجات بالبحيرة.
وشهدت محافظات عدة بدلتا مصر أحداثا إرهابية خلال الأشهر الأخيرة، استهدفت تمركزات أمنية أو كنائس على غرار تفجير كنيستين في طنطا والإسكندرية، وقالت تحريات أجهزة الأمن إن بؤر البحيرة التي ضبطت في المزارع هي مصدر وصول المتفجرات إلى أماكن وقوع الهجمات. وكان العنصران اللذان نفذا تفجيري كنيستى طنطا والإسكندرية تدربا داخل مزرعة بالبحيرة.
وأكد خبراء أن الضربات الأمنية المتلاحقة للبؤر الإرهابية في البحيرة تُعد قطعا مبكرا للإمدادات المسلحة التي تصل إلى مناطق وسط الدلتا، باعتبار أن إحكام السيطرة الأمنية على بؤر البحيرة ومزارعها يضرب مركز توزيع الإرهاب بدلتا مصر عموما.
وتمثل الطبيعة السكانية في المحافظة أحد العراقيل أمام رجال الأمن لتطهيرها بشكل كامل، خاصة وأن الترابط الأسري والعشائري والعصبية تسيطر على علاقات الأهالي ببعضهم، بالتالي من الصعب أن يقوم أحد بإبلاغ الأمن عن المتطرفين، سواء بالمعلومات أو حتى بالإشارة، لأن أكثرهم لديهم ثقافة الحماية للآخر، وهو ما يعول عليه الإرهابيون.
صحيح أنه لا تنتشر ثقافة الثأر والانتقام مثلما هو موجود في محافظات صعيد مصر، لكن الأمر يصل إلى حد المقاطعة بين العائلتين، وحتى المخبرون السريون لرجال الأمن يخشى بعضهم الإفصاح المباشر عن المتطرف خشية مقاطعته هو وعائلته.
وقال محمد نورالدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق الذي عمل لسنوات في المباحث الجنائية، إن اتخاذ محافظة البحيرة موطنا جديدا للإرهابيين جاء نظرا لابتعادها عن بؤرة التوتر في شمال سيناء، وتميزها بالهدوء والترابط السكاني ومساحاتها الشاسعة باعتبارها أكبر محافظات مصر من حيث المساحة، وهو ما ينمي الاعتقاد عند الإرهابيين بأنهم بعيدون عن أعين الأمن.
وتمثل البحيرة نقطة التقاء مختلف محافظات الوجه البحري، وبالتالي يمكن بسهولة الوصول منها وإليها.
وأوضح نورالدين لـ “العرب” أن أكثرية المناطق الريفية لا توجد فيها نقاط أمنية لما عرف عنها من سلمية سكانها وانشغالهم بالزراعة وابتعادهم عن العمل السياسي والحزبي، وهو ما وجد فيه المتطرفون والإرهابيون فرصة لأن يشكلوا مجموعات تستخدم تكتيكات جديدة من خلال شراء الأراضي واستصلاحها ثم حفر آبار عميقة لاستخدامها كورش لصناعة المتفجرات والأسلحة ونقلها إلى باقي المحافظات.
وذهب إلى أن الضربات الأمنية المتلاحقة للأوكار الإرهابية في البحيرة تحديدا تستهدف القضاء على إمدادات حركتي حسم ولواء الثورة التابعتين لجماعة الإخوان والمسؤولتين عن العمليات الإرهابية الفردية خلال الفترة الأخيرة.